
كل الأهداف مستباحة في صنعاء.. غارات أميركية عمياء تنشر الرعب والموت
تتوسع وتيرة الغارات الأميركية في اليمن، للشهر الثاني على التوالي، لتزيد مخاوف السكان في صنعاء التي تعرضت إلى جزء كبير من الضربات، خصوصاً بعد أن استهدف بعضها منازل في أحياء سكنية مكتظة وأسفرت عن ضحايا مدنيين.
وتُختزل يوميات السكان بترقب الغارات وما إذا كانت ستسقط بالقرب منهم لتحولهم إلى ضحايا شبه منسيين في ظل التضييق الذي تفرضه جماعة الحوثيين على توثيق الغارات والتحدث إلى الناجين أو عائلات الضحايا بذرائع عدة من بينها عدم "كشف معلومات للعدو".
وإذا كانت الحياة تبدو طبيعة في صنعاء خلال ساعات النهار ولم تتغير في المجمل منذ بدء الغارات الأميركية.
لكن الأحوال تتبدل تدريجياً مع بدء ساعات بعد الظهر ثم تكاد تتلاشى مع دخول الليل حيث الموعد شبه الثابت للغارات اليومية، وخاصة في المساكن والمتاجر القريبة من المناطق التي يجرى استهدافها دورياً في الجبال والمعسكرات الموجودة في العاصمة.
ويتعرض مواطنون لإصابات في منازلهم أو متاجرهم ويتكبدون خسائر نتيجة ضغط الانفجارات العنيفة التي تستهدف مواقع بالقرب منهم، منذ بدأت الغارات في 15 مارس/آذار الماضي.
وتمتد أضرار الغارات إلى صنعاء القديمة المكتظة بالسكان والتي تضم منازل تاريخية قديمة، حيث يحيط بها جبل نقم الذي كان يضم مخازن سلاح عسكرية.
وسبق للتحالف العربي، إبان "عاصفة الحزم"، أن شن غارات عنيفة عليها أدت أكثر من مرة إلى تساقط الأسلحة المنفجرة على السكان. واليوم يتكرر المشهد مع تعرض جبل نقم لغارات أميركية مكثفة، ما يهدد حياة السكان يومياً.
ضراوة الغارات الأميركية على صنعاء
تقول سلوى، وهي من سكان صنعاء، "لن أنسى الرعب الذي أصابني أنا وأولادي جراء غارة استهدفت منزلاً بالقرب من ميدان السبعين وسط صنعاء"، حين كانت مع عائلتها في حديقة الميدان القريبة من موقع المنزل المستهدف.
وتضيف: "أصبحنا نشعر بالخوف أكثر من الانفجارات الهائلة، بالإضافة إلى أن الغارات أصبحت تستهدف مساكن وأحياء ولا نعرف هل نحن نسكن في مكان آمن، ونخشى من الأخطاء".
ويحرص الحوثيون على عدم معرفة مساكن قياداتهم سواء المدنية أو العسكرية، ضمن الاحتياطات التي مارستها الجماعة منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، إلا أن هذه الاحتياطات بلغت ذروتها في الآونة الأخيرة.
ومع توسع الغارات خلال الأسبوعين الماضيين باستهداف مساكن، يعتبر كثر أن جميع الأحياء في صنعاء تحت الخطر، حيث لا توجد مناطق مخصصة تعرف بأنها آمنة أو غير آمنة، مع إعلان القوات الأميركية أنها تستهدف القيادات الحوثية، حيث لا تعرف مناطق محددة تسكنها قيادات الجماعة.
وتتفاوت مواعيد الغارات الأميركية في اليمن من يوم لآخر، وقبل نحو أسبوع، شُنّت غارة في ساعات المساء الأولى، حين كان الناس في الشوارع والأماكن العامة، حيث كانت سلوى مع أسرتها.
ويقول سكان في صنعاء "إن صوت الغارات الأميركية في اليمن مرعب مقارنة بضربات التحالف العربي خلال السنوات الماضية، إذ إن دوي الغارة يُسمع أحياناً في كل صنعاء ويتخيل جميع السكان أنها بالقرب منهم".
ويظهر رصد، من 15 مارس حتى 29 إبريل/نيسان الماضي، وبناء على ما نُشر في وسائل إعلام الحوثيين، مقتل 284 شخصاً في الغارات الأميركية في اليمن منذ 15 مارس الماضي، وسقطت غالبية الضحايا خلال الأسبوعين الماضيين، في إشارة إلى توسع أهداف العملية الأميركية بشكل لافت.
وتتركز غالبية الضربات في صنعاء ومحيطها الريفي ومحافظة صعدة. ومن أبرز الغارات الأميركية في اليمن التي أوقعت الكثير من الضحايا، كانت التي أدت إلى مقتل 68 شخصاً على الأقل
وشُنّت فجر الاثنين الماضي واستهدفت مركز إيواء مهاجرين أفارقة في صعدة، شمالي اليمن. وفي 17 إبريل /نيسان الماضي، أسفرت سلسلة غارات عن مقتل 80 شخصاً وتدمير ميناء رأس عيسى في الحديدة، غربي اليمن.
وفي صنعاء ومحيطها الريفي، آخر تلك الغارات التي أعلن الحوثيين سقوط ضحايا مدنيين، استهدفت منطقة ثقبان بمديرية بني الحارث أدت إلى سقوط 12 شخصاً،
وغارة استهدفت منزلا وسط العاصمة بالقرب من ميدان السبعين أسفرت عن سقوط اثنين، بالإضافة إلى 12 آخرين سقطوا في سوق المفرزة بمحيط صنعاء القديمة.
ولا يعلق الجيش الأميركي على غالبية الغارات اليومية في اليمن، لكنه نفى أخيراً مسؤوليته عن الانفجار الذي وقع بسوق المفرزة، وقال إنه ناجم عن صاروخ لجماعة الحوثي، وليس عن غارة جوية أميركية،
في حين أعلن سابقاً عن تدمير ميناء رأس عيسى التي سقط فيه ضحايا مدنيون من عمال الميناء.
كما قال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أخيراً، إن بلاده "تتعامل مع مزاعم إصابات مدنية في اليمن بجدية مع تقييم أضرار الضربات".
وعند الحديث عن الغارات وتزايد الخسائر البشرية، يحضر بين خبراء ومسؤولين عسكريين مصطلح "الغارات العمياء"، في إشارة إلى تركيزها على تحقيق إصابة الأهداف، سواء كانت مخازن أو ورش تصنيع، أو صواريخ أو قيادات أو خبراء أو أنفاقاً، أو غرف عمليات، أو شبكات ومنظومات، وغيرها من الأهداف الأخرى.
بغض النظر عن عدد الضحايا الذين ستتسبب بهم الغارات، وسواء كانوا مسلحين أو مدنيين، وبغض النظر عن أماكن وجود الأهداف، أكان داخل الأحياء السكنية أم خارجها، أم ضمن مؤسسات خدمية مدنية أم مقار عسكرية وأمنية.
ولم يفصح الحوثيون عن أي خسائر لهم، بل فرضوا سطوة أمنية منعت حتى الإعلان عن المواقع المستهدفة. لكن "البنتاغون" أعلن أخيراً أنه نفذ أكثر من ألف غارة في اليمن منذ 15 مارس الماضي.
فيما كانت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) أفادت بأن الضربات أسفرت عن مقتل المئات من مقاتلي الحوثي والعديد من قادتهم، بمن فيهم مسؤولون كبار في مجال الصواريخ والطائرات المسيّرة.
في السياق، يرى الصحافي المتخصص عدنان الجبرني "أن اتساع نطاق الغارات مؤشر يدل على أن الأميركيين لم تعد لديهم محاذير تتعلق بحياة المدنيين، ولكن ليس معلوماً ما إذا كان هذا الأمر يمكن أن يحسب مؤشراً حقيقياً على حدة مستوى التعقب لقيادات الجماعة".
ويضيف : "قد يكون أيضاً نتاج تخبط وعشوائية تفتقر إلى السياق الواضح والرؤية، وهذا الأمر ينسحب على تكرار قصف المعسكرات المقصوفة منذ سنوات، وهو امتداد لمنهجية خاطئة في التعامل مع الحوثيين لن تقود إلى نتائج حاسمة".
ويوضح الجبرني أن "هناك غارات أوجعت الحوثيين وفاجأتهم، باستهداف أماكن لم يكونوا يتوقعون أنها مرصودة لأعدائهم، لكنها قليلة قياساً على حجم الغارات الأميركية على اليمن ونطاقها"،
لافتاً إلى أن "الحملة الأميركية بعد ستة أسابيع من انطلاقها تواجه معضلة كبيرة في تقييم أثرها".
توسع الغارات احتمال قائم
من جهته، يعتبر الباحث علي الذهب، "أن تزايد الغارات الأميركية في اليمن يشير إلى تنامي بنك المعلومات من مصادر مختلفة، سواء من شركاء في الإقليم أو النشاط التجسسي باستخدام الطائرات المسيرة".
ويلفت الذهب إلى أن عوامل أخرى تجعل الغارات الأميركية تتوسع ضد الحوثيين "منها المفاوضات مع إيران وقرب زيارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب إلى المنطقة، لا سيما أن ترامب ربط الهجمات بالمصالح الأساسية الوطنية للولايات المتحدة التي تتعرض للتهديد في الشرق الأوسط".
وعن مستقبل العمليات الأميركية في اليمن، يرى الذهب "أن هناك سيناريوهين.
السيناريو الأول، هو أن يعلن الحوثيون إيقاف العمليات سواء باتفاق وساطة إقليمية أو نتيجة للتفاوض مع إيران رغم أنها لم تثر إلى حد الآن".
والسيناريو الثاني، وفق الذهب، هو "مزيد من العنف عبر اجتياح جزئي من الساحل الغربي، مع تدخل الولايات المتحدة بإسناد ناري، وهذا لا يتم إلا باتفاق مع الحكومة اليمنية فضلاً عن السعودية والإمارات".
ياسر حميد