
الأقلام المأجورة: كيف تُدمر العقول وتُزيّف الحقيقة
في معترك الكلمات، حيث تتصارع الرؤى وتتلاقى الأفكار، يبرز صنفان من الأقلام. قلم حرّ، ينطق بصدق قناعات صاحبه، يدفعه نبض ضميره، ويسعى جاهدًا لكشف الحقائق ونصرة القيم النبيلة، غير عابئ بمغريات المال أو سطوة النفوذ.
كلماته تخترق حجب الزيف بجرأة، وتضيء دروب الوعي بصدقها. قد لا تجد هذه الأقلام ملاذًا في كل منصة، لكنها تترك أثرًا عميقًا في نفوس القراء، ملامسة أرواحهم بصدقها وإخلاصها.
وعلى النقيض، يظهر القلم المأجور، الذي يرقص طربًا على وقع المال، يبيع كلماته لمن يدفع أكثر، يُلوّن الحقائق ويُجمّل الباطل ببراعة زائفة.
لا يعنيه سوى إرضاء من يموله، وتلميع صورته، وتمرير أجندته الخفية. كلماته قد تبدو براقة للوهلة الأولى، لكنها سرعان ما تكشف عن خواء مضمونها وزيف نواياها.
قد تجد هذه الأقلام ترحيبًا واسعًا في وسائل الإعلام ذات التوجهات المحددة، لكن تأثيرها يتلاشى سريعًا، لافتقارها إلى المصداقية والعمق.
إن الكلمة ليست مجرد أداة للتعبير؛ إنها أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة. فالأقلام بحق أقوى وأنفذ تأثيرًا من المدافع. المدفع يحدث دويًا في نطاق جغرافي محدود، ويخلف دمارًا ماديًا ملموسًا.
أما القلم، فيمتلك قدرة خارقة على اختراق الحواجز، والوصول إلى أقاصي الأرض، ليُحدث تأثيرًا فكريًا وروحيًا قد يمتد عبر الأجيال.
تخيل مقالًا صادقًا، ينبع من قلب يؤمن بعدالة قضيته، كيف يمكن له أن يُلهم الجموع الغفيرة، ويحركهم نحو الحق والخير؟
وعلى الجانب الآخر، تخيل مقالًا زائفًا، تحركه مصالح ضيقة أو أجندات خفية، كيف يمكن له أن يُضلل العقول، ويُثير الفتن، ويُرسخ المفاهيم المغلوطة؟
لهذا السبب تحديدًا، يجب أن يتحلى أصحاب الأقلام بأعلى درجات الأمانة والمسؤولية. يجب أن يكون ضميرهم حيًا، وأن يتحروا الدقة والموضوعية في كل حرف يخطونه.
عليهم أن يدركوا تمام الإدراك قوة كلماتهم وتأثيرها العميق، وأنهم محاسبون أمام ضمائرهم وأمام التاريخ عن كل كلمة تسطرها أقلامهم.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية المنصات الحرة التي تحتضن الأقلام النزيهة، وتمنحها مساحة للتعبير عن آرائها بصدق دون قيود أو إملاءات.
ويأتي في مقدمة هذه المنصات موقع "الرأي الثالث"، تلك الصحيفة الإلكترونية التي تستقبل أقلام أصحاب الضمائر الحية، وتفتح أبوابها لكل رأي حر ونزيه، لتكون بحق صوتًا لمن لا صوت له.
إنها تؤكد على حقيقة راسخة: أن القلم أقوى من المدفع في معركة الوعي، وأن الكلمات الصادقة قادرة على هزيمة الزيف والتضليل.
فلنُجلّ الأقلام الحرة والأمينة، ولنُعلي شأنها، ولندعم المنصات التي تحتضنها، لأنها الركيزة الأساسية في بناء مجتمع واعٍ ومستنير.
وعلينا نحن القراء أن نكون على قدر المسؤولية في استقبال ما يُكتب، وأن نميز الخبيث من الطيب، حتى لا نقع فريسة للأقلام المأجورة التي تسعى لتزييف الحقائق وتدمير وعينا. إنها مسؤولية مشتركة، نبني بها مجتمعًا أكثر وعيًا ونزاهة.
بقلم: أ. عبدالله الشرعبي