
المسيّرات تغيّر قواعد الحروب.. السلاح الرخيص الذي يرهق الجيوش
يوماً بعد آخر، تثبت أنظمة الطيران المسيّر قليلة التكلفة، جدواها وتأثيرها في تغيير مسار الحروب، خصوصاً خلال السنوات القليلة الماضية، لتخلق بذلك تحدياً كبيراً أمام أكبر جيوش العالم، وأكثرها تقدماً.
مسيّرات قليلة الكلفة أطلقها الحوثيون باتجاه مدمرات وبوارج وحاملات طائرات أمريكية، أعادت تعريف التهديد لدى الجيش الأمريكي، وكذلك الحال في الحرب الأوكرانية، والصراع الأخير الذي اندلع بين باكستان والهند.
كفاءة الطيران المسيّر أطلقت- على ما يبدو- سباقاً دولياً لاقتناء هذا النوع من السلاح وتصنيعه، وبات لدى العديد من الدول وسيلة مثالية لتعزيز قدرات الردع والدفاع بهذا المجال، ومنها بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
سلاح مقلق
تكمن خطورة الطيران المسيّر في كونه سهل التصنيع، وقليل الكلفة، وهو ما يرهق القدرات الدفاعية للخصم، وهذا ما حدث على سبيل المثال في المواجهة البحرية بين الحوثيين والولايات المتحدة خلال العام 2024، ومطلع 2025.
إذ أطلق الحوثيون مئات الطائرات المسيرة باتجاه القطع الحربية الأمريكية، وكانت حاملات الطائرات والبوارج والسفن الحربية هدفاً سهلاً لوابل من المسيّرات البدائية أحادية الاتجاه، وهو ما كلف البحرية الأمريكية مبالغ ضخمة للتصدي لها.
هذه الأنظمة شكلت معضلة أيضاً في وقت سابق، وخصوصاً خلال عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، حيث تعرضت منشآت حيوية سعودية لهجمات بطائرات مسيرة في سبتمبر من العام 2019، متسببة بخسائر كبيرة.
وخلال حرب التحرير التي خاضتها فصائل المعارضة السورية أواخر العام الماضي، كان لمسيّرات "شاهين" دور محوري في تحقيق النصر على جيش النظام السوري السابق، في حين لجأت قوات "الدعم السريع" في السودان مؤخراً لضرب منشآت حيوية في بورتسودان ومواقع أخرى، متسببةً بخسائر اقتصادية ومادية كبيرة.
دور حاسم
برز دور المسيّرات بشكل حاسم في حرب قرة باغ بين أذربيجان وأرمينيا في 2020، حيث ساهمت الطائرات التركية من طراز "بيرقدار" في منح الجيش الأذربيجاني النصر السهل على أرمينيا، عدوتها التاريخية،
وكذلك الحال في ليبيا، خلال المواجهة بين قوات خليفة حفتر والجيش الوطني الليبي.
وبعد خسائر كبيرة في المعارك بين روسيا وأوكرانيا، لجأ الجانبان للسلاح المسيّر، لتقليل حجم الخسائر، وفعلاً تحولت الدولتان لاستخدام الطيران غير المأهول، لضرب مصالح الخصم.
كذلك الأمر في المواجهة بجنوب آسيا بين الهند وباكستان، مايو الماضي، حيث كان للطيران المسير دور فيها، وفق مجلة "فورين بوليسي"، التي قالت إن استخدام هذا النوع من الأنظمة يعد تحولاً خطيراً في طبيعة الحرب وآلياتها.
وأضافت المجلة، في تقريرها الذي كتبه المراسل جون هالتيوانغر، أنه "من المتوقع أن يكون للمسيّرات دور كبير في أي صراعات مستقبلية بجنوب آسيا، في حين اقتصر دورها سابقاً على الاستطلاع وغيره من المهام العسكرية المحدودة".
واستخدمت الهند المسيرات الإسرائيلية، في حين استخدمت باكستان مسيرات تركية وصينية، وكانت حاسمة في إيصال رسائل الجانبين.
المجلة أشارت إلى ميزة أخرى لاستخدام المسيّرات، فإلى جانب كونها منخفضة التكلفة، فهي قادرة على ضرب الأهداف بدقة، وإلحاق ضرر نسبي بالأهداف يكفي لإيصال رسائل سياسية أوقات التوتر دون تصعيد القتال إلى حرب شاملة.
ونقل موقع قناة "الشرق" السعودية (أغسطس 2024) عن المحلل العسكري الأمريكي، جون روسوماندو، قوله إن "الطائرات المُسيرة تمتلك ميزة أهم من السرعة والمدى، وهي القدرة على الإفلات من رادارات الدفاع الجوي".
وأوضح روسوماندو أن المشكلة تتمثل في أن الفارق أصبح كبيراً بين الدفاع الجوي والطيران المسيّر، لافتاً إلى أن بعض المسيّرات الأكبر حجماً يبلغ سعرها نحو 20 ألف دولار، وقد تحتاج لصاروخ بتكلفة تصل إلى 5 ملايين دولار لإسقاطها.
