مخرجات الجامعات اليمنية ومخرجات الجهل: لماذا ذهب أساتذة الجامعات وراء المليشيات؟
في بلدٍ مثقل بالحروب والانقسامات كاليمن، تبدو المفارقة صارخة حين نرى أساتذة جامعات، يفترض أنهم نخبة المجتمع، يقفون في صفوف المليشيات لا في محراب العلم، فكيف ولماذا حدث ذلك؟
وهل يدل هذا على أزمة في التعليم الجامعي ذاته؟ أم في البنية الاجتماعية والسياسية التي تحيط بالجامعات وتفرغها من مضمونها؟
أولا: مخرجات الجامعات اليمنية… الكم على حساب الكيف
لقد عانت الجامعات اليمنية خلال العقود الأخيرة من تدهور كبير في الجودة الأكاديمية، سواء من حيث المناهج، أو الإمكانات البحثية، أو الكادر التدريسي،
فبدل أن تكون الجامعة مصنعًا للعقول الناقدة والكوادر المؤهلة، أصبحت في كثير من الحالات مجرد بوابة لمنح الشهادات، دون أن يترافق ذلك مع تأهيل حقيقي أو بناء فكري عميق، حتى أصبحت شريكة في إنتاج التخلف بدلا من مواجهته..
ثانيًا: مخرجات الجهل… سلطة الخطاب الشعبوي والسلاح
في ظل غياب الدولة وانهيار النظام التعليمي، أصبح للجهل مؤسسة، وللخرافة خطاب، وللتحريض سوق رائجة، وجد الكثير من الشباب أنفسهم يتلقون تعليمهم من “المنابر المليشياوية”،
حيث يقدم الجهل كيقين، والعنف كحل، والانتماء للقبيلة أو الجماعة كبديل عن الانتماء للوطن أو الفكرة, هذا النوع من “المخرجات” أثبت فعاليته من حيث الانتشار، لا من حيث البناء..
المفارقة أن بعض من انخرط في هذا الخطاب لم يكن من الجهلة أو الأميين، بل من حَمَلة الدكتوراه ومن أساتذة الجامعات أنفسهم. فكيف حدث هذا التحول؟
ثالثًا: لماذا ذهب أساتذة الجامعات وراء المليشيات؟
الجواب مركب، ويتعلق بعدة عوامل:
1.الانتهازية السياسية: البعض استغل موقعه الأكاديمي لتسلق السلالم السياسية، حتى لو كان الثمن هو التحالف مع المليشيات، فالعنوان الأكاديمي في بيئة مضطربة يمكن أن يُوظَّف لتلميع خطاب الجماعة أو شرعنة ممارساتها..
2.الخلل في التكوين الفكري: الحقيقة المؤلمة أن بعض هؤلاء لم يكن لديهم تكوين فكري نقدي أصيل، رغم ألقابهم الأكاديمية, فالعلم بدون منهجية، يتحول إلى غطاء هش للجهل, والجامعات التي لا تدرب على التفكير النقدي، تُنتج أساتذة لا يختلفون كثيرًا عن خطباء الفتنة..
3.الخوف والتهديد: لا يمكن إنكار أن البعض قد انخرط في مشاريع المليشيات تحت ضغط التهديد أو الخوف من البطش، خاصة في مناطق تسيطر عليها جماعات مسلحة لا تتسامح مع الحياد أو المعارضة..
رابعًا: النخبة التي خانت رسالتها
أن يقف الأستاذ الجامعي إلى جانب خطاب الجهل، فذلك خيانة مزدوجة: خيانة لرسالته التعليمية، وخيانة للمجتمع الذي يُفترض أنه مرشده لا مبرر انحداره,أساتذة يشاركون في تزوير الوعي لا في ترميمه، ويعتلون منابر التحريض بدل منابر المعرفة، هؤلاء لا يمثلون سوى أنفسهم، ولا يصح أن يُحسبوا على التعليم أو الفكر..
بين معركة الوعي ومعركة البندقية
ما يجري في اليمن ليس فقط معركة على الأرض، بل معركة على العقول, فحين يفشل التعليم، ينجح التطرف, وحين تسكت الجامعة، يعلو صوت السلاح, ولا سبيل للخروج من هذا النفق إلا بإعادة الاعتبار للتعليم الحقيقي، وإعادة بناء الجامعة كمؤسسة للفكر لا كأداة في يد السلطة أو الجماعة..
فهل نعيد الاعتبار للعقل… قبل أن نُسلم البلاد كلها للجهل؟.