
عمان والجزائر.. توافق سياسي وشراكة اقتصادية واعدة
تتسم العلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان والجزائر بالانسجام في كثير من الجوانب، وعلى رأسها الجانب السياسي إذ تتطابق وجهات نظر وتوجهات البلدين تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، عزز البلدان علاقاتهما بالعديد من مذكرات التفاهم والاتفاق، بهدف الاستفادة من الإمكانات الكبيرة التي يتمتعان بها، وبما ينعكس على مصلحة البلدين وشعبيهما.
ولتعميق العلاقة وتعزيز الانسجام القائم على الاحترام المتبادل، تحرص قيادة البلدين على تبادل الزيارات، وتوقيع المزيد من الاتفاقيات، بهدف الوصول بالشراكة إلى آفاق رحبة، تخدم مصالح الدولتين، وتساهم في تعزيز التضامن العربي المشترك.
ومن هذا المنطلق تأتي زيارة السلطان هيثم بن طارق المرتقبة يوم الرابع من مايو الجاري إلى الجزائر، بدعوة من رئيس البلاد عبد المجيد تبون. فكيف ستنعكس الزيارة على علاقات البلدين وما سر العلاقات المتميزة بينهما؟
زيارة مهمة
وبعد بضعة أشهر من زيارة تبون إلى السلطنة في أكتوبر الماضي، يزور السلطان هيثم بن طارق الجزائر، في خطوة تهدف للارتقاء بالعلاقات إلى مستويات أوسع.
ووفق البلاط السلطاني، فإن الزيارة، التي هي الأولى من نوعها منذ خمسة عقود، تأتي امتداداً للعلاقات التاريخية الأخوية التي تربط السلطنة بالجزائر، كما أنها تؤكد حرص قيادة البلدين على توثيق تلك الروابط.
ومن المتوقع أن تستمر الزيارة يومين، ووفق البلاط السلطاني، "سيتم خلالها التشاور والتنسيق بين القيادتين بما يسهم في تعزيز العمل العربي المشترك وبحث مختلف التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية".
ويرافق السلطان هيثم خلال الزيارة وزراء الدفاع والخارجية والبلاط السلطاني، ورئيس جهاز الاستثمار العُماني، وعدد آخر من الوزراء والمسؤولين في السلطنة.
وفي أواخر أكتوبر الماضي زار الرئيس الجزائري مسقط وأجرى مباحثات ثنائية مع السلطان هيثم، حول العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، ومن ضمن ذلك فتح آفاق جديدة من الشراكة والاستثمار، فضلاً عن مناقشة الأحداث في الشرق الأوسط، وجهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
التنسيق السياسي
وبالنظر لطبيعة السياسة الخارجية لعُمان والجزائر يتضح حجم الانسجام الكبير بينهما حول المستجدات الإقليمية، وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وغيرها من الملفات.
وقالت وكالة الأنباء الجزائرية، في تقرير نشرته في 29 أكتوبر 2024، إن البلدين يقيمان علاقات تاريخية تتميز بتقارب وجهات النظر وتنسيق سياسي رفيع المستوى، خاصة فيما يتعلق بالقضايا العربية والدولية.
وأضافت الوكالة في تقريرها أن "الجزائر وعمان لطالما عملتا سوياً لتعزيز العلاقات الثنائية والحفاظ على التنسيق بشأن تسوية النزاعات عبر الحوار والتسوية السياسية بهدف تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة".
وقالت: إن "هذا التشاور المستمر ساهم في إرساء علاقة قوية بين قيادتي البلدين وشعبيهما، وهذا تجسد من خلال اجتماعات مشتركة وتبادل الزيارات بين كبار المسؤولين والبرلمانيين ورؤساء المؤسسات إضافة إلى التوقيع على العديد من مذكرات التفاهم و اتفاقيات التعاون".
وفي يونيو 2024، عقد الاجتماع الـ 8 للجنة الجزائرية العُمانية المشتركة في الجزائر، لتعزيز التقارب في الرؤى بين البلدين لمواجهة مختلف التحديات الإقليمية والدولية.
شراكة اقتصادية
وإلى جانب التنسيق السياسي العالي، تعمل مسقط والجزائر على تعزيز شراكتهما الاقتصادية، وفي أكتوبر الماضي أطلق البلدان مبادرة لإنشاء صندوق استثماري مشترك خلال زيارة تبون للسلطنة.
وتهدف المبادرة لتعزيز الشراكة بين البلدين وإقامة مشروعات متعددة، في مجالات الطاقة المتجددة والبتروكيماويات والزراعة الصحراوية والتكنولوجيا والسياحة والصناعة وغيرها.
كما وقع الجانبان آنذاك على 8 مذكرات تفاهم في قطاعات متنوعة، تشمل مجالات ترقية الاستثمار، وتنظيم المعارض والفعاليات والمؤتمرات، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والبيئة والتنمية المستدامة، والخدمات المالية، والتشغيل والتدريب، والإعلام.
ووفق وكالة الأنباء الجزائرية، فإن عُمان تشكل بوابة بلدان الخليج بالنسبة للجزائر، كما أنها تقع عند تقاطع الطرق البحرية المؤدية للصين والهند والقارة الآسيوية.
وأضافت أنه "بإمكان عُمان أن تصبح محوراً للمنتجات الجزائرية المصدرة نحو أسواق الخليج وغرب أفريقيا وآسيا، في حين أن الجزائر يمكن أن تشكل أرضية لتصدير المنتجات العمانية نحو أوروبا والمغرب العربي وأفريقيا جنوب الصحراء".
ووفق إحصائية نشرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات العُماني، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان والجزائر، حتى يونيو 2024، 98.4 مليون دولار أمريكي، وسط رغبة لتوسيع الشراكة والتبادل التجاري بين البلدين.
دلالة استراتيجية
وتكتسب زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر أهمية كبيرة بالنظر إلى طبيعة المرحلة، والتحولات التي تعصف بالمنطقة، ووفقاً للكاتب والباحث في الشؤون السياسية الدكتور محمد العريمي، فإن الزيارة تحمل دلالات استراتيجية مهمة في هذا التوقيت.
مضيفاً :
- زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر تحمل دلالات استراتيجية مهمة في هذا التوقيت، خاصة في ظل التحولات الإقليمية والتحديات المشتركة التي تواجه منطقة الخليج والعالم العربي.
- هذه الزيارة تأتي في وقت يسعى فيه الطرفان، العُماني والجزائري، إلى تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية، بعيداً عن الاستقطابات الدولية الحالية.
- الزيارة تُعد خطوة مهمة نحو ترسيخ التنسيق العربي - العربي، في ظل تراجع الأدوار العربية التقليدية لحساب قوى إقليمية ودولية أخرى.
- سلطنة عُمان والجزائر تمتلكان مقومات فريدة لدور دبلوماسي مؤثر.
- السلطنة معروفة بدورها الوسيط والمتزن في أزمات معقدة مثل الملف النووي الإيراني والقضية اليمنية.
- تحتفظ الجزائر بمكانة تاريخية في دعم القضايا العربية وخاصة الفلسطينية، وتمتلك هامشاً مستقلاً في علاقاتها الدولية.
- التكامل بين هذين الدورين قد يُنتج محور تهدئة ووساطة عربي فاعل، يوازن بين الواقعية السياسية والثوابت الاستراتيجية.
- العلاقة بين البلدين تتميز بخطاب سياسي متقارب من حيث الاستقلالية، والابتعاد عن المحاور، والدفع باتجاه الحلول السلمية.
- من ناحية التعاون، هناك فرص كبيرة في مجالات الطاقة، خاصة الغاز والبتروكيماويات، إلى جانب الاستثمارات المشتركة في البنية الأساسية والسياحة وحتى التعليم.
- البلدان يمكن أن يطورا تعاوناً ثقافياً وإعلامياً يُعزز من حضور الصوت العربي الهادئ والمتزن في الساحة الإقليمية.