
اللاجئون اليمنيون
قبل سنوات التقيتُ بالصحفية الكندية المخضرمة "ميشيل شيبارد"، وهي صحفية استقصائية مغامرة وذكية.. تعرف واقع المجتمع اليمني كما هو لا كما تصوّره التقارير الدولية. وكانت قد زارت اليمن عدة مرات في 2009 و2011 في مهمة استقصائية للبحث عن جذور الإرهاب لكنها عادت وعبّرت عن ندمها على نظرتها المسبقة التي اختزلت اليمنيين واليمن باعتباره موطناً للإرهاب.
وقالت إن اليمن من أكثر البلدان التي يُساء فهمها في العالم وأن كثيرا ممن التقتهم في السجون من المصنفين كإرهابيين لم يكونوا متشبعين بالفكر المتطرف ولا مؤدلجين بل كانوا ضحايا فقر وتهميش.
حكت لي "شيبارد" قصة طريفة عندما كانت في صنعاء وأرادت زيارة محافظة "أبين" التي جرى تصويرها كوكر رئيسي للقاعدة، فأُبلغت بضرورة وجود مرافقة أمنية نظراً لخطورة الوضع لكنها تفاجأَت فجر اليوم التالي بوصول العميد يحيى صالح قائد الأمن المركزي آنذاك _بنفسه الى الفندق وهو "مُخَزن القات" بسيارته الشخصية يقول: "Let’s go" ( يلا خِطينا ) فألغت زيارتها لمحافظة ابين ليس خوفا من الإرهابيين بل توجسا من حماسة القائد العسكري لمرافقتها.
وللأسف لا زال العالم إلى اليوم ينظر إلى اليمن من زاوية أمنية بحتة متجاهلاً أكبر معركة صامتة يخوضها ملايين اليمنيين كل يوم من أجل لقمة العيش للبقاء على قيد الحياة.
وهذا يفسر إعلان الرئيس الأمريكي "ترامب" اليوم حظر دخول اليمنيين إلى الولايات المتحدة باعتبار اليمن بلدا مُصدِّرا للإرهاب ويُلاحظ أن القائمة لم تشمل "سوريا" التي كانت ضمن قائمة الحظر في فترته الرئاسية السابقة.
هذه الصورة الظالمة التي رُسِّخت عن اليمن جعلت اليمنيين خارج دائرة التعاطف، ولهذا السبب لم يحظَ عشرات الآلاف من اللاجئين اليمنيين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة، والذين يرزحون في مخيمات اللجوء في الصومال وجيبوتي وغيرها بفرص التوطين في دول اللجوء، إذ لم تستقبل أوروبا وأمريكا وكندا سوى العشرات من اليمنيين مقارنة باستقبالها عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، والصوماليين وغيرهم من شعوب البلدان التي تعاني من الحروب والنزاعات.
المجتمع اليمني ليس مجتمعا محاربا أو شعبا مقاتلا شرسا كما يشاع ويروج، بل هو مجتمع فقير جائع تتمحور حياته حول توفير ما يسد به رمقه، واليمنيون لم يخوضوا حربا حقيقية خلال العشر السنوات الماضية بل معارك صغيرة استثمرت فيها النخب لجني المال وقاتل فيها الفقراء من أجل وجبة طعام و "ربطة قات".
ورغم حالة الانهيار الشامل في اليمن فإن معدلات الجريمة منخفضة جدا مقارنةً بغيره من البلدان المستقرة، وتعد الجاليات اليمنية في دول أوروبا وأمريكا من أكثر الجاليات التزاما بالقانون ونادرة التورط في القضايا الجنائية.
لكن أكثر من أسهم في ترسيخ خطورة "الجنسية اليمنية" هو الرئيس السابق المرحوم علي عبد الله صالح الذي تعمّد تقديم اليمن كبلد خطر ومليء بالإرهابيين للحصول على دعم وتمويل لبرامج مكافحة الإرهاب كما أسهمت السعودية أيضا في تعزيز هذه الصورة بدفع المتطرفين والإرهابيين إلى اليمن
حيث أظهرت وثائق ويكيليكس أن مسؤولين سعوديين كانوا يفضلون إبقاء المتشددين في اليمن وهذه السياسة ساعدت على جعل اليمن مقراً للقاعدة في جزيرة العرب.
واستمرت هذه النظرة السلبية للمجتمع اليمني بسبب ضعف السلطة الشرعية وهشاشتها وعجزها ورفض مسؤوليها التواجد في المناطق المحررة وفرض الاستقرار فيها.
عبدالرحمن الأشول