
ماذا تبقى من الميليشيات المتحالفة مع إيران؟
هل تتذكرون أكتوبر (تشرين الأول) 2023؟ هل تتذكرون كيف كان يتصرف من كان يظن أنه صلاح الدين الأيوبي؟
ذلك الرجل الذي تخيل أن ممثليه يلقون خطب الجمعة باسمه في أربع عواصم وأن سفراءه في بيروت وصنعاء وبغداد يتولون الإشراف على الحكومات في تلك البلدان.
وفي غزة التي كانت تحكمها نصف دولة بواسطة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" كانت تدر عليهم إيران الدولارات، وذات ليلة حلموا أنهم سيمسكون في عصا موسى وسيشقون البحر ويكسرون رقاب آل موسى.
بالتزامن كان ولي الفقيه يتخيل أن مسلمي العالم من جاكارتا إلى تمبكتو ومن كراتشي إلى الشيشان سوف يسهبون في مدحه ويدعون له، كما حلم بأن يفتح نهر الليطاني فمه ويبلع الجنود الصهاينة وأن صواريخه وطائراته المسيرة ستنطلق بالسماء وتسوي منزل نتنياهو بالأرض.
وكان يحلم بأن يقيم احتفالات متواصلة لكن لم يمض يوم حتى شاهد مواجهة إسرائيل ولاذ حلفاؤه إلى الملاجئ في المغارات والدهاليز تحت الأرض وكان الذي يظن أنه صلاح الدين ينظر إلى السماء يترقب ظهور العدو من السماء ليوجه ضربة ضده.
خلال الأيام المرة والدامية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) أصيب علي خامنئي بالضياع فخرجت أربع عواصم من يديه وتراجع نفوذه في البحر المتوسط ودجلة والفرات والبحر الأحمر والليطاني وحتى في بحيرة الملح في قم.
وكان الذي يدعي السيطرة على أربع عواصم مؤملاً بسيطرة خامسة وعلق الأمل على يحيى السنوار وحسن نصر الله وعبد المالك الحوثي وهادي العامري، لكنه انتهى به المطاف في مرحلة يخشى فيها على حياته.
في الأمس كان يشعر بالقوة والسيطرة على بيروت وغزة وصنعاء وكربلاء لكن أتى وقت الخشية والفشل والمصائب والموت. لنستعرض ماذا حل بحلفاء إيران الذين كانوا يمرون بذروة الاقتدار قبل السابع من أكتوبر.
لكنهم بعد تلك الفترة صاروا يتأملون في مستقبلهم وعلى أرجلهم أغلال وأجنحتهم مكسرة.
"حزب الله"
في عام 2008 سعت الحكومة اللبنانية المقربة للغرب إلى إغلاق طرق تواصل "حزب الله" وأقالت رئيس أمن مطار بيروت بسبب علاقته مع الحزب، لكن هذه الميليشيات استطاعت بعدها السيطرة على أجزاء واسعة في العاصمة اللبنانية بعد خوض اشتباكات مع السنة.
وأدت المواجهات الطائفية إلى مقتل 81 شخصاً وكان لبنان على شفا حرب أهلية جديدة. وتراجعت الحكومة واتفقت مع "حزب الله" على تقسيم السلطة كما تراجع حلفاء الحكومة واتفقوا على منحهم الثلث المعطل في البرلمان وهو بمثابة حق الفيتو لإلغاء قرارات الحكومة.
وكان الحزب قد تغلغل في الحياة السياسة في لبنان بعد اتفاق الطائف الذي وضع حلاً للأزمة اللبنانية وكان الأمين العام للحزب آنذاك وافق مكرهاً على اتفاق الطائف.
وشارك الحزب للمرة الأولى في انتخابات عام 1992 وحصل على 12 مقعداً ليحقق انتصاراً كبيراً.
وحصل في انتخابات عام 2009 على 10 مقاعد وبقي ممثلوه في حكومة الوحدة الوطنية.
وقد أصدر الأمين العام للحزب السابق حسن نصر الله في نهاية ذلك العام ميثاقاً سياسياً جديداً للحزب الهدف منه التعريف بـ"الوضع السياسي" لهذه المنظمة.
لم يرد في المنشور ما يتعلق بتأسيس "جمهورية إسلامية" التي وردت في ميثاق عام 1985 لكن الميليشيات ظلت على موقفها العدائي من إسرائيل وأميركا وأكدت اهتمامها بالحفاظ على سلاحها.
وفي عام 2011 عمل "حزب الله" وحلفاؤه على إسقاط حكومة الوحدة الوطنية بقيادة سعد الحريري رئيس الوزراء السابق المدعوم من السعودية.
