
تظاهرات في عدن ولحج بسبب انقطاع الكهرباء وسط صمت حكومي
الرأي الثالث
في مشهد يعيد التذكير بتناقضات الماضي والحاضر، تعيش مدينة عدن الواقعة جنوب البلاد انقطاعاً شبه تام في التيار الكهربائي منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بالتزامن مع موجة حر شديدة وانهيار متسارع في الخدمات الأساس وتدهور العملة المحلية،
فعدن التي كانت من أوائل المدن اليمنية التي عرفت الكهرباء عام 1926 إبان الاستعمار البريطاني، حين أُنشئت أول محطة لتوليد الطاقة لخدمة المنشآت العسكرية والمدنية، تحولت بعد أكثر من قرن إلى مدينة تغرق في الظلام على رغم تاريخها الطويل في استقرار الخدمة.
موجة غضب
وتشهد المدينة منذ أيام موجة احتجاجات متصاعدة على تدهور أوضاع الكهرباء، حيث اندلعت مساء أمس السبت تظاهرات غاضبة بالتزامن مع إعلان تعيين سالم صالح بن بريك رئيساً جديداً للحكومة، خلفاً لرئيس الحكومة المستقيل أحمد عوض بن مبارك،
وكان محتجون قد قطعوا الأسبوع الماضي شوارع رئيسة في مديريتي المنصورة والشيخ عثمان وأضرموا النار في إطارات السيارات، تعبيراً عن استيائهم من الانقطاع المتواصل.
ويعد هذا التصعيد مؤشراً إضافياً على حال الغليان الشعبي في عدد من المحافظات اليمنية، في ظل عجز السلطات عن إيجاد حلول جذرية لأزمة الكهرباء الممتدة.
انقطاع متواصل للكهرباء
وبحسب إفادات السكان المحليين فإن التيار الكهربائي ينقطع لما يقارب 20 ساعة يومياً ولا يعود إلا لفترات متقطعة لا تتجاوز أربع ساعات، موزعة بين الصباح والمساء، مما يضاعف معاناة الأهالي في مدينة ساحلية تعتمد بشكل أساس على الكهرباء لتشغيل خدماتها، خصوصاً مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة بشكل لافت.
معاناة متفاقمة وانهيار للخدمات
وتضاعفت معاناة سكان مدينة عدن بفعل توقف عدد من الخدمات وعلى رأسها المياه، حيث تعتمد معظم الأحياء على مولدات كهربائية لضخ المياه إلى المنازل.
وتصف أمل رائد، وهي إحدى قاطنات المدينة، الوضع بالكارثي قائلة إنه "مأسوي، فلا كهرباء ولا ماء والوباء ينتشر في كل زاوية، ونحاول تشغيل المولدات لضخ المياه ولكن من دون كهرباء فلا شيء يعمل".
أزمة تتجاوز حدود عدن
ولا تقتصر الأزمة على عدن وحدها، إذ تعاني محافظتا لحج وأبين المجاورتين انقطاعاً كاملاً في التيار الكهربائي منذ أسبوعين، في ظل تزايد حال الغضب الشعبي ووسط غياب أية حلول ملموسة من الجهات المعنية.
وبحسب مصادر في قطاع الكهرباء فإن الأزمة الراهنة في محافظات عدن وأبين ولحج تعود بصورة رئيسة إلى نفاد الوقود من محطات التوليد، إضافة إلى النقص الحاد في إمداداته، مما تسبب في توقف عدد كبير من المحطات عن العمل، وتقليص القدرة الإنتاجية لمحطات أخرى إلى مستويات غير كافية لتلبية الحد الأدنى من حاجات السكان.
عجز كبير وتحذيرات سابقة
ويقول مدير المكتب الإعلامي لمؤسسة كهرباء عدن، نوار أبكر ، إن معظم محطات التوليد في المدينة خرجت عن الخدمة ولم يتبق سوى محطتين تعملان بقدرات محدودة، هوما محطة "بترومسيلة" المعروفة أيضاً بـ "الرئيس" وتنتج نحو 65 ميغاوات، ومحطة "المنصورة" بقدرة 35 ميغاوات،
موضحاً أن "المحطة الشمسية" تسهم خلال ساعات النهار في تخفيف الضغط، إذ تتفاوت قدرتها بين 85 و94 ميغاوات، إلا أن العجز في التغطية لا يزال كبيراً.
وأشار أبكر إلى أن المؤسسة سبق أن وجهت منذ فترة طويلة خطابات ومناشدات عدة للحكومة الشرعية، محذرة من أن وضع المنظومة الكهربائية في عدن سيكون كارثياً خلال موسم الصيف، لكن تلك التحذيرات، بحسب قوله، لم تلق الاستجابة المطلوبة.
