استهداف مصانع الإسمنت يخنق سوق العمل في اليمن
يعيش اليمن على وقع الضربات الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت عددا من أهم المنشآت الاقتصادية والصناعية والمرافق الحيوية منها مصانع الإسمنت العامة التي تساهم بشكل كبير في عملية التشغيل في بلاد أنهكتها الحرب والصراع والأزمات المعيشية والإنسانية الطاحنة.
وتعمد العدوان الإسرائيلي خلال اليومين الماضيين تدمير المنشآت الحيوية التي ترتبط بدرجة رئيسية بمعيشة اليمنيين بطريقة توحي بإلحاق دمار واسع يساهم في توسيع رقعة الجوع والفقر والبطالة بعد أن طاول ميناء الحديدة وأهم وأكبر مصنعين من ضمن ثلاثة مصانع عامة لإنتاج الإسمنت في اليمن، مصنع عمران على بعد 30 كيلومترا من صنعاء، ومصنع باجل شرقي محافظة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر في الساحل الغربي لليمن.
الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، أكد أن هناك نحو 20 ألف أسرة تعتمد على المصنعين في مصادر دخلها، مشيراً إلى أن استهداف مصنعي باجل وعمران سيكون له أضرار على العاملين في قطاع النقل والبناء بصورة غير مباشرة.
فالمصنعان بحسب الحداد يعمل فيهما الآلاف بشكل رسمي، وهناك من يعمل في تسويق الإسمنت وهناك من يعمل في حال المواد الخاصة بهذه المادة التي أصبح وجودها في الأسواق يسهم في إحداث حركة نشطة في قطاع البناء والتشييد الذي يعد من أكثر القطاعات اليمنية توفيراً لفرص العمل.
بدأت صناعة الإسمنت في اليمن عام 1973، بإنشاء خط إنتاج يعمل بالطريقة الرطبة في مديرية باجل شرقي محافظة الحديدة بطاقة إنتاجية لا تتجاوز 50 ألف طن في السنة.
وفي العام 1982، تم تشغيل مصنع إسمنت عمران بمحافظة عمران بطاقة إنتاجية، بلغت 500 ألف طن، وفي العام 1984 تم تطوير مصنع إسمنت باجل لإنتاج 220 ألف طن.
وفي العام 1993، كان هناك افتتاح مصنع إسمنت المفرق بالبرح في محافظة تعز والذي عمل بالطريقة الجافة لإنتاج 500 ألف طن سنوياً.
وبدأ في العام 2007، تشغيل الخط الإنتاجي الجديد لمصنع إسمنت عمران بطاقة إنتاجية مليون طن "كلينكر"، أي ما يعادل 1.2 مليون طن إسمنت ليرتفع إجمالي المنتج في المصنع إلى 1700 مليون طن سنوياً.
وتتبع هذه المصانع الثلاثة المؤسسة اليمنية العامة لصناعة وتسويق الإسمنت والتي تم إنشاؤها بقرار جمهوري في العام 1983، وتشرف عليها وزارة الصناعة والتجارة.
وتعد المصانع التابعة للمؤسسة من أبرز الوحدات الاقتصادية المهمة في اليمن والتي أدى نشاطها إلى تحفيز أنشطة اقتصادية في قطاعات أخرى.
خلال الفترة 2003 – 2010، بدأ القطاع الخاص الاستثمار في صناعة الإسمنت، إذ تم إنشاء ثلاث شركات كانت معظمها في محافظات جنوب اليمن،
إضافة إلى إنشاء عدد من المصانع لطحن "الكلينكر" في اليمن خلال الأعوام الماضية والتي يقدر عددها بنحو 5 مصانع منتشرة في صنعاء، عدن، حجة والحديدة.
ويرى الحداد أن التبعات الإنسانية للعدوان الإسرائيلي ستكون كبيرة. يبلغ إجمالي الطاقة الإنتاجية الحالية من الإسمنت في اليمن نحو 3.470 ألف طن فعلية، و12.021 ألف طن تصميمية.
وارتفعت قيمة الواردات في اليمن بحسب الوزن من 1.5 مليار ريال (229.547 طناً) عام 2011، إلى 4.7 مليارات ريال (514.684 طناً) في العام 2014، لتسجل قفزة كبيرة في العام 2016 بوصولها إلى 7.5 مليارات ريال (698.967 طناً) عام 2016، لتهبط إلى نحو 2.9 مليار ريال (287.792 طناً) العام 2020،
في حين تشير التوقعات التي تدعمها إعادة تشغيل بعض المصانع العامة وتحديث خطوط إنتاج مصانع خاصة إلى استمرارها بالانخفاض بنسبة تقدر بحوالي 50% خلال الفترة 2021- 2023، مقارنة بمؤشرات العام 2020.
