
هل انتصرنا على العرب؟
في 10 حزيران 1967 وصلت حرب الأيام الستة إلى نهايتها. حرب متوجة بإنجازات وانتصارات غيرت وجه دولة إسرائيل والشرق الأوسط.
في ذاك اليوم، سيطر الجيش الإسرائيلي على هضبة الجولان، وصل إلى قناة السويس وأنهى احتلال “يهودا والسامرة”، بما في ذلك القدس الشرقية والحرم فيها.
كان النصر الإسرائيلي واضحاً وحاسماً، وكان الحكام العرب أول من اعترفوا علناً بهزيمتهم وأوقفوا النار في الخطوط الجديدة التي انتشر الجيش الإسرائيلي على طولها.
وها نحن بعد أقل من ثلاثة أسابيع من انتهاء الحرب وتحقيق النصر، وجدنا أن المصريين استأنفوا النار، واجتازوا القناة، وهاجموا استحكامات الجيش في الجانب الإسرائيلي منها. بعد بضعة أشهر، أغرقوا بارجة “إيلات”.
هكذا بدأت “الحرب ما بعد الحرب”، والتي عرفت لاحقاً باسم “حرب الاستنزاف”.
بعد بضعة أسابيع من ذلك، استأنف السوريون النار في هضبة الجولان، وجررنا إلى حرب طويلة ومضرجة بالدماء سقط خلالها أكثر من ألف جندي إسرائيلي.
حرب الاستنزاف شكلت مدماكاً مهماً للعرب في بناء قوتهم واستعدادهم العسكري لحرب يوم الغفران.
حتى حرب يوم الغفران، يجدر أن نتذكره كإنجاز عسكري مبهر. لقد انتعش الجيش الإسرائيلي من المفاجأة التي تعرض لها، فصد هجوم العدو والسيطرة على أراضيه.
غير أنه لم يحقق وقف النار الهدوء هنا، فالسوريين استأنفوا القتال إلى أن وُقّع في أيار 1974 اتفاق فصل القوات في جبهة الجولان.
عملياً، المرة الوحيدة التي انتهى فيها نزاع عسكري بهدوء صمد حتى اليوم هو عندما وقع مناحيم بيغن على اتفاق سلام مع مصر. وشرح بيغن لمنتقديه بأن “مصاعب السلام أفضل من عذابات الحرب”.
وبالفعل، حقيقة هي أن الحدود المصرية، التي كانت حدوداً شكلت لها تهديداً وجودياً على مدى الـ 25 سنة من استقلالها، أصبحت هادئة بجرة اتفاق سياسي.
يعلمنا كل هذا بأن النصر في الحروب الإسرائيلية – العربية ممكن وقابل للتحقق وكفيل بأن يجلب معه مكاسب هائلة لدولة إسرائيل.
لكن لا يدور الحديث عن “نصر مطلق” الذي هو بمثابة شعار لا شيء وراءه. الحكمة هي أن نفهم ما يمكن وما لا يمكن تحقيقه، وأساساً الحفاظ على ثمار انتصاراتنا.
أفضل مثال على ذلك هو حرب الاستقلال. هذه الحرب كانت الأطول والأصعب في حروب إسرائيل. نجح الجيش الإسرائيلي في هزيمة عرب بلاد إسرائيل والجيوش العربية التي اجتاحت كي تساعدهم، وأدت إنجازاته إلى انعطافة إقليمية وديمغرافية تاريخية.
لكن الحرب انتهت بنصر مطلق، فعندما وقعت اتفاقات الهدنة بقيت غزة تحت سيطرة مصرية، أما الجيش الأردني فتحكم بالحرم وبشرقي القدس، وأنزل السوريون أقدامهم في بحيرة طبريا.
لكن كان لإسرائيل في حينه دافيد بن غوريون. زعيم حقيقي، أعظم من قام لنا وقاد الدولة إلى الانبعاث والنصر. كانت عظمته في معرفته متى يتوقف. فقد أدرك وجود نقطة يكف فيها استمرار القتال عن خدمة أهدافنا القومية بل وربما يقضم من إنجازاتنا.
ولهذا فقد أوقف القتال ومنح الأولوية لإعادة بناء الجيش، وبناء المجتمع والاقتصاد واستيعاب الهجرة. كل هذا كان النصر الثاني في الحرب “المطلق” أكثر من سابقه.
لا تحتاج الحكومة الحالية أن تخترع شيئاً أو تعنى بمناورات تفكير استراتيجية، إذا كان الأمر يتجاوز قدرتها. كل ما تحتاج فعله هو السير في أعقاب الحكومات السابقة.
فهذه عرفت متى تقول كفى، وكيف تحافظ على النظر وتحقق مكاسبه بل وامتنعت عن تسويق أوهام وكأنه في النزاع الذي نعيشه توجد انتصارات مطلقة.
في الأسبوع الماضي أحيينا 600 يوم على الحرب في غزة، وواضح أنه رغم إنجازاتنا لن يكون فيها نصر مطلق. في أقصى الأحوال “نصر مطلق” للرئيس ترامب الذي سيقرر موعد وشروط نهايتها.
ومن لا يتعلم من التاريخ يجد نفسه “يأكل السمك الفاسد ويطرد من المدينة”.
أيال زيسر
إسرائيل اليوم 3/6/2025