
إسرائيل تقتحم الفتنة في سورية بادعاء حماية الدروز
الرأي الثالث - وكالات
تستمر دولة الاحتلال الإسرائيلي في توظيف الفتنة في سورية وتعميق خطاب الأقليات الذي يفرّق السوريين، وبعض أخطاء النظام الجديد في دمشق والفئات المتطرفة من مختلف الأطراف والطوائف، من أجل تفتيت سورية الجديدة الباحثة عن بناء نفسها في مرحلة حساسة.
آخر ما تحاول إسرائيل استغلاله الاعتداءات التي طاولت الدروز في مدينتي جرمانا وصحنايا في ريف دمشق، والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، لزعزعة الاستقرار والمضي في مخططاتها الرامية لتفتيت سورية ومنع قيام دولة قوية ومتماسكة تضمن تمثيلاً لجميع فئاتها، تحت راية وحدة وطنية.
ذريعة لاستثمار الفتنة في سورية
ومن هنا تروّج لمسألة الدفاع عن الدروز، بزعم أنها تلقّت مناشدات لمساعدتهم، فيما صرّحت قيادات درزية في غير مرة، برفضها التدخّل الإسرائيلي.
وبرز أمس إعلان السلطات الإسرائيلية، في إطار لعبها على وتر حماية الأقليات، خصوصاً الدروز، أنها نفّذت قصفاً أمس الأربعاء، بذريعة الدفاع عن الدروز، لمبنى كان يوجد فيه "مسلّحون يستعدون لمهاجمة الدروز".
وجاء في بيان مشترك لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس، أنه بإيعاز منهما ومن رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال إيال زامير، "قام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ عملية تحذيرية، وهاجم تنظيماً لمجموعة متطرّفة كانت تستعد لمواصلة مهاجمة السكان الدروز في بلدة صحنايا، بمحافظة دمشق في سورية.
كما تم توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى النظام السوري، حيث تتوقع إسرائيل منه أن يعمل على منع الإضرار بالدروز".
احتجاجات شارك فيها العشرات من دروز إسرائيل، في المنطقة الشمالية، تعبيراً عما اعتبروه تضامناً مع أبناء الطائفة في سورية
وجاء هذا التحرك تحديداً، بعد احتجاجات شارك فيها العشرات من دروز إسرائيل، في المنطقة الشمالية، تعبيراً عما اعتبروه تضامناً مع أبناء الطائفة في سورية، ولا سيما في منطقتي جرمانا وصحنايا.
وتخلل الاحتجاجات إشعال إطارات وإغلاق شوارع، ومطالبتهم بتدخّل إسرائيلي، وهو المطلب الذي يعود من فترة إلى أخرى منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي وقت كانت قيادات درزية تتحرك بهدوء بعيداً عن الشحن أو التحريض لاحتواء الفتنة من بينها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط عبر سلسلة اتصالات شملت القيادة السورية والقوى الدرزية وعواصم عربية وغربية انطلاقاً من ضرورة عدم السماح باتساع الاشتباكات وتدهور الانفلات الأمني ومنع أي أطراف من استغلال الوضع،
برزت دعوة الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في دولة الاحتلال، موفق طريف، "دولة إسرائيل والمجتمع الدولي والشعب اليهودي إلى التحرك الآن، فوراً، لمنع المذبحة الجماعية" في سورية، على حد وصفه،
مضيفاً "أن دولة إسرائيل يجب ألا تقف مكتوفة الأيدي وتشاهد ما يحدث الآن في سورية. هذا هو وقت التحرّك".
وعملت قيادات درزية في أراضي 48 موالية للمؤسسة الإسرائيلية على الدفع باتجاه التدخل في سورية، وهي قيادات تتواصل أيضاً مع دروز سورية، وتنظّم زيارات لمشايخ دروز، بتنسيق إسرائيلي تام وحماية أمنية إسرائيلية، إلى مقام النبي شعيب وقرى درزية في الداخل.
وتستغل دولة الاحتلال هذه الحالة، ولو بشكل غير مباشر، لتسويق وجهها "الإنساني" الذي يجمع "الإخوة الدروز" من جانبي الحدود، ويحرص على السماح لهم بتأدية واجباتهم الدينية، رغم أن طائرته تقصف باستمرار مواقع سورية، وتستبيح البلاد، حتى على خلفية قضايا غير متعلقة بالدروز، وتحتل أراضي سورية بذرائع أمنية ومخاوف من النظام الجديد.
لكن في المقابل، تتنصّل أوساط وشخصيات عربية درزية من الداخل الفلسطيني وأبناء الجولان السوري المحتل من مثل هذه المطالبات بالتدخل الإسرائيلي في سورية، وتحذّر من مخاطرها، ومخاطر الاندماج في المشروع الإسرائيلي في سورية.
استغلال الفتن الطائفية
ولا تستغل إسرائيل فقط ضرباتها ومخططاتها لتقسيم سورية وإضعافها أكثر، بذريعة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي، وإنما تلعب بورقة الفتنة في سورية من أجل إرضاء الدروز الموالين لها، أو من تحبذ أن تطلق عليهم اسم "إخوة الدم"، وتظهر بمظهر من يأبه بهم وبإخوتهم في سورية ويستجيب لطلباتهم،
وهو ما عناه بيان نتنياهو وكاتس، بأنه "بالذات في يوم الذكرى لقتلى حروب إسرائيل، والذي نكرّم فيه المساهمة العظيمة للطائفة الدرزية في أمن إسرائيل، ونحيي ذكرى الدروز الذين ضحوا بحياتهم دفاعاً عن دولة إسرائيل، نحن نرى أهمية كبيرة في الوفاء بالتزامنا تجاه الطائفة الدرزية في إسرائيل وحماية إخوتهم في سورية... إسرائيل لن تسمح بالإضرار بالطائفة الدرزية في سورية، انطلاقاً من التزام عميق تجاه إخوتنا الدروز في إسرائيل، المرتبطين بعلاقات عائلية وتاريخية مع إخوتهم الدروز في سورية".
ومن المفارقة أن القيادات الدرزية التي تروج لمقولة أنها أقنعت دولة الاحتلال بضرب سورية بحجة الدفاع عن الدروز، لم تتمكن حتى اليوم من تجنيب الطائفة في إسرائيل ويلات القوانين العنصرية، من قبيل قانون القومية العنصري أحد قوانين تكريس الفوقية اليهودية في دولة الاحتلال، وقانون كامينتس الذي يسهّل هدم البيوت العربية في أراضي 48، بما في ذلك في البلدات الدرزية.
كما لم تتمكن من إقناعها بمنع مصادرة الأراضي وغيرها من القضايا، رغم أن الجزء الأكبر من أبناء الطائفة الدرزية يؤدون الخدمة العسكرية، ويشاركون دولة الاحتلال في حروبها، ويبذلون دماءهم في سبيلها، وبكلمات أخرى كيف لإسرائيل التي لا تحمي حقوق دروزها، الذين يقدّمون أبناءهم ودماءهم، أن تكترث لحماية إخوتهم في دولة آخر، إلا إن كانت لديها مآرب أخرى، على رأسها استغلالهم لتحقيق غاياتها.