
تهديدات أوكرانية تخيّم على الاحتفالات الروسية بذكرى النصر على النازية
الرأي الثالث - وكالات
وسط إجراءات أمنية مشددة، تقيم روسيا، اليوم الجمعة، استعراضاً عسكرياً مهيباً في الساحة الحمراء بالعاصمة موسكو، احتفالاً بذكرى مرور 80 عاماً على الانتصار على ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)،
وذلك بحضور قادة أكثر من 25 بلداً، لا تقتصر قائمتها هذه المرة على الجمهوريات السوفييتية السابقة والدول غير الغربية، ومن بينها الصين ممثلة بالرئيس شي جين بينغ، بل تشمل أيضاً الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، وحتى رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو، ممثلاً وحيداً عن دولة عضو في الاتحاد الأوروبي،
بينما ستكون الدول العربية في ذكرى النصر بروسيا، متمثلة بالرئيسين، الفلسطيني محمود عباس، والمصري عبد الفتاح السيسي.
وتعود تقاليد إقامة الاستعراضات العسكرية في الساحة الحمراء لإحياء ذكرى النصر على ألمانيا النازية إلى 24 يونيو/حزيران 1945، وكانت تقام في الأعوام اليوبيلية فقط خلال الحقبة السوفييتية، ولكنها بدأت تنظم سنوياً منذ عام 1996، لارتباط ذكرى النصر بكل عائلة روسية شارك أجدادها في الحرب.
وفي السنوات اليوبيلية تتم دعوة قادة مختلف دول العالم لحضور الاستعراض. وتكتسي احتفالات 9 مايو في روسيا أهمية كبيرة في الوجدان القومي، وقد عمل الكرملين على الترويج لكون الهجوم الذي شنّه على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، امتداداً للحرب على النازية.
أما الرئيس الصيني، شي جين بينغ، فيجري زيارة رسمية مطولة إلى روسيا لا يقتصر برنامجها على المشاركة بالاحتفالات في ذكرى النصر على النازية،
بل عقد أمس الخميس، محادثات مطولة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دامت لثلاث ساعات ونصف الساعة تركزت على قضايا الدفع بـ"الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي" والقضايا الملحة للأجندتين الدولية والإقليمية، وفق الكرملين.
وفي وقت ظل الغموض سيد الموقف في ما يخص مستوى المشاركة الأميركية في فعاليات ذكرى النصر في موسكو، بعدما ترددت أنباء عن أن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، قد يحل ضيفا على موسكو،
إلا أن معاون الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أوضح في نهاية المطاف، أن محاربين قدامى أميركيين سيحضرون الاستعراض مع توجيه الدعوة إلى السفيرة الأميركية لدى روسيا، لين تريسي.
احتفالات ذكرى النصر تكسر عزلة روسيا
في وقت تراهن فيه روسيا على استضافة فعالية بهذا النطاق لكسر العزلة التي تفرضها عليها الدول الأوروبية، وكسب الرأي العام العالمي عبر إعلان هدنة مدتها ثلاثة أيام في أوكرانيا بمناسبة عيد النصر، ثمة مخاوف وتحذيرات من تنفيذ كييف هجمات، سواء في المناطق الحدودية أو على العمق الروسي بغية إفشال الاحتفالات.
وما يعزز هذه الترجيحات هو تكثيف أوكرانيا هجماتها بالمسيّرات على مختلف الأقاليم الروسية، بما فيها العاصمة، في الأيام الأخيرة،
بالإضافة إلى تحذير وجهه الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مفاده أن أوكرانيا لا تستطيع أن تضمن للدول الثالثة سلامة ممثليها المتوجهين إلى موسكو لحضور الاستعراض.
وأكد الرئيس الأوكراني، أمس الخميس، في خطاب لمناسبة مرور 80 عاماً على الانتصار على ألمانيا النازية، أنه يجب "محاربة الشر" الروسي "معاً"، بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال زيلينسكي في خطاب نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي: "يجب أن يُحارب (الشرّ الروسي)، معاً، بعزيمة وبقوة". وندّد بالاحتفالات الضخمة التي ينظمها الكرملين في موسكو، اليوم، بهذه المناسبة، مؤكدا أنّها "ستكون استعراضاً للوقاحة والأكاذيب".
وفي موازاة بدء سريان مفعول الهدنة المعلنة روسياً من طرف واحد ليلة الخميس، جدّد زيلينسكي اقتراحه وقف إطلاق النار لمدة لا تقل عن 30 يوماً، ما يعزّز التوقعات بألا تقدم أوكرانيا على تنفيذ أي هجمات داخل موسكو،
وفق ما يوضحه كبير الباحثين في معهد المعلومات العلمية حول العلوم الاجتماعية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، بوريس ميجويف، دون أن يستبعد في الوقت ذاته احتمال تنفيذها عمليات ما، في المناطق الحدودية، مثل التوغل في مقاطعة ما لإفساد أجواء احتفالات عيد النصر.
ويقول ميجويف : "لم تُعزل روسيا يوماً من قبل المجتمع الدولي، وإنما من قبل الدول الغربية وحدها، ولكن زيارة فوتشيتش، وبصفة خاصة فيتسو، تدل على انهيار الإجماع الغربي، خصوصاً أن تلميح زيلينسكي بإمكانية وقوع حوادث في موسكو والتصعيد الأوكراني لم يثنهما عن الحضور".
ويقر الباحث في الوقت ذاته بأن زيلينسكي نجح في خلق خلفية سلبية للاحتفالات بعيد النصر، لكنه يتوقع أن "غريزة حفظ الذات ستثني زيلينسكي عن شنّ ضربات على موسكو أثناء وجود عدد كبير من الزعماء الأجانب الذين لا ناقة لهم في النزاع الروسي الأوكراني ولا جمل،
ولكن ليس من المستبعد أن تسعى الاستخبارات الأوكرانية لتدبير عملية اغتيال ما في موسكو أو أن يشن الجيش الأوكراني هجوما مباغتا في مقاطعة حدودية ما مثل بيلغورود لتكرار سيناريو التوغل في مقاطعة كورسك وإفساد الأجواء الاحتفالية في موسكو".
ويفند ميجويف المزاعم التي تفيد بأن استمرار النزاع مع أوكرانيا يصب في مصلحة روسيا نظراً لتقدمها على الأرض، قائلاً: "لا تحمل مواصلة الحرب خيراً لا على أوكرانيا وعلى روسيا بعد استنفاد مفعول التداعيات الإيجابية قصيرة الأجل للحرب على الاقتصاد الروسي مثل تطوير قطاع الصناعات الحربية".
ويعتبر أن "روسيا أمامها اليوم فرصة سانحة لإنهاء هذه الحرب بشروط مرضية وتخفيف العقوبات الأميركية والاستفادة من التصعيد الأميركي الصيني والفتور الأميركي الأوروبي اللذين يفاقمان التنافس بين مختلف الأطراف الدولية ويؤسسان لنظام عالمي متعدد الأقطاب"، وفق رأيه.
وكان المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، قد اعتبر أول من أمس الأربعاء، أن أوكرانيا بمواصلتها الهجمات بالمسيّرات على الأقاليم الروسية، تظهر عدم جاهزيتها للتسوية السلمية للنزاع.
وقال بيسكوف في حديث للإعلامي المقرب من الكرملين بافيل زاروبين: "يواصلون إظهار جوهرهم وعدم جاهزيتهم وانعدام رغبتهم في السلام وميلهم لأعمال إرهابية وشن ضربات على مواقع ميدانية ومحاولات شن ضربات على مواقع ميدانية".
وأكّد المتحدث باسم الرئاسة الروسية أن موسكو تتّخذ "كلّ التدابير اللازمة" لضمان أمن الاحتفالات التي ستبلغ ذروتها اليوم.