
مفاوضات دمشق و"قسد"... الانفراجة بانتظار لقاء باريس المرتقب
الرأي الثالث - وكالات
لم يُعقد اجتماع كان مرجحاً في باريس بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، من أجل التمهيد لجولة تفاوض جديدة بهدف تنفيذ اتفاق وُقع في 10 مارس/آذار الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع وعبدي من أجل دمج قوات "قسد" في المنظومة العسكرية السورية وحسم مصير الشمال الشرقي من سورية.
لكن البيان المشترك الصادر أول من أمس الجمعة، عقب لقاء الشيباني في العاصمة الفرنسية بنظيره الفرنسي جان نويل بارو والمبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توم برّاك، تطرق إلى عقد مفاوضات دمشق و"قسد" في باريس "في أقرب وقت ممكن" لاستكمال تنفيذ اتفاق 10 مارس بشكل كامل،
والذي نصّ صراحة على "دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية كافة ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
في موازاة ذلك، أعلنت الخارجية الفرنسية عن اتصال بين نويل بارو ومظلوم عبدي، وأن الوزير الفرنسي جدّد تأكيد دعم باريس وضعَ حلّ تفاوضي وسلمي من أجل توحيد سورية، ودمج سكان شمال شرق سورية في العملية الانتقالية السياسية، وضمان حقوق الأكراد، وفق بيان الوزارة.
وفشلت جولة مفاوضات دمشق و"قسد" التي عقدت مطلع شهر يوليو/تموز الحالي في العاصمة السورية بين وفد يمثل "قسد" والإدارة الذاتية التابعة لها، وآخر من الحكومة السورية.
مفاوضات دمشق و"قسد" قيد التحضير
وأوضح رزكار قاسم، وهو ممثل "مجلس سوريا الديمقراطية" ("مسد" - الجناح السياسي لـ"قسد") في ألمانيا ورئيس حركة التجديد الكردستاني، أن عدم عقد مفاوضات دمشق و"قسد" بين عبدي والشيباني في باريس يعود لـ"أسباب لوجستية كانت متعلقة بالأطراف الراعية اللقاءَ بين الطرفين"،
مضيفاً أنه "يجرى الترتيب لذلك". وتابع: "هناك مسائل كثيرة متعلقة بالشأن السوري لا يمكن حلّها أو إيجاد الحلول لها دفعةً واحدة، منها مسألة المكون الدرزي، إلى جانب مسألة اللقاءات بين السلطة الانتقالية في دمشق وتل أبيب وغيرها من المسائل".
وبيّن أنه يجرى ترتيب مفاوضات دمشق و"قسد" للخروج بنتائج إيجابية، مشيراً إلى أنه "بالتأكيد ستُوضع النقاط على الحروف خلال اللقاء المرتقب حول قضايا معلقة عدة".
وأوضح قاسم أن "من بين هذه القضايا، ماهية شكل الحكم في سورية المستقبل، حيث هناك إصرار من السلطة على المركزية، في الوقت الذي تصر فيه الإدارة الذاتية على اللامركزية، إلى جانب بقية المكونات من دروز وعلويين ومعارضين سابقين لنظام الأسد".
وبرأيه، فإن "اللامركزية تمنع إعادة الديكتاتورية في سورية مرة أخرى"، مشيراً إلى أن "النقطة المهمة الأخرى هي تأسيس جيش سوري حديث منسجم مع مبدأ اللامركزية، ومسألة الدستور الجديد للبلاد الذي يعتبر الفاصل في تحديد كل المسائل العالقة".
وتابع: "المسألة، إذاً، ليست بهذه السهولة حين يتمسك طرف السلطة باللون الواحد والطائفة الواحدة، وما حدث في الساحل السوري والسويداء أثبت أن مثل هذه التصرفات لا تليق بروح الثورة التي قام بها السوريون".
وحول موقف "قسد"، قال: "من جهتنا، نحن نتطلع ونبذل كل الجهود إلى سورية لامركزية تكون لكل أبنائها ومكوناتها بالتشاركية والتعددية ونظام حكم ديمقراطي لامركزي حيث نصر على ذلك في أي نقاشات مستقبلية".
