
جلسة تفاوض رابعة بين دمشق و"قسد" لا اختراق في الملفات الأكثر أهمية
الرأي الثالث - وكالات
عقدت الحكومة السورية جلسة تفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لتطبيق الاتفاق الذي وقّعه الجانبان في مارس/آذار الماضي، من أجل إدماج هذه القوات في المنظومة العسكرية للبلاد، وحسم مصير الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه.
وذكرت مصادر إعلامية مقربة من الحكومة أن جلسة رابعة من التفاوض بين دمشق و"قسد" عقدت في قاعدة "العمر" النفطية في ريف دير الشرقي الاثنين الماضي. وترأس وفد الحكومة رئيس جهاز المخابرات العامة حسين عبد الله السلامة،
بينما ترأس وفد "قسد" القائد العام مظلوم عبدي. مع العلم أن السلامة هو من قاد المفاوضات مع عبدي والتي أفضت إلى توقيع اتفاق مارس.
وبحسب المصادر، بحث مسؤولون من دمشق و"قسد" موضوع حقلي العمر وكونيكو للغاز في ريف دير الزور، بعد انسحاب قسم كبير من قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا خلال الأيام القليلة الماضية، في سياق استراتيجية أميركية للانسحاب بشكل شبه كلي من الأراضي السورية.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع وقع في مارس الماضي اتفاقاً مع عبدي نص على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
لجان بين دمشق و"قسد"
وكانت دمشق و"قسد" شكلتا لجانا تنفيذية لـ"تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي"، وفق نص الاتفاق.
وعقدت اللجان بالفعل عدة جلسات تفاوضية نجحت في تفكيك عقدة أكثر من ملف، منها وجود وحدات "حماية الشعب" الكردية في حيي الشيخ مقصود والأشرفية على الأطراف الشمالية لمدينة حلب.
وأعلنت "الإدارة الذاتية"، الذراع السياسية والإدارية لقوات سوريا الديمقراطية الاثنين الماضي وقف الأعمال القتالية، وسحب قواتها من سد تشرين الاستراتيجي على نهر الفرات شمال شرق حلب، في خطوة ربما تعكس تقدماً في سير المفاوضات مع الحكومة،
ما يعني تسلّم الأخيرة لهذا السد بعد اقتتال أعقبه تفاوض. وتضع "قسد" يدها على ثلاثة سدود استراتيجية لتوليد الكهرباء على نهر الفرات، وهي تشرين في ريف حلب الشمالي، والفرات والحرية (البعث سابقاً) في ريف الرقة الغربي.
وقالت مصادر مطلعة ومقربة من وفد الحكومة، إن الاجتماع الذي عقد بين مسؤولين من دمشق و"قسد" في حقل العمر تناول "ملفات حساسة"،
مشيرة إلى أن "قسد" وافقت على الانسحاب من سد تشرين مع الإبقاء على عدد من موظفيها الذين سيتحولون رسمياً للعمل تحت إشراف وزارة الطاقة السورية.
وبينت المصادر أنه تمت مناقشة إمكانية دمج مقاتلي "قسد" ضمن هياكل وزارة الدفاع السورية وإدخال فرق عسكرية إلى الشمال الشرقي من البلاد للانتشار والسيطرة على الحدود والمعابر.
وكشفت المصادر أنه "جرى بحث آليات إدارة واستثمار الحقول النفطية، بما يضمن خضوعها لإشراف الدولة بشكل كامل، مع ترتيبات معينة لضمان استمرار الإنتاج"، مشيرة إلى أنه "تمت مناقشة انسحاب قسد من المناطق التي تسيطر عليها وفق ثلاث مراحل"،
موضحة أنه "في المرحلة الأولى تنسحب قسد من ريف دير الزور الشرقي ومحافظة الرقة، وفي الثانية من جنوب وشرق الحسكة، وفي الثانية (وهي الأصعب والأكثر حساسية)، تخضع المناطق ذات الغالبية الكردية في أقصى الشمال الشرقي من البلاد لتفاهمات لاحقة".
طي ملف "قسد" يتطلب توافقات إقليمية ودولية
لكن الوقائع السياسية تشير إلى أن طي ملف "قسد" يتطلب توافقات إقليمية ودولية، لا سيما أن هذه القوات تربط تطبيق بنود الاتفاق الذي وقعته مع الشرع في مارس الماضي، مع القضية الكردية في البلاد، وهو ما ترفضه دمشق التي ترى أنه لا ترابط بين الملفين،
فالتفاوض حول مطالب الأكراد السياسية مختلف تماماً عن التفاوض مع "قسد" لدمجها في الجيش السوري وإنهاء سيطرتها على الشمال الشرقي من سورية.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف الدولي، على الجزء الأكبر من محافظتي الرقة والحسكة وعلى أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات.
وتتحكم بهذه المناطق الغنية بالثروات، في إطار سعيها للضغط على الحكومة السورية لفرض اللامركزية في البلاد، وهو ما ترفضه دمشق بشكل مطلق، وترى أنه خطوة في اتجاه تشظّي البلاد على أسس عرقية وطائفية.