وحذرت الميليشيات من أنها لن تلتزم الصمت أمام اتهام أربعة من أعضائها بالتورط في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
وفي حرب الـ33 يوماً وصف حسن نصر الله المواجهة مع إسرائيل بـ"الفتح المبين" وأضاع مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية لكنه أعلن وقتها أنه إذا كان يعلم مدى ردود الفعل الإسرائيلية لما أقدم على أسر جنود.
حتى السابع من أكتوبر عام 2023 كانت ميليشيات "حزب الله" الحاكم الفعلي في لبنان. وكانت تتحكم في شؤون البلد مدعومة بزعيم "حركة أمل" نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني الذي ترك لـ"حزب الله" إرث الإمام موسى الصدر، كما كان لها ثلاثة من الوزراء الأقوياء وحلفاء مارونيين ومن السنة مثل إميل لحود وميشال عون وصهره جبران باسيل وعمر كرامي ونجيب ميقاتي.
وتحكمت الميليشيات بانتخاب الرئيس ورئيس الوزراء وكانت تواجه رؤساء الوزراء المستقلين وتقضي عليهم بالأسلوب الذي انتهجته مع سعد الحريري، ونفذت سلسلة اغتيالات ضد نواب البرلمان وصحافيين معروفين مثل جبران تويني وسمير القصير وجورج حاوي. كما زرعت متفجرات بسيارة مي شدياق المذيعة المعارضة لـ"حزب الله" ما أدى إلى قطع رجليها.
قبل السابع من أكتوبر استطاع "حزب الله" تعطيل الانتخابات الرئاسية لفترة سنتين وفيما كان يرغب المسيحيون والسنة بانتخاب جوزاف عون قائد الجيش السابق لرئاسة البلد كان "حزب الله" يدعم جبران باسيل للوصول إلى هذا المنصب.
وخلال أقل من سنة أعلن حسن نصر الله مرة أخرى أنه أخطأ التقدير في تقييم رد فعل إسرائيل كما أنه فقد حياته في قمار مليء بالخسائر.
وفي السادس من أكتوبر قبل يوم من هجوم "حماس" على إسرائيل كان "حزب الله" يضم 12 ألف مقاتل من النخبة وثلاثة آلاف كوماندوز مدرب وتلقى بعضهم التدريب في إيران و500 عنصر في البحرية وثلاثة آلاف من القوات في سوريا و500 في اليمن و300 في العراق والعشرات منهم كانوا في أفريقيا وأميركا الجنوبية وكانت شبكة القرض الحسن تدر عليه مليارات الدولارات إلى جانب تهريب المخدرات، وكان يملك كوادر تضم مجلس شورى القيادة وقيادة العمليات والاستخبارات والأمن إلى جانب الذراع الاقتصادية التي تدير العشرات من الشركات والمؤسسات المالية المحلية والدولية.
كذلك كان يحصل على موازنة تشمل مليار دولار من إيران وثلاثة مليارات دولار من موارد تهريب المخدرات والاستيراد والتصدير من لبنان وشبكات إدارية ومالية مختصة في عدد من دول المنطقة وفي مالي وغينيا والسيراليون وجنوب أفريقيا ومدغشقر وفنزويلا والأكوادور وتشيلي والأرجنتين وكندا والمكسيك وبنما وآسيا وباكستان والهند وتايلند وماليزيا وأوروبا.
أما اليوم لم يتبق الكثير لهذه الدولة داخل الدولة وقد فقدت المئات من كوادرها المقاتلة والأمنية و900 من قياداتها وتدمرت غالبية الشبكات التابعة لها خارج لبنان إلى جانب انهيارات مالية واسعة، في غياب كوادر مدربة سياسياً وعسكرياً وأمنياً اضطر الحزب إلى تعيين نعيم قاسم الذي لم تتعد أدواره إلقاء الخطب كقائد لهذه الميليشيات.
سياسياً واجهت الميليشيات معارضة أميركية لانضمام وزرائها إلى الحكومة وكان حضور المبعوث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط خلال انتخاب الرئيس ورئيس الوزراء الجديدين في لبنان شكل رسالة واضحة بأن "حزب الله" لم يعد يتمتع بقدرته السابقة وأن فترة السعادة انتهت. وبعد إسقاط النظام السوري أغلقت طرق إيصال الأموال والسلاح إلى "حزب الله" وبقي نعيم قاسم مقيماً في قصره من دون أن يستطيع فعل شيء.
