
استهداف المطار والموانئ في اليمن: مأزق الحوثيين ومعاناة المدنيين
الرأي الثالث
يعتمد الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على اليمن استراتيجية استهداف البنى التحتية والحيوية في مناطق سيطرة الحوثيين، بهدف إضعاف الجماعة وشل قدرتها على شن هجماتها على إسرائيل، التي تنفذها بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، في إطار "معركة إسناد غزة".
فالإسرائيليون يدركون صعوبة استهداف جماعة الحوثيين نتيجة بعد المسافة، حيث تضطر الطائرات الإسرائيلية لقطع أكثر من ألفي كيلومتر لتنفيذ الضربات الجوية ضد مواقع وأهداف في الأراضي اليمنية.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني الإسرائيليون من عدم امتلاك بنك أهداف عسكرية محددة نتيجة ضعف المعلومات الاستخبارية عن اليمن.
كما أن الإسرائيليين شعروا بزيادة تعقيد مهامهم العسكرية في مواجهة الحوثيين بعد الاتفاق الأخير المبرم بين الحوثيين والإدارة الأميركية في السادس من مايو/ أيار الحالي برعاية سلطنة عمان، الذي أُوقفت بموجبه الغارات الأميركية على اليمن بالتزامن مع إيقاف الحوثيين هجماتهم ضد السفن الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن.
استهداف البنى التحتية في اليمن
هذه المعطيات جعلت الهجمات الإسرائيلية ضد اليمن تعتمد بشكل رئيس على قصف الأهداف الحيوية والبنى التحتية التي تمثل المصادر المالية لاقتصاد الحوثيين، وعلى رأسها الموانئ والمطارات،
ولذا، فإن معظم الغارات الإسرائيلية التي استهدفت اليمن خلال عشر جولات سابقة، بدءا من يوليو/تموز 2024، قد تركزت على موانئ الحديدة الثلاثة (الحديدة، ورأس عيسى النفطي، والصليف) بالإضافة إلى مطار صنعاء الدولي ومحطات توليد الطاقة وخزانات الوقود.
وسعت إسرائيل من خلال هجماتها إلى تعطيل مطار صنعاء الدولي، حيث شنت عدة غارات علىيه في جولات مختلفة.
لكن أبرز هذه الهجمات هي الغارات التي استهدفت المطار في 6 مايو الحالي، والتي دُمّر خلالها مدرجه وصالات المغادرة والوصول وسبع طائرات كانت رابضة في المطار، منها ثلاث تابعة للخطوط الجوية اليمنية،
فيما أشار مدير مطار صنعاء خالد الشريف إلى أن الخسائر الناتجة عن هذه الغارات تقدر بنصف مليار دولار.
ومن بين أربع طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية ويسيطر عليها الحوثيون، نجت واحدة كانت في مطار عمَّان الأردني خلال الغارات، لكن الطيران الإسرائيلي عاد لاستهدافها، الأربعاء الماضي، بعد أن شن أربع غارات على مطار صنعاء، ما يعني بقاء ثلاث طائرات فقط من أسطول الخطوط الجوية اليمنية لكن تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً.
وقالت الحكومة المعترف بها دولياً على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني إنّ القيمة السوقية للطائرات الأربع التي دُمّرت تقدَّر اليوم بـ130 مليون دولار،
مشيراً إلى أنه "رغم استهداف ثلاث طائرات سابقاً، رفضت المليشيا توجيهات رئيس الخطوط اليمنية بإخراج الطائرة الأخيرة، حتى دُمّرت".
وباستهداف الطائرات اليمنية ومدرج مطار صنعاء، يكون الإسرائيليون قد نجحوا فعلاً في إخراج المطار عن الخدمة وتعطيل الرحلات الجوية في مناطق سيطرة الحوثيين، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم حجم الأزمة الإنسانية في هذه المناطق التي تضم أكثر من 75% من سكان اليمن،
حيث سيقوض قدرة المدنيين على السفر، ويحد من حركة الإغاثة الإنسانية المحتملة، إذ كان المطار يستخدم للرحلات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية كبرنامج الغذاء العالمي وأطباء بلا حدود واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها.
الموانئ اليمنية الواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين هي الأخرى كانت هدفاً للغارات الإسرائيلية والأميركية. ففي يوليو/تموز 2024، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية "الذراع الطويلة" التي استهدفت مواقع حيوية وعسكرية في مناطق سيطرة الحوثيين، أبرزها ميناء الحديدة ومستودعات النفط ومحطات الكهرباء.
وفي سبتمبر/أيلول 2024، شنت إسرائيل غارات جوية واسعة النطاق على مواقع غربي اليمن، بما في ذلك ميناء الحديدة وميناء رأس عيسى.
كما نفذ الجيش الإسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول 2024 سلسلة غارات أخرى على اليمن تحت اسم عملية "المدينة البيضاء"، استهدفت خلالها منشآت الطاقة وموانئ ومطارات في كل من الحديدة وصنعاء.
وفي 17 إبريل/نيسان الماضي، استهدف الطيران الأميركي منشآت شركة النفط اليمنية، حيث استُهدف ميناء رأس عيسى النفطي، ودُمرت جميع منصات التعبئة وأنابيب تفريغ السفن.
وتجدد الاستهداف في 25 إبريل الماضي، ما أدى إلى إخراج المنشآت عن الخدمة مجدداً، وتضررت سفينة نقل البنزين "سيفن بيرلس" وأصيب ثلاثة من طاقمها يحملون الجنسية الروسية.
وجرت مباشرة أعمال الصيانة يوم 26 إبريل الماضي وإعادة المنشآت للخدمة خلال ساعات، لكن الطيران الأميركي عاود في اليوم نفسه تنفيذ غارات جديدة على المنشآت، ما اضطر السفن الموجودة عند الأرصفة للتراجع إلى غاطس الميناء.
وفي 5 مايو الحالي، استهدف الطيران الإسرائيلي ميناء الحديدة بست غارات جوية على الأقل.
استهداف الموانئ لم ينحصر على الغارات الجوية، بل تعداها إلى فرض وزارة الخزانة الأميركية، نهاية إبريل الماضي، عقوبات استهدفت ثلاث سفن متورطة في نقل مشتقات نفطية إلى موانئ خاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين في اليمن، في ما اعتبرته خرقاً لقرار الحظر الأميركي المفروض على الجماعة.
تفاقم حجم الأزمة الإنسانية
وفاقم استهداف الموانئ حجم الأزمة الإنسانية في البلاد، وأزمة انعدام الأمن الغذائي نتيجة لتقليص القدرات الخاصة بمناولة الشحنات الإنسانية والتجارية، وأدى إلى المزيد من المشكلات في سلاسل الإمداد إلى اليمن، وزاد من تعقيد تدفق السلع، وارتفاع تكلفة النقل إلى السوق اليمنية، وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية محلياً، خصوصاً أن اليمن يعتمد على آلية الاستيراد بنسبة أكثر من 90% لتوفير احتياجاته من المواد الغذائية والسلع.
وكانت مؤسسة موانئ البحر الأحمر في حكومة الحوثيين قد أعلنت في مؤتمر صحافي، الأحد الماضي، أن الخسائر الناجمة عن الغارات الأميركية والإسرائيلية على موانئ الحديدة، الخاضعة لسيطرتها في غرب اليمن، تبلغ ما يقارب 1.4 مليار دولار.
وقالت المؤسسة، في بيان، إن سلسلة الغارات التي طاولت موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، خلال الفترة بين يوليو/تموز 2024 ومايو 2025، "ألحقت أضراراً بالغة بالبنية التحتية والمنشآت التشغيلية لهذه الموانئ،
وتسببت في خسائر تجاوزت 1.387 مليار دولار، من بينها أكثر من 531 مليون دولار أضراراً مباشرة، و856 مليون دولار خسائر غير مباشرة، نتيجة توقف الخدمات وتعطل تدفق الإمدادات".
وأضاف البيان، الذي نقلته وكالة سبأ التابعة للحوثيين، أن الغارات تسببت "في تدمير الأرصفة (1، 2، 5، 6، 7، 8)، ورافعتين رئيسيتين، ومحطات كهرباء ومولدات، ومرافق خدمية ولوجستية، بما فيها الأرصفة العائمة والقاطرات والمستودعات، التي كانت مخصصة لتفريغ المواد الغذائية والإغاثية والدوائية".