وفي السياق نفسه، أوضح الباحث السياسي المقرب من الإدارة الذاتية إبراهيم مسلم، أن لقاء قائد "قسد" مع وزير الخارجية الفرنسي "تأجل لأسباب كثيرة، منها ملف السويداء"،
موضحاً أن الوزير الفرنسي اتصل (أول من أمس) بعبدي ووضعه بصورة الاجتماع الذي عقده مع أسعد الشيباني". واستبعد مسلم تغيير موقف "قسد" حول القضايا المطروحة للتفاوض،
مشيراً إلى أن تسليم السلاح "خط أحمر". وبرأيه، فإنه بعد أحداث السويداء، فإن الجانب الكردي لن يقدم تنازلات في المفاوضات. وكان مدير المركز الإعلامي لـ"قسد" فرهاد شامي اعتبر، قبل أيام، أن "تسليم السلاح خط أحمر بالنسبة إلينا، وقسد لا تساوم على المبادئ".
توقعات باختراقات جزئية
من جهتها، تصر الحكومة السورية على النظام المركزي في المفاوضات مع "قسد"، وهو ما أوضحه "مصدر حكومي مسؤول" قائلاً لوسائل إعلام محلية، قبل أيام، إن "الدولة السورية لم ولن تقبل بأي خطاب يقوم على التهديد أو فرض شروط مسبقة تتعارض مع مبدأ وحدة الدولة ومؤسساتها السيادية".
وأضاف أن "الحوار الوطني الحقيقي لا يكون تحت ضغط السلاح أو عبر استقواء بأي طرف خارجي، بل من خلال التزام كامل بوحدة البلاد ومرجعية الدولة السورية والتمسك بالمؤسسات الشرعية".
وفي رد على تأكيد أكثر من مسؤول في "قسد" رفض تسليم السلاح للدولة في ظلّ الظروف الحالية خصوصاً بعد أحداث الساحل والسويداء، أكد المصدر أن هذا المبدأ "مرفوض جملةً وتفصيلاً ويتناقض مع أسس بناء جيش وطني موحد ومع أسس الاتفاق الموقع بين رئيس الجمهورية ومظلوم عبدي في مارس الماضي".
وأشار إلى أن "استخدام أحداث السويداء أو الساحل لتبرير رفض الانضواء تحت راية الدولة أو للتشكيك بنياتها هو أمر مدان ويعكس محاولات مكشوفة لتأليب الرأي العام وتشويه الحقائق"،
مضيفاً أن "أيّ دعوة لهوية مستقلة تتناقض مع مبدأ المواطنة هي دعوة انفصالية لا يمكن قبولها تحت أي ظرف".
وفي الجانب الآخر، لا يصطدم الطموح الكردي في حكم لامركزي مع الاحتفاظ بالسلاح، والبقاء الجهة المسيطرة على القرار في الشمال الشرقي من سورية، برفض من جانب الحكومة السورية فحسب،
بل من الجانب التركي الذي يرفض بقاء تشكيلات مسلحة تابعة لـ"قسد" تحت ذرائع سياسية، بحسب وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي شدّد، أول من أمس، في تصريحات صحافية، على تنفيذ الاتفاق مع الحكومة السورية من دون شروط مسبقة، ونزع سلاحها بالكامل. واعتبر فيدان عدم التزام "قسد" بتنفيذ اتفاق الاندماج مع الحكومة السورية أمراً "غير مقبول"،
مضيفاً أن "على تلك التشكيلات أن تتخذ خطوات صادقة وغير مشروطة باتجاه الوصول إلى تسوية نهائية مع دمشق".
وفي مقابلة تلفزيونية نقلتها وكالة الأناضول التركية للأنباء، قال فيدان إن تركيا رصدت تحركات في عموم سورية لاستغلال أحداث السويداء، وحذّرت من تقسيم البلاد.
إلى ذلك، رجّح الباحث السياسي المواكب للمشهد في شمال شرق سورية سامر الأحمد، حدوث اختراقات في الجولة المقبلة من المفاوضات بين "قسد" والحكومة السورية في باريس، وصفها بـ"الجزئية"، لا سيما "في ظل تصاعد الضغط التركي والحكومي السوري والدولي على هذه القوات، للمضي قدماً في تنفيذ اتفاق مارس".
ولكن الأحمد استبعد تقديم "تنازلات كبيرة" من الطرفين في المفاوضات، مضيفاً أن اتفاق 10 مارس "حدّد الإطار العام بوضوح، ولكن في الأسابيع الماضية، رفعت قسد سقف مطالبها بشكل لافت وربما يأتي ذلك في سياق محاولة تحصيل ما يمكن من المكاسب
ومع استمرار الضغط الخارجي". وأعرب عن اعتقاده أن قيادة "قسد" ستقبل في النهاية بتنفيذ الاتفاق بصيغته الأصلية، خصوصاً في الملفات الأمنية والعسكرية.