"الحشد الشعبي"
تأسست هذه المجموعة الشيعية في العراق بدعم من السيستاني لمواجهة "داعش" وضمت متطوعين من الشيعة وحلفاء النظام الإيراني، وكان قاسم سليماني يمارس فعلياً دور القائد لهذه الميليشيات بمساعدة ذراعين تنفيذيين: هادي العامري وأبو مهدي المهندس.
أما هادي العامري الذي أصبح في ما بعد وزيراً يقضي أوقاته هذه الأيام في الفيلا الخاصة به في الكاظمين ويعتزل السياسة.
أما حال الآخرين فلم يكن أفضل منه، فأبو مهدي المهندس رافق قاسم سليماني في رحلة الموت وعاد قيس الخزعلي إلى الحوزة الدينية في النجف ومقتدى الصدر يتلقى التعليم ليصبح مرجعاً دينياً.
ولم يتبق شيء من تلك القوة التي أطاحت بإياد علاوي ومصطفى الكاظمي وهما من الشخصيات الوطنية المستقلة التي تولت رئاسة الحكومة بعد صدام حسين.
وفي الرد على القلق الذي يساور محمد شياع السوداني بشأن مصير "الحشد الشعبي" أوصى السيستاني بأن ينضم أعضاؤه إلى الجيش والشرطة.
"حماس" و"الجهاد الإسلامي"
على رغم حصول حركتي "حماس" و"الجهاد" على ملايين المساعدات من ولي الفقيه لكنهما لم يتزعما حلفاء إيران لأنهما ليسا من الشيعة.
فطريقة الصلاة لهنية والزهار والسنوار وأبو مرزوق وخالد مشعل تختلف عن خامنئي ومدحهم لخامنئي أقل من المدح لبعض الزعماء في المنطقة.
كانوا يمارسون العمالة ويستلمون الأموال نقداً من إيران، وعلى رغم ما تردد بشان اعتناق بعض قادة "الجهاد الإسلامي" المذهب الشيعي مثل عبد العزيز عوده وفتحي الشقاقي ورمضان شلح وزياد نخالة لكن لم يستطيعوا إلا تعبئة عدد قليل من الكتائب.
اليوم "حماس" و"الجهاد الإسلامي" أصيبا بفشل ذريع وفقدا السلطة وقتل منهم بين 8 إلى 12 ألف شخص ولديهم الكثير من الجرحى وأسرى إسرائيليين تورطوا بهم و45 ألف قتيل فلسطيني.
وقد وصلوا حداً من الكره لدى سكان غزة حيث خاضوا مواجهات ضدهم وأطلقوا في عدة مرات شعارات مثل "حماس برا برا" بوجههم.
الحوثيون
منذ اليوم الذي بايع أنصار بدر الدين الحوثي، الخميني وبعدها خامنئي فإن اليمن السعيد لم ير الهناء بعد. فـ"الشباب المؤمن" في صعدة نظموا أنفسهم بقيادة حسين الحوثي وحولوا اسمهم إلى "أنصار الله" وحصلوا على مساعدات مالية وتسليحية من نظام ولي الفقيه.
لكنهم لم يحصلوا على اعتراف دولي على رغم خوضهم الحرب الأهلية بعد الإطاحة بعلي عبد الله صالح واستيلائهم على صنعاء بقيادة عبد الملك الحوثي وبدعم من النظام الإيراني ومشاركة الآلاف من أعضاء "الحرس الثوري" و"حزب الله" اللبناني و"حزب الله" العراقي.
وبعد انخراطهم في الحرب بين "حماس" وإسرائيل بأمر من ولي الفقيه فإنهم فقدوا نسبة كبيرة من قدراتهم وإمكاناتهم العسكرية والاقتصادية في فترة وجيزة من المواجهة مع أميركا وبريطانيا وإسرائيل.
والخسائر التي تسببت بها عملياتهم لمصر والبلدان الواقعة على ضفاف البحر الأحمر لم تجلب لهم دعماً في الشرق الأوسط وأفريقيا. فاليوم يفقد علي خامنئي ضلعه الرابع بسرعة فائقة.
وكان ولي الفقيه قبل السابع من أكتوبر 2023 ينتابه شعور القوة وفي يده أربع أوراق وكان مؤملاً بأن يترك إرثاً كبيراً لنجله مجتبى خامنئي، لكنه اليوم يجلس إلى طاولة القمار ويداه فارغتان في مواجه أميركا وإسرائيل. فإصراره على المفاوضات غير المباشرة لا تنبئ عن حقده وعدم الثقة بأميركا فحسب، بل لأنه لا يملك أوراقاً بعد.
علي رضا نوري زاده
كاتب وباحث إيراني