
رغم التفاهم مع أمريكا.. لماذا يواصل الحوثيون قصف "إسرائيل"؟
الرأي الثالث - وكالات
منذ انهيار الهدنة بين إسرائيل وحركة «حماس»، عادت الجماعة إلى الهجمات الجوية، وأطلقت ابتداء من 17 مارس (آذار) الماضي نحو 28 صاروخاً باتجاه إسرائيل والكثير من الطائرات المسيرة.
وكان أخطر هذه الهجمات الأخيرة انفجار أحد الصواريخ قرب مطار «بن غوريون» في 4 مايو (أيار) الحالي، محدثاً حفرة ضخمة، بعد أن فشلت الدفاعات الجوية في اعتراضه.
وفتح هذا الهجوم المجال لإسرائيل لشن مزيد من الضربات الانتقامية التي دمّرت بها ميناء الحديدة ومطار صنعاء ومصنعي إسمنت ومحطات كهرباء، قبل أن تشن في 16 مايو الحالي، الموجة الثامنة من هذه الضربات الانتقامية على ميناءي الحديدة والصليف.
وسبق أن هاجمت الجماعة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 نحو 100 سفينة، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتَيْن وقرصنة ثالثة، كما أطلقت أكثر من 200 صاروخ ومسيّرة باتجاه إسرائيل حتى 19 يناير (كانون الثاني) الماضي.
ولم تحقق هجمات الحوثيين أي نتائج مؤثرة على إسرائيل، باستثناء مقتل شخص بطائرة مسيّرة ضربت شقة في تل أبيب في 19 يوليو (تموز) 2024.
وتوعّدت إسرائيل باستمرار ضرباتها الانتقامية، وهدّدت على لسان وزير دفاعها بتصفية زعيم الجماعة الحوثية أسوة بما حدث مع زعيم «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، وقادة حركة «حماس».
ومن المرجح أن تستمر تل أبيب من وقت إلى آخر في ضرب المنشآت الخاضعة للحوثيين، رداً على الهجمات، لكن يستبعد المراقبون للشأن اليمني أن تكون الضربات ذات تأثير حاسم على بنية الجماعة وقادتها وأسلحتها بسبب البعد الجغرافي.
ومنذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، أظهرت مليشيا الحوثي اليمنية دوراً متزايداً على الساحة الإقليمية، خاصة عبر توسيع نطاق عملياتها العسكرية لتشمل استهداف "إسرائيل" بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة.
وعلى الرغم من التفاهمات التي أبرمتها مع واشنطن، في 6 مايو 2025، لوقف هجماتها على السفن في البحر الأحمر، فإن المليشيا واصلت إطلاق الصواريخ باتجاه "إسرائيل".
الحوثيون يرون في هجماتهم امتداداً لدعم غزة، لكن يبدو أن هذا التوجه لا يعكس فقط حرصهم على تعزيز دورهم الإقليمي، بل يبين أيضاً تأثرهم بالدعم الإيراني الذي يوفر لهم القدرات الصاروخية والتقنية التي مكنتهم من استهداف العمق الإسرائيلي.
الهجوم الأخير
وفي 22 مايو 2025، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض صاروخ باليستي أُطلق من اليمن باتجاه الأراضي المحتلة، في حادثة عززت حالة التوتر المتصاعدة في المنطقة.
أدى الهجوم إلى تفعيل صفارات الإنذار في مدينة القدس، وانتشار دوي الانفجارات في مناطق مختلفة، ما أثار قلقاً لدى المدنيين الإسرائيليين وسلطات الاحتلال على حد سواء.
الناطق العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع قال إن العملية شملت أيضاً هجمات بطائرتين مسيرتين على أهداف في مدينتي يافا وحيفا، في إطار ما وصفه بـ"الرد على استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة"، مؤكداً أن الجماعة ماضية في تنفيذ عملياتها الجوية والبحرية ضد المواقع الإسرائيلية.
كما جاء هذا الهجوم بعد نحو ثلاثة أيام من إعلان سريع استهداف مطار بن غوريون الإسرائيلي في تل أبيب مرتين خلال 24 ساعة بصاروخين باليستيين وبمسيرة.
ويأتي أيضاً في وقت لا تزال فيه التفاهمات الأمريكية - الحوثية بشأن البحر الأحمر قائمة، ما يطرح تساؤلات عميقة حول جدوها.
