تفاهمات الشرع في واشنطن تسرّع مباحثات دمشق و"قسد"
الرأي الثالث - وكالات
من بين الملفات الأساسية التي حظيت باهتمام خلال زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع الأخيرة إلى الولايات المتحدة، العلاقة بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وسبل تسريع تطبيق الاتفاق الموقع بين دمشق و"قسد" برعاية أميركية في 10 مارس/آذار الماضي، والذي لا يزال متعثراً حتى الآن وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن التأخير.
وعلى الرغم من ظهور مؤشرات قبل الزيارة (بدأها الشرع السبت الماضي واختتمها أول من أمس الثلاثاء، حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين الماضي)، أشارت إلى وجود قلق لدى قيادة "قسد" من عدم دعوتها للانضمام إلى اجتماعات الشرع في واشنطن،
ومن أن يكون انضمام سورية إلى التحالف الدولي، مقدمة لسحب الدعم الأميركي تدريجياً عن "قسد" وتوجيهه نحو الحكومة السورية، باعتبار أنها هي من سيتولى محاربة تنظيم داعش، وهي الوظيفة الأساسية التي كلفت بها الولايات المتحدة "قسد" خلال السنوات الماضية،
إلا أن الأجواء التي رافقت زيارة الشرع تبدو إيجابية إلى حدّ ما على صعيد العلاقة بين الحكومة في دمشق و"قسد".
وخلال وجوده في واشنطن، دعا الرئيس السوري في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست، نشرت أمس الأربعاء، القوات الأميركية إلى الإشراف على عملية دمج "قسد" ضمن الجيش السوري.
وقال الشرع: "أرى أن الحلّ الأمثل هو أن تُسنَد مهمة الإشراف على عملية الدمج إلى القوات الأميركية". كما اعتبر أن "بقاء سورية مقسّمة، أو أن تكون فيها قوة عسكرية خارج سيطرة الحكومة، يشكّل البيئة الأفضل لداعش لكي ينتعش فيها".
أجواء إيجابية بين دمشق و"قسد"
من جهته، أعرب قائد "قسد"، مظلوم عبدي، أول من أمس الثلاثاء، عن شكره للرئيس الأميركي دونالد ترامب على "منحه الشعب السوري فرصةً للنجاح"،
مؤكداً التزام قواته بتسريع خطوات دمجها ضمن مؤسسات الدولة السورية. وكتب عبدي في منشور على منصة إكس، أنه أجرى مكالمة هاتفية "رائعة" مع المبعوث الأميركي توم برّاك، تناولت نتائج الاجتماع بين الشرع وترامب،
مشيراً إلى أنه ناقش مع برّاك آليات تسريع عملية دمج قواته في الدولة السورية، في إطار المرحلة الجديدة من التعاون الأميركي السوري.
ورأى عبدي أن انضمام سورية إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش" يمثّل "خطوة محورية نحو تعزيز الجهود".
وأضاف في لغة توافقية: "نحن نعمل بجدّ وثقة مع شركائنا، وبالتنسيق الوثيق، لدفع عجلة التقدم نحو مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً لشعبنا السوري، في دولة موحدة وذات سيادة".
كما أعلن القيادي في "قسد" صالح مسلم، أول من أمس، أن اجتماعاً موسعاً سيُعقد الأسبوع المقبل في دمشق بين "الإدارة الذاتية" الكردية والحكومة السورية، لبحث مستجدات المرحلة المقبلة،
موضحاً في حديث إلى موقع خويبون الكردي، أن المرحلة المقبلة ستشهد اجتماعات موسعة في دمشق، بمشاركة ممثلين عن "قسد" و"الإدارة الذاتية" الكردية، و"التحالف الدولي"، ستّركّز على مستقبل المناطق الواقعة في شمال وشرق البلاد.
ولفت إلى أن تركيا كانت في السابق تعترض على اتفاق 10 مارس، لأنها لم تكن طرفاً في التحضير أو التوقيع عليه، إلا أن مشاركة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في الاجتماع الأخير في واشنطن (خلال زيارة الشرع) "تعد مؤشراً على قبول أنقرة بالاتفاق".
ووفق مصدر كردي ، فإن جولة التفاوض هذه بين دمشق و"قسد" كانت مقرّرة في وقت سابق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، لكن زيارة الشرع مع وزير خارجيته أسعد الشيباني إلى واشنطن دفعت إلى تأجيل الجولة لوقت آخر.