تحذيرات من انطفاء شامل
وأعلنت المؤسسة العامة للكهرباء في عدن في الـ 25 من أبريل الماضي خروج محطة "بترومسيلة وكافة المحطات العاملة بالديزل عن الخدمة، نتيجة نفاد كميات الوقود الخام المتوافرة، مؤكدة أن استمرار هذا الوضع يهدد بحدوث انطفاء كامل في المدينة ما لم يجر تزويد محطات التوليد بكميات كافية من الوقود عاجلاً.
ودعت المؤسسة في بيان رسمي مجلس القيادة الرئاسي ورئاسة الحكومة إلى التدخل الفوري وتأمين إمدادات وقود منتظمة، بما يضمن إعادة تشغيل المحطات المتوقفة وتخفيف المعاناة المتفاقمة عن كاهل السكان مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
طلب متزايد وصيف قاس
وأوضح مدير المكتب الإعلامي لمؤسسة كهرباء عدن أن حجم الطلب على الطاقة الكهربائية خلال صيف هذا العام قد يتراوح ما بين 780 و800 ميغاوات، مقارنة بـ 750 ميغاوات خلال صيف العام الماضي، وسط غياب أية حلول فعالة لتغطية هذا العجز المتفاقم،
مضيفاً "ندرك أن هذا الصيف سيكون قاسياً ولا توجد معالجات حقيقية لتغطية الفجوة كلياً، لكن تأمين الوقود بصورة منتظمة يمكن أن يقلص ساعات الانقطاع إلى حد كبير".
وجدد أبكر مناشدته مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بالتدخل العاجل لتأمين كميات كافية من الوقود لفترة الصيف، والعمل منذ الآن على مشاريع إستراتيجية تضمن تخفيف العبء خلال الأعوام المقبلة.
كهرباء نادرة ومكلفة
وأثر الصراع المستمر منذ أعوام في قطاع الكهرباء اليمني بصورة عميقة حتى بات الحصول على الكهرباء الحكومية ترفاً نادراً، ففي مناطق سيطرة الحوثيين يعتمد السكان على الكهرباء التجارية مرتفعة الكلفة،
إضافة إلى ألواح الطاقة الشمسية، بينما يواجه السكان في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً انقطاعات متكررة في الكهرباء الحكومية، ويضطرون أيضاً إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية كبديل، بينما تتجاوز كلفة تشغيل المحطات ملايين الدولارات سنوياً من الموازنة الحكومية، لتأمين المشتقات النفطية الضرورية.
ووفقاً لتقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في يناير (كانون الثاني) 2024، فإن 90 في المئة من السكان اليمنيين يفتقرون إلى الكهرباء التي توافرها الدولة، مما يعكس عمق الأزمة والتحديات الكبرى التي تواجه هذا القطاع الحيوي في بلد أنهكته الحرب.
ضربات خارجية تفاقم الأزمة
ولم تقتصر معاناة قطاع الكهرباء على تداعيات الصراع الداخلي بل فاقمتها الظروف الإقليمية في أعقاب اندلاع الحرب في غزة،
ففي عام 2024 شنت إسرائيل غارات جوية استهدفت عدداً من محطات التوليد في اليمن رداً على هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة نفذتها جماعة الحوثي ضد أهداف إسرائيلية، دعماً لقطاع غزة، فطاولت الغارات محطتي "رأس الكثيب" و"الحالي" في محافظة الحديدة في الـ 19 من أغسطس (آب) والـ 29 من سبتمبر (أيلول) 2024،
إضافة إلى محطتي "حزيز" و"ذهبان" المركزيتين في جنوب وشمال صنعاء في الـ 19 من ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، مما أسفر عن دمار كبير وخروج هذه المحطات عن الخدمة.
رؤية غائبة وأزمة مستمرة
وحذر أبكر من غياب رؤية إستراتيجية لدى الحكومة الشرعية للتحول نحو مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، مشيراً إلى أن الاعتماد الكامل على محطات الوقود وتوقف تصدير النفط نتيجة هجمات الحوثيين على الموانئ في جنوب وشرق البلاد، يزيد تعقيد الأزمة ويهدد بانهيار أوسع.
ويعاني قطاع الكهرباء في اليمن أزمة مزمنة، حيث تواجه البنى التحتية تدهوراً حاداً، ويقدر فاقد الطاقة الناتج من تقادم الشبكات وانعدام الصيانة بـ 30 في المئة من القدرة الإنتاجية، إضافة إلى الفساد المستشري في القطاع، مما يجعل أي جهود إنقاذ أو معالجة حقيقية لهذه الإشكالات، غير قادرة على إحداث تحول ملموس خلال المدى المنظور.
محمد الخطيب
صحافي يمني