استمرار الهجمات
ورغم الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على مواقع الحوثيين في اليمن، لم تتوقف الجماعة عن تنفيذ عملياتها ضد "إسرائيل"، ما يشير إلى عدم وجود تفاهم شامل مع الولايات المتحدة حول هذه المسألة.
وكانت حادثة استهداف مطار بن غوريون، في 4 مايو 2025، أكبر حدث عاشته "إسرائيل" مؤخراً، تبعها إعلان "الحوثيين" فرض حصار جوي شامل عليها، متوعدة بتكرار استهداف المطارات والمواقع الحيوية.
وجاء هذا الإعلان بعد سقوط صاروخ يمني في محيط المطار، وأسفر عن إصابة 8 أشخاص حسب تقارير إعلامية إسرائيلية، ليشكل هذا الهجوم تحولاً في استراتيجية الحوثيين، إذ لم يعد يقتصر الأمر على استهداف المدن أو قواعد عسكرية فقط، بل شمل البنية التحتية المدنية الحيوية.
وفي 5 مايو 2025، شن الجيش الإسرائيلي غارات جوية مكثفة على أهداف حوثية في اليمن، رداً على الهجوم الحوثي، واستهدف ميناء الحديدة باستخدام 48 قنبلة معتبراً إياه نقطة تهريب أسلحة إيرانية، ومصنع باجل للأسمنت، مما أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 42 آخرين، وفقاً لوسائل إعلام حوثية.
وفي 6 مايو 2025، استهدف الاحتلال مطار صنعاء الدولي، ما أدى إلى تدمير المدارج ومرافق المطار بالكامل، ومحطتي كهرباء ذهبان وحزيز في العاصمة صنعاء، ما أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 38 آخرين، وفقاً لوزارة الصحة التابعة للحوثيين.
وفي 16 مايو 2025، شن الجيش الإسرائيلي أيضاً غارات جوية على موانئ الحديدة والصليف، مستخدماً 15 طائرة حربية، واستهدفت الغارات البنية التحتية للموانئ، ما أدى إلى تدمير منشآت حيوية، ومقتل شخص وإصابة 9 آخرين.
رسائل استراتيجية وسياسية
يرى المحلل العسكري اليمني محمد اليريمي أن استمرار هجمات الحوثيين على "إسرائيل" رغم التفاهم الأمريكي الحوثي بشأن وقف الهجمات في البحر الأحمر يحمل أكثر من دلالة استراتيجية وسياسية مهمة، موضحاً أن تلك الأسباب تتمثل في:
- الرسائل المتعددة الأطراف: الحوثيون يريدون إرسال رسالة واضحة إلى "إسرائيل" والولايات المتحدة وأطراف إقليمية أخرى بأنهم لا يزالون فاعلين قادرين على الضغط العسكري والسياسي، وأنهم لن يتنازلوا عن خياراتهم العسكرية تجاه "إسرائيل" حتى لو تم التفاهم حول قضية محددة مثل حماية السفن.
- حسابات داخلية: الحوثيون يواجهون ضغوطاً داخلية كبيرة، سواء من حيث الحفاظ على شرعيتهم وقوتهم أمام قواعدهم الشعبية أو داخل تحالفاتهم الإقليمية، واستمرار الهجمات على "إسرائيل" يعزز صورتهم كجبهة مقاومة مما يقوي موقفهم داخلياً.
- عدم الثقة بالتفاهمات: قد يعكس استمرار الهجمات شكوك الحوثيين أو عدم رضاهم عن الاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن وقف هجمات على السفن، فهم ربما يرون أن الاتفاق لا يلبي كامل أهدافهم الاستراتيجية، أو يخشون من استخدامه ورقة ضغط ضدهم مستقبلاً.
- الحفاظ على ورقة التفاوض: استمرار الهجمات يمنح الحوثيين أوراق قوة يمكن استخدامها في مفاوضاتهم المستقبلية، سواء مع الولايات المتحدة أو مع دول إقليمية، فالاحتفاظ بخيار الهجوم على "إسرائيل" يرفع من قيمتهم على طاولة المفاوضات.
- تأثير على الحلفاء الإقليميين: الحوثيون قد يستخدمون الهجمات كطريقة لإظهار التزامهم تجاه إيران أو حلفائهم الإقليميين، خصوصاً في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة، مما يرسخ مكانتهم في التحالفات الإقليمية.