ورأى الصحافي المقرب من جماعة الحوثيين رشيد حداد، أنه من الضروري كسر احتكار الأجواء اليمنية، وإتاحة المجال للطيران العربي للعودة إلى نشاطه في مطار صنعاء لدواع إنسانية، فتدمير الطائرة الأخيرة التابعة للخطوط الجوية اليمنية يضع الجميع أمام مسؤولية الآلاف من العالقين اليمنيين في مطارات العالم.
ولذلك فإن الضرورة تحتم على دول التحالف بقيادة السعودية رفع الحظر الجوي عن مطار صنعاء بشكل كلي، والسماح بعودة خطوط الملاحة الجوية العربية، خصوصاً أن هناك شركات طيران عربية كانت قد أبدت استعدادها لتسيير رحلات جوية من القاهرة إلى مطاري عدن وصنعاء.
رفع الحصار عن مطار صنعاء
وأضاف أن الأمر يتطلب استجابة سريعة للحد من التداعيات الإنسانية الناتجة عن العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء على الملف الإنساني، خصوصاً أن المطار كان يقوم برحلات إنسانية مجدولة، تجرى بتراخيص من قبل دول التحالف بقيادة السعودية.
وأشار إلى أن "هذه الخطوة ستعكس نيات السعودية للسلام وتسهم في تعزيز بناء الثقة بين صنعاء والرياض. فبعد تدمير عدد من الطائرات التابعة للخطوط الجوية اليمنية، أصبح البديل رفع الحصار عن مطار صنعاء، وفتح المجال للطيران العربي للعودة إلى مطار صنعاء، والأمر حتى الآن مرهون بقرار سعودي، كون السعودية هي من كانت تمنح تراخيص مرور لطيران اليمنية، أكان لتنفيذ رحلات إلى صنعاء أو إلى عدن".
بدوره، قال المحلل السياسي وفيق صالح، إن الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت موانئ الحديدة ومطار صنعاء الدولي ما أدى إلى تدمير شبه كلي للبنية التحتية في الموانئ، وكذلك تدمير مدرج مطار صنعاء وعدد أربع طائرات تابعة لأسطول الخطوط الجوية اليمنية، "وضعت جماعة الحوثيين في مأزق شديد في ما يتعلق بإغلاق المنافذ البحرية والجوية أمام الحوثيين،
وقد بدت فعلياً بوادر هذه الضغوط من خلال عجز الكثير من سفن الشحن التجاري من الوصول إلى موانئ الحديدة، بعد أن دُمّرت خزانات الوقود والرافعات كافة، وتضررت البنية التحتية في الميناء".
وأضاف أن "صعوبة الشحن البحري إلى الحديدة بعد الدمار الذي طاول الميناء هو الأمر الذي تخشاه جماعة الحوثيين، لأن ذلك سيؤدي إلى تحول المستوردين وخطوط الشحن البحري إلى التوجه عبر موانئ عدن والمكلا، وهذا سيحرم الحوثيين من أهم رافعة مالية تغذي الجماعة، وتمنحها ترسيخ شبكة الهيمنة والنفوذ في المناطق التي تسيطر عليها".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "الضربة الإسرائيلية الأخيرة على مطار صنعاء الدولي وتدمير الطائرة الرابعة التابعة لأسطول الخطوط الجوية اليمنية قضيا نهائياً على أحلام الجماعة في إعادة تسيير رحلات جوية عبر مطار صنعاء إلى الخارج، كون الخطوط الجوية اليمنية لم تعد تملك سوى ثلاث طائرات فقط، ولن تجازف بإرسالها إلى مطار صنعاء لتدميرها كما حصل مع الأسطول السابق".
وأضاف أن "مقامرة الحوثيين بالمنشآت الحيوية والبنية التحتية لليمنيين، من دون أن يرف لجماعة الحوثي جفن، توضح حجم الاستهتار الحوثي بمقدرات الشعب، ومستوى العقلية المليشياوية التي تهيمن على السلوك الحوثي في تعامله مع مصالح اليمنيين".
فخر العزب
صحافي يمني