الخليج والمسيّرات
هذا التطور اللافت في أنظمة الطيران المسيّر جذب اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي، فسارعت لعقد صفقات عدة، والبحث عن سبل لتعزيز قدراتها في هذا المجال الذي يتطور باطراد.
وخلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخليج، منتصف شهر مايو الماضي، تم إبرام صفقات دفاعية ضخمة، من بينها تتعلق بتزويد قطر بمجموعة من الطيران المسيّر "إم كيو 9"،
كما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في مارس الماضي، موافقتها على صفقة محتملة لبيع طائرات مسيرة بقيمة 1.96 مليار دولار إلى الدوحة.
كذلك أبدت قطر، في وقت سابق، اهتمامها بطائرات "بيرقدار" التركية، في حين تعاقدت وزارة الدفاع الكويتية، في يونيو 2023، مع تركيا، لتوريد منظومة الطائرات من دون طيار من طراز "بيرقدار TB2"، بقيمة 367 مليون دولار.
ونظراً للريادة التي تتمتع بها تركيا في مجال صناعة وإنتاج الطائرات المسيرة، قالت وسائل إعلام تركية، مطلع يناير الماضي، إن السعودية تسعى لشراء 100 مقاتلة تركية من طراز "قآن"، والتي تطورها أنقرة في الوقت الحالي ويُنتظر أن تدخل الخدمة في العام 2028.
وقالت مجلة "فوربس" الأمريكية إن السعودية تسعى لشراء المقاتلات التركية من أجل تقوية قواتها الجوية، وجاءت هذه التطورات عقب زيارة قبل أيام لوفد عسكري سعودي إلى تركيا.
سلاح خطير
ويرى العقيد إسماعيل أيوب، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن "مبدأ المفاجأة هو أحد أهم مبادئ الاستخدام القتالي، وحالياً السلاح المُسيّر هو مفاجأة الحروب الحديثة، بمختلف أشكاله".
وأضاف : "هذا السلاح أصبح في يد الاستخبارات وأيضاً في أيدي الجيوش وهناك المسيرات القتالية، والانتحارية، والاستطلاعية وغيرها".
وأشار أيوب إلى أن "المسيّرات أحدثت فارقاً كبيراً في الحروب الحديثة، خصوصاً أن هناك مسيّرات صغيرة الحجم، مصنوعة من لدائن بلاستيكية، أو مواد غير قابلة للكشف بالرادارات، مع حجم صغير من المتفجرات، أو أسلحة دقيقة تحملها المسيرات الكبيرة".
ويتابع: "أصبحت هذه الأسلحة تحدث فارقاً خصوصاً في الحروب الحديثة، مثل الحرب الروسية الأوكرانية"، لافتاً إلى أن "سهولة استخدام هذه المسيرات هي ما يحدث الفارق، وهذا ما حدث خلال استهداف أوكرانيا لقاذفات استراتيجية في روسيا مطلع يونيو الجاري".
سهولة التصنيع
ولفت أيوب إلى سهولة تصنيع هذه الطائرات، حتى لدى العديد من الدول النامية كإيران وغيرها، مشيراً إلى أنها "أحدثت ثورة في عالم الحروب، وعالم الاستخبارات، وهذا أمر خطير جداً".
وأوضح قائلاً: "حتى الآن لم تستطع القوى العظمى أن تخترع السلاح الناجع المضاد لهذه الدرونات، لكن مع تقدم الزمن أعتقد أنه سيكون هناك مضاد، للحماية من هذه الدرونات، وهذا ليس غريباً، لأن كل سلاح متطور يحدث فارقاً، يُخترع له بعد مدة قصيرة، سلاحاً مضاداً".
منطقة الخليج
ويرى العقيد إسماعيل أيوب، أنه من المهم اقتناء هذه المسيرات، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط والخليج تحديداً، فقد أصبح سلاحاً رئيسياً، بعد أن كان ثانوياً في وقت سابق.
واستطرد قائلاً: "دول كثيرة تصنع مثل هذه المسيرات، ومن ثم نمو واقتناء هذه المسيرات في الدول العربية، ودول الخليج تحديداً، أمر طبيعي يواكب العصر، وحالياً هناك صناعة للمسيرات في الإمارات والسعودية وفي تركيا، ومهم جداً أن تواكب دول المنطقة أو حتى الدول النامية هذا السلاح الفعال في أرض المعركة".
وأشار إلى أنه حتى الآن ليس هناك سلاح فعّال 100% لإسقاط هذه الدرونات، وربما تعتمد طرق وأساليب قتالية جديدة لاستخدام هذه الدرونات تُعقّد إمكانية تدميرها أثناء الهجوم، خصوصاً عند إطلاق كميات كبيرة منها في آن واحد.
واختتم حديثه بالقول: "هي سلاح مهم الآن، سواء للدول العظمى أو الدول الصغيرة، وفي دول الشرق الأوسط، والخليج تحديداً".