كما تحظى هذه القوات بدعم من الجانب الفرنسي لذا من المتوقع أن يكون الملف الكردي السوري حضر في مباحثات الشرع في باريس أمس الأربعاء، وفق الباحث السياسي مؤيد غزلان،
الذي أشار إلى أن تقدماً وصفه بـ"الطفيف"، تحقق في مفاوضات الحكومة مع "قسد". وأشار إلى أنه لم يتم تحقيق اختراق في الملفات الأكثر أهمية، متوقعاً أن تمارس باريس ضغطاً على الطرفين و"ستقدم وعوداً"، مضيفاً: لكن ليس لديها الكثير، فالعقوبات الأهم هي الأميركية.
وأكد غزلان أن الحرب "لم تعد خياراً مطروحاً أمام دمشق للتعامل مع الملفات الداخلية"، مضيفاً: الحرب السورية ــ السورية لم تعد خياراً بالمطلق. هناك مفاهيم جديدة في الوطنية ومجال كبير للحريات في سورية.
وأشار إلى أن الإدارة في سورية تعتمد سياسة "الحلول المرنة"، في التعاطي مع كل الملفات والتحديات، معتبراً أن زيارة الشرع إلى باريس "تعمّق القبول الأوروبي للإدارة السورية الجديدة"،
مضيفاً: في حال تعنت "قسد" في تطبيق بنود الاتفاق يجب ممارسة الضغط عليها من الدول التي تدعمها.
ويعد الشمال الشرقي من سورية مستودع الثروات النفطية والزراعية، والتي من شأن عودتها إلى الدولة مدّ الاقتصاد بأسباب التعافي. لكن المؤتمر الذي عقدته مؤخراً قوى سياسية كردية، ضمنها حزب الاتحاد الديمقراطي المهيمن على "قسد" عن طريق ذراعه العسكرية "حماية الشعب"، خرج بمطالب اعتبرت تراجعاً عن الاتفاق بين دمشق و"قسد" ما دفع الرئاسة السورية إلى إصدار بيان، في 27 إبريل/نيسان الماضي، حمل نبرة شديدة اللهجة اتجاه "قسد"، أكدت فيه رفضها محاولات فرض واقع تقسيم أو إنشاء كيانات منفصلة.
وجاء في بيان الرئاسة أن "وحدة سورية أرضاً وشعباً خط أحمر، وأي تجاوز لذلك يُعد خروجاً عن الصف الوطني ومساساً بهوية سورية الجامعة".
وأعربت عن قلقها من "الممارسات التي تشير إلى توجهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق"،
محذرة من تعطيل عمل مؤسسات الدولة في المناطق التي تُسيطر عليها "قسد"، وتقييد وصول المواطنين إلى خدماتها، واحتكار الموارد الوطنية وتسخيرها خارج إطار الدولة بما يسهم في تعميق الانقسام وتهديد السيادة الوطنية.
وكانت قوى سياسية فاعلة في المشهد السوري الكردي دعت، بعد اجتماع في مدينة القامشلي، في إبريل الماضي، إلى إقرار دستوري بوجود قومي للأكراد، وضمان حقوقهم دستورياً، وتوحيد المناطق الكردية بوصفها وحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية. كما طالبت بنظام حكم برلماني في سورية يتبنى التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وفصل السلطات،
كما يعتمد مجالس المناطق في إطار النظام اللامركزي. وتضمنت الوثيقة العديد من المطالب التي من شأنها "ضمان مشاركة الأكراد في مؤسسات الدولة التشريعية، القضائية، التنفيذية والأمنية"،
فضلاً عن المطالب التقليدية من قبيل "الاعتراف الدستوري باللغة الكردية لغةً رسمية إلى جانب اللغة العربية في البلاد، وضمان التعليم والتعلم بها". كما طالبوا بـ"تشكيل هيئة دستورية برعاية دولية تضم ممثلي كافة المكونات السورية لصياغة مبادئ ديمقراطية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري ومكوناته بصلاحيات تنفيذية كاملة"، في نسف واضح للإعلان الدستوري الذي أعلنته الإدارة السورية.
وتحاول "الإدارة الذاتية" عقد مؤتمر للعشائر العربية في مناطق سيطرتها، في خطوة تهدف إلى الإيحاء بأنها تحظى بتأييدها في المفاوضات المقبلة مع الحكومة.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر العربية مضر حماد الأسعد ، رفضه لأي دعوة من قبل "قسد" أو "مسد" (الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية)، لعقد مؤتمر للقبائل العربية في الجزيرة والفرات.
وقال: "هكذا مؤتمر الهدف منه منح قسد شرعية التحكم والتكلم باسم العرب"، مشيراً إلى أن الرئاسة السورية "طلبت رسمياً من مظلوم عبدي في لقاءات سابقة ألا يتحدث باسم العشائر والقبائل العربية في شمال شرقي سورية، والتي يشكل أبناؤها نحو 90% من السكان".