وبلغت فاتورة الاستيراد للإسمنت خلال الفترة 2011 – 2020، بمتوسط نسبته 4.3%، وما يقارب 5.70% خلال الفترة التي تلت العام 2020، وذلك من إجمالي فاتورة الاستيراد الكلية حيث بلغت أعلى نسبة قيمة واردات الاسمنت 2.35% في العام 2016،
وأدنى نسبة في العام 2018 بلغت 0.09%. وتقدر واردات الإسمنت بنسبة تتراوح بين 20 و30% من إجمالي واردات قطاع مواد البناء في اليمن، وذلك بمبلغ يتراوح بين 30 و42 مليار ريال من إجمال فاتورة الاستيراد المقدرة بنحو 140 مليار ريال.
ونتيجة لذلك فقد تراجعت مساهمة الصناعات الاستخراجية في تكوين الناتج المحلي الإجمالي الجاري من 23% في العام 2014 إلى 4.8% عام 2020،
وفي المقابل زادت مساهمة الصناعات التحويلية في تركيب الناتج المحلي الإجمالي من 8.2% عام 2014 إلى حوالي 11.1% عام 2017 قبل أن تتراجع إلى نحو 9.7% عام 2020،
مع العلم أن الزيادة في مساهمة الصناعات التحويلية في تركيب الناتج المحلي الإجمالي كانت صورية وغير حقيقية وجاءت نتيجة لتراجع حصة القطاعات الاستخراجية والتي يستحوذ عليها القطاع النفطي.
وتعرضت مصانع الإسمنت في اليمن لتدمير واسع بسبب الحروب، كما طاولها قصف التحالف الداعم للحكومة المعترف بها دولياً خصوصاً في السنوات الثلاث الأولى من الحرب، قبل أن يطاولها القصف الأميركي ــ الإسرائيلي الذي يستهدف اليمن منذ أكثر من شهرين،
حيث أعادت سلطة صنعاء تشغيل مصنعي عمران وباجل رغم الصعوبات الكبيرة التي لا تزال قائمة ومنها تقادم الآلات والمعدات وشح المواد الخام.
وتعتبر صناعة الإسمنت من أهم الصناعات الإنشائية التي يعول عليها اليمن كثيراً في مشاريع وتوجهات التنمية الاقتصادية، فهناك أكثر من 20 نوعا للإسمنت،
بينما يوجد في السوق اليمنية المحلية فقط ثلاثة أنواع؛ الاسمنت "البورتلاندي" العادي وينتج في جميع مصانع الإسمنت العامة والخاصة،
الإسمنت "البورتلاندي البوزولاني" الذي يتم إنتاجه فقط في مصنع الوطنية ومصنع حضرموت، وهناك الإسمنت المقاوم للكبريتات المنتج في مصنع الوحدة وكذا حضرموت.
بدوره، الخبير الجيولوجي وائل مهدي، يوضح أن اليمن يمتلك مقومات وإمكانيات كبيرة في مجال الصناعات الإنشائية تمكنه من خلق صناعة واعدة في مجال الإسمنت وتجعله يحقق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة الصناعية المهمة.
ويبدي مهدي أسفه لاستهداف هذه المنشآت العامة التي عملت الدولة في اليمن طوال العقود الماضية على تجهيزها بأفضل المعدات والآلات وعولت عليها كثيراً في التشغيل وفي استغلال الإمكانيات الواسعة التي تتميز بها البلاد في توفر المواد الخام الداخلة في مثل هذه الصناعات الواعدة.
وكان اليمن في السابق يعتمد على استيراد مادة الإسمنت من الخارج على الرغم من توفر المواد الخام الأولية الداخلة في صناعة الإسمنت في اليمن بكميات كبيرة ونوعيات ممتازة.
وتقدر الاحتياطيات الأولية لخام الحجر الجيري في اليمن (الخام الرئيسي في صناعة الإسمنت) بنحو 13.6 مليار متر مكعب، بينما يقدر احتياطي الجبس بنحو 4.6 مليارات متر مكعب.
وتبