
الرياض ودمشق.. تنسيق متصاعد لمواجهة تحديات المخدرات والإرهاب
الرأي الثالث - وكالات
تشهد العلاقات الأمنية بين السعودية وسوريا تحولات لافتة في الأشهر الأخيرة، في ظل انفتاح سياسي متسارع أعقب الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وعودة الحكومة السورية الجديدة إلى الساحة العربية عبر بوابة التنسيق الأمني ومكافحة الجريمة المنظمة.
وأحدث تلك التحولات تمثل في زيارة وفد أمني سوري رفيع المستوى إلى الرياض منتصف أبريل 2025، في مؤشر واضح على عودة التنسيق بين الأجهزة الأمنية في البلدين بعد أكثر من عقد من القطيعة.
وبدا واضحاً من السياسة التي تنتهجها الإدارة السورية الجديدة مدى انفتاحها على السعودية بشكلٍ خاص ودول الخليج عامة، تمثل في سلسلة من الزيارات المتبادلة بين دمشق والعديد من العواصم الخليجية.
زيارة أمنية مهمة
ولعل الزيارة التي قام بها وفد أمني سوري، ما بين 14 و16 أبريل، جاءت بدعوة من وزارة الداخلية السعودية، التي أعلنت عبر منصتها في "إكس"، أنها استقبلت وفداً أمنياً سورياً، للاطلاع على تجربة الأجهزة الأمنية السعودية، والاستفادة من خبراتها المتقدمة في المجالات الأمنية.
في حين قالت وزارة الداخلية السورية إنه "في إطار تعزيز التعاون الثنائي بين دمشق والرياض في مجالات الأمن والشرطة، قام وفد من الوزارة بزيارة رسمية إلى السعودية خلال الفترة الماضية".
وأوضحت أن الزيارة "هدفت إلى الاطلاع على تجربة الأجهزة الأمنية السعودية، والاستفادة من خبراتها المتقدمة في المجالات الأمنية ذات الصلة، بما يسهم في تطوير منظومة العمل الأمني في سوريا، ويعزز قدرتها على مواجهة التحديات".
وذكرت الداخلية السورية أن هذه المبادرة "تعكس تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين، والتزام سوريا بتعزيز التعاون المشترك، بما يخدم المصالح الوطنية ويعزز الأمن والاستقرار في المنطقة".
يقول الخبير والمحلل الأمني والسياسي، العميد مخلد حازم، ما نراه اليوم حقيقة أن سوريا بدأت بالانفتاح على الدول التي تشعر أنها قريبة منها، وداعمة لها، ولها دور فاعل في المنطقة.
ويضيف حازم أن السعودية اليوم تعتبر مهمة جداً في رسم السياسات في المنطقة، ومن ثم فمن المؤكد أن التحرك السوري باتجاه المملكة مهم جداً، خصوصاً من الناحية الأمنية، كذلك نرى أنها انفتحت أيضاً على الأردن والعراق.
وتابع: "اليوم هناك وضع مربك في المنطقة، أهم ما يمكن السيطرة عليه هو السيطرة على الوضع الأمني ما بين الدول".
مكافحة المخدرات
لم تكن هذه هي الزيارة الأولى لوفد أمني، ففي أواخر فبراير الماضي، زار وفد أمني سوريا الرياض، وكان أحد أبرز محاور الزيارة تمثل في ملف مكافحة المخدرات، وهو الملف الذي كان عنواناً رئيسياً للتوتر بين البلدين لسنوات طويلة.
وخلال الزيارة، التقى الوفد السوري بوزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود، وناقش الجانبان سبل التعاون لمكافحة المخدرات، وتنسيق الإجراءات الأمنية المتعلقة برصد وملاحقة المهربين، إلى جانب التعرف على أحدث النظم المستخدمة في المراقبة وتحليل البيانات الجنائية.
الوفد السوري، الذي ضم معاون رئيس جهاز الاستخبارات موفق دوخي، ومدير إدارة مكافحة المخدرات خالد عيد، زار أيضاً مقار المديرية العامة للأمن العام والمديرية العامة لمكافحة المخدرات في الرياض.
وبحسب ما نشرته وكالة الأنباء السعودية حينها، فقد اطلع الوفد على آلية العمل داخل هذه المؤسسات، واستمع إلى عروض تقنية حول التقنيات المستخدمة في الكشف عن شبكات التهريب وتتبعها.
وتشير المصادر إلى أن الجانب السوري أبدى اهتماماً خاصاً بالنظم الرقمية المعتمدة في تحليل البيانات الجنائية وربطها بشبكات التهريب، إضافة إلى أدوات مراقبة الحدود والتواصل بين أجهزة الأمن والمنافذ الجمركية.
وفيما يتعلق بتجارة المخدرات، أوضح الخبير والمحلل الأمني والسياسي، العميد مخلد حازم، أنها تعتبر تجارة عابرة للحدود، ومن ثم يتم التعاون المشترك ما بين البلدان وخصوصاً بلدان الطوق، وقد نذهب باتجاهات أخرى نبتعد بها بعض الشيء عن دول الطوق؛ لأن هذه التجارة هي الوحيدة التي تبحث عن أرضية خصبة؛ يتوفر فيها الضعف الأمني والأرضية الدولارية.
وأشار العميد حازم إلى أن سوريا اليوم تسعى إلى استتباب الأمن داخلياً، في حين كانت في مرحلة من المراحل مصدرة لمادة الكبتاغون المخدرة تمر منها إلى عدة دول.
ملف معقد
ويعد الجانب الأمني فيما يتعلق بتعزيز الأمن ومكافحة التنظيمات التخريبية ملفاً مهماً بين الجانبين، إضافة إلى ملف المخدرات، بعد أن تحولت سوريا، في أواخر العقد الماضي، إلى مركز إقليمي لإنتاج وتصدير حبوب "الكبتاغون".
وتمكنت شبكات مرتبطة بأجهزة أمنية وشخصيات نافذة في النظام السابق، بينها ماهر الأسد، من إنشاء مصانع ومراكز توزيع نشطة داخل الأراضي السورية، عملت على تهريب المخدرات إلى دول الجوار، وفي مقدمتها السعودية.
وقد شهدت المملكة خلال تلك السنوات موجات متتالية من ضبط شحنات ضخمة من الكبتاغون، بعضها تجاوزت كميته عشرات الملايين من الحبوب، ما تسبب في توترات دبلوماسية وتجارية بين الرياض ودمشق، بلغت ذروتها في قرارات حظر الاستيراد وإغلاق قنوات الاتصال.
ومع سقوط النظام السابق، تحركت الحكومة السورية الجديدة سريعاً لاستعادة السيطرة على هذا الملف، لا من منطلق أمني داخلي فحسب، بل أيضاً في سياق مساعيها لإعادة بناء الثقة الإقليمية.
وضمن هذا الإطار، جاء التنسيق مع السعودية ليشكل خطوة مهمة نحو التعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعقب شبكات التهريب، وتفكيك البنية اللوجستية التي ظلت تعمل دون مساءلة لفترات طويلة.
وفي هذا السياق، يقول العميد مخلد حازم "اليوم تشهد سوريا نوعاً من الملاحقة الأمنية بالتعاون مع الدول الأخرى في السيطرة على هذه التجارة. اليوم الجميع ينظر بنظرة واحدة، بغض النظر عما إذا كانت هناك خلافات سابقة".
وأكد العميد حازم أن أمن واستقرار البلدان هو ضرورة حتمية، ومن ثم تكون هي السباقة، وتكون هي خارطة الطريقة التي ترسم لبناء علاقات سياسية اقتصادية ما بين الدول.
وأضاف: "الوفود التي ترسل من سوريا هي وفود تعطي رسالة مفادها أن سوريا جادة في رسم علاقاتها من جميع النواحي مع جميع الدول العربية والإقليمية وحتى الدول الغربية".
ويحمل هذا التقارب الأمني بين الرياض ودمشق انعكاسات متعددة على المستوى الإقليمي، خاصة أنه يأتي في وقت تحاول فيه سوريا الانخراط مجدداً في المنظومة العربية، وسط دعم غير مباشر من بعض العواصم الخليجية.
كما أنه يتزامن مع مساعٍ سعودية حثيثة لتطويق بؤر التهديد الإقليمي، سواء في اليمن أو في المثلث السوري اللبناني الأردني، الذي ظل عقوداً مرتعاً لنشاطات التهريب وشبكات الجريمة المنظمة.