وتوقع المصدر انضمام مسؤولين أميركيين إلى مفاوضات دمشق و"قسد". مع العلم أن القيادي في قوات "قسد" سيبان حمو، حذّر قبل يومين، من أن خطر اندلاع الصراع ما زال قائماً،
مشيراً إلى أن المفاوضات مع الحكومة السورية تمرّ بمرحلة حسّاسة. وأضاف حمو في مقابلة مع موقع "المونيتور" أن "الخطوة الأهم كانت اتفاق العاشر من مارس 2025 والذي كان في الواقع مسودة، وكان يفترض أن تُستكمل لاحقاً بخطوات تنفيذية، لكن ذلك لم يحدث".
يأتي ذلك فيما تحدثت مصادر كردية لقناة "العربية" عن أسماء ثلاثة من قادة "قسد" العسكريين، قالت إنهم سيتولون مناصب في وزارة الدفاع السورية، بعد أن يتم الاتفاق على ضمّ "قسد" للجيش السوري.
ووفق المصادر، فإن الجيش السوري الذي يتمّ تشكيله حالياً يتكون من فرق وألوية، ولذلك سيتم دمج "قسد" في المؤسسة العسكرية عبر فرقةٍ واحدة ولواءين اثنين على الأقل، حيث رشّحت "قسد" ثلاثة أشخاص لقيادة هذه الفرق والأولوية، وهم لقمان خليل وجيا كوباني وجميل كوباني.
علماً أن مواقع إخبارية عدة، منها مقربة من "قسد"، كانت أكدت أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن "قسد" سلّمت قوات التحالف الدولي قائمةً بأسماء قادة الفرق العسكرية المقرر دمجهم مع فرقهم ضمن الجيش السوري، وأن القائمة تضمّ نحو 70 قيادياً، من المتوقع أن يندمجوا ضمن الجيش السوري ووزارة الدفاع وهيئة الأركان، مضيفة أن القائمة تضمّ أيضاً أسماء قادة لقيادة ثلاثة ألوية خاصة تابعة لقيادة أركان الجيش.
وفي السياق، رأى الأكاديمي والمحلّل السياسي فريد سعدون، أن لقاءت الشرع ستسّرع الاتفاق بين دمشق و"قسد" بشأن المرحلة المقبلة، حيث أن كلا الطرفين يتعرضان لضغوط من الولايات المتحدة.
ورأى أن ذلك يأتي في سياق سلّة أوسع تضمنت شطب اسم الرئيس أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب من العقوبات،
فضلاً عمّا طرح سابقاً بموجب القرار 2254 لناحية حقوق الأقليات وإقامة حكومة تشاركية وحلّ سياسي يشمل جميع السوريين، وهو ما تطالب به "قسد" أصلاً.
وأضاف سعدون ، أن "قسد" لا تستطيع رفض هذه الرؤية الدولية القائمة على وحدة سورية وتمثيل جميع أبنائها في إدارتها دون تمييز، متوقعاً أن يلتقي الجانبان عند حلول وسطية، حيث لا مناص من التفاهم.
من جهته، رأى المحلل السياسي الكردي عبد الحليم سلمان، أن زيارة الشرع إلى واشنطن وجدول أعمالها تمّ تنسيقه مسبقاً مع "قسد"، خصوصاً مسألة انضمام سورية إلى التحالف الدولي ضد "داعش"،
معتبراً أن هذه المسائل لم تكن وليدة اللحظة، بل أعد لها مسبقاً قبل الزيارة.
واعتبر سلمان أن انضمام سورية إلى التحالف، أساسه وجود "قسد" في هذا التحالف، بما تمثله من قاعدة عسكرية وديمغرافية ولوجستية والجغرافية لتحرك قوات التحالف في سورية.
ورأى أن مسألة تسريع اندماج "قسد" في الدولة السورية هو حصيلة كل هذه الجهود، حيث سيكون لـ"قسد"، ومناطق شمال وشرق سورية، دور أساسي في بناء الدولة السورية المستقبلية،
متوقعاً تسارع اللقاءات بين الجانبين خلال الفترة المقبلة بحضور أميركي بغية تسهيل الاندماج وضمان تنفيذه من الطرفين.
وبرأي المحلل السياسي أحمد المسالمة، أيضاً، أن ترحيب عبدي لا يخفي قلق "قسد" من هذه الخطوة، خشية أن تكون مقدمة لسحب الدعم الأميركي تدريجياً لهذه القوات.
ورأى المسالمة أن المرحلة المقبلة حتى نهاية العام، ستكون حاسمة في تحديد خيارات كلا الجانبين، الحكومة و"قسد"، مرجحاً جنوحهما لقبول حلول وسط تحت إشراف أميركي.
وأضاف أن قيادة "قسد" عادة ما يكون لديها رصد واستشعار للتطورات، وتحاول مواءمة مواقفها وسياساتها تبعاً لهذه التطورات، أي أنها تتعامل بواقعية وبراغماتية عالية، ولا تجد حرجاً في تبديل وتطوير مواقفها، وفق التطورات الحاصلة.