إنشاء قواعد عسكرية في اليمن يهدد بامتداد الحرب وأمن البحر الأحمر
الرأي الثالث
يمثلُ إنشاءُ قواعد عسكرية أجنبية في اليمن، وهو ما أكدّته مصادر متعددة، تهديدًا مباشرًا لأمن البحر الأحمر، إذ يُضيف عاملًا من عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، كونه يعزز من التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ،
وبالتالي اختلال التوازنات وتعقيدها في الوقت نفسه، وذلك من خلال تمكين قوى معينة من الهيمنة على الممر المائي، الذي يُعد من أكثر الممرات المائية الدولية ازدحامًا بحركة الشحن، وقبل ذلك تهديد أمن منطقة البحر الأحمر، والمقصود بها الدول المطلة عليه، التي ستتأثر سلبًا من عسكرة الممر.
كما لا يمكن تجاوز تأثير ذلك على النزاع في اليمن، وانعكاسه على تعقيد مسار السلام، وتفاقم التوتر الإقليمي.
إن ظهور منشآت لثلاث قواعد عسكرية أجنبية في اليمن في أوقات متقاربة يؤكد مدى حرص قوى دولية على السيطرة والتحكم في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، وهو ممر مائي طويل يمثل أهمية استراتيجية، وبخاصة في المنطقة التي تبدأ من باب المندب، وتمر بخليج عدن، وتنتهي عن التقاء المحيط الهندي ببحر العرب،
وبالتالي فإن هذه القواعد التي سيكون لإسرائيل علاقة غير مباشرة بها، انطلاقًا من علاقتها المباشرة بالممولين المباشرين للقواعد، سيُضيف مخاطر أخرى لأمن المنطقة، ويُمعن في إضعاف الدول المطلة على الممر، وتهديد أمنها، وقبل ذلك إطالة أمد الحرب في اليمن.
كما أن تمويل إنشاء هذه القواعد لم يكن بمعزل عن قوى دولية فاعلة ومؤثرة تريد موطئ قدم لها في اليمن، ومن خلالها في الممر المائي الحيوي الهام،
بالتالي فمن نافل القول إن هذه القواعد تشكل تهديدًا لأمن منطقة البحر الأحمر والدول المطلة عليه، بما فيها دول القرن الإفريقي، باعتبارها لم تعد جزءًا من تأمين أمن الممر بقدر ما صارت منزوعة التأثير، وتُحدق بها تهديدات جديدة مصدرها وجود هذه القواعد.
وفي هذا، يذهب باحثون في الأمن الاستراتيجي البحري إلى التأكيد على أن إنشاء قواعد عسكرية أجنبية في اليمن سيؤثر تأثيرًا كبيرًا على أمن الممر، انطلاقًا من أن هذه القواعد ستزيد من تعقيد التوازنات الإقليمية والدولية في المنطقة.
وقبل ذلك وبعده، فإن وجود هذه القواعد يُمكن أن يؤدي إلى تفاقم التنافس الدولي على النفوذ، وهو ما سيكون له تأثيره البالغ على صعيد الاستقرار في اليمن والمنطقة، وهذا التهديد سيكون واضحًا وجليًا على صعيد أمن الممر المائي الدولي الحيوي.
وبالتالي لم تكن مخاوف وتحذيرات الرئيس الإريتري، إسياس أفورقي، في لقاء تلفزيوني مؤخرًا، سوى تعبير عن واقع تتشكل فيه مخاطر جديدة تهدد أمن المنطقة،
إذ حذر الرئيس الإريتري، من محاولة ما سمّاها «قوى خارجية» ترسيخ مواقع هيمنة في المنطقة، من خلال إنشاء قواعد عسكرية في جُزر سقطرى وميون وزقر في اليمن،
معتبرًا أن عدم الاستقرار في اليمن ينبع من طموح قوى عالمية في ترسيخ وجود عسكري هناك.
وقال أفورقي، في مقابلة تلفزيونية نشر مقتطفات منها موقع وزارة الإعلام الإريترية: «ما يثير القلق اليوم هو محاولة قوى خارجية ترسيخ مواقع هيمنة في هذه المنطقة تحديدًا.
هناك جهود لإنشاء قواعد في سقطرى – وهي جزء من اليمن- وبالمثل، محاولات لبناء قواعد في جزيرتي ميون وزقر [اليمنيتين] في مضيق باب المندب».
وأضاف: «بالنظر إلى هذه الجغرافيا – من سقطرى إلى ميون – ومحاولات بلقنة الصومال، يتضح أن الهدف النهائي هو تهيئة مناخ ملائم لإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في تلك المنطقة لتحقيق أهداف سياسية معينة».
واعتبر أن عدم الاستقرار في اليمن ينبع أساسًا «من طموح القوى العالمية لترسيخ وجود عسكري».
وقال: «تُشكل هذه المؤامرات خطرًا مستمرًا على البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي. ولذلك، فهي تتطلب جهودًا إقليمية ومحلية منسقة لدرء التهديدات المحدقة.
وحتى في غياب اتفاق إقليمي شامل بشأن البحر الأحمر وخليج عدن وسواحل المحيط الهندي، فإن حتمية تعزيز الاستقرار الإقليمي لا جدال فيها».
وانطلاقاً مما طرحه الرئيس الأريتري يمكن القول إن التنافس بين القوى الكبرى والإقليمية على النفوذ والوجود العسكري في اليمن ومنطقة القرن الإفريقي عمومًا قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأمن الإقليمي.
ومن أهم التأثيرات التي يمكن قراءتها على صعيد الأمن الإقليمي هو إسهام هذه القواعد في عسكرة البحر الأحمر، وتحويله إلى ميدان تجاذب واستقطاب وتمركز للعتاد والآليات العسكرية، مما يجعل المنطقة مهيئة لاندلاع مواجهات مسلحة كبيرة، في أي وقت، وبالتالي تصبح المنطقة كأنها ملغومة.
وفي موازاة الحديث عن تأثير تلك القواعد على الأمن الإقليمي والمنطقة بما فيها القرن الإفريقي يمكن القول، أيضًا، إن تأثيرها سيمتد محليًا وداخليًا،
وبما أن هذه القواعد ستكون منحازة- افتراضًا- لطرف، فهي ستسهم في تعقيد الصراع في اليمن، وهو ما سيؤثر، بشكل جلي، في إطالة أمد الحرب وتعقيد مسار السلام والتسوية، وهو ما سيكون له تأثيره على تفاقم التوتر الإقليمي.
وقبل ذلك وفي موازاته، لا يمكن تجاهل موقف المكونات اليمنية من هذه القواعد والتواجد العسكري الأجنبي، باعتباره يمثل انتهاكًا للسيادة وعملاً عدوانيًا، وهو ما سيجعل هذه القواعد في حالة استنفار في مواجهة استنفار مفاعيل الرفض اليمني الداخلي لها، هو ما سيزيد من تعقيد المسالة اليمنية.
ولاستكمال إيضاح الصورة، من المهم الإشارة إلى بديهية، وهي أن الصراع في اليمن يقف وراء تغييب الدولة وانتزاع استقلالية القرار اليمنيّ السيادي.
وهنا نقول إن مصالح قوى بعينها كانت وراء إشعال فتيل الصراع، بهدف تهيئة البلاد لتكون بلا دولة حقيقية،
وبالتالي هيمنة قوى إقليمية ودولية على مناطق القوة فيها، لما تمثله من أهمية استراتيجية، في إعادة رسم خارطة شرق أوسط جديد، وهو ما تشهده بلدان أخرى، من خلال شغلها بالصراع وتعقيداته، بهدف تفتيت جغرافيتها، وفصلها عن موارد قوتها، وتكريس الخلافات في متنها، وتمكين هذه الخلافات من تعزيز ضعفها، وتمزيق خريطتها، وبالتالي التحكم بقرارها.
اليمن لم يكن بمعزل عما تشهده المنطقة من أحداث وتحولات، إذ يُراد له أن يبقى خارج فاعلية القرار والتأثير الإقليمي والدولي، بمعنى أن يبقى قراره مرتبطًا بقوى خارجية تتحكم به، وتستثمر في عوامل قوته.
واعتقد أن الذاكرة السياسية في المنطقة والعالم لم تنس موقف اليمن خلال حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973م، وإغلاقه باب المندب، وهو ما كان له دوره في دعم موقف مصر وتعزيز نصرها. ومثل هذا لن تنساه إسرائيل.
ونشرت وكالات أنباء صورًا لأقمار صناعية تؤكد قطع خطوات متقدمة في إنشاء قواعد عسكرية في كل من جزيرة عبدالكوري في أرخبيل سقطرى على المحيط الهندي، وجزيرتي ميون وزقر على البحر الأحمر، وهي ثلاث جزر يمنيّة هامة.
أحمد الأغبري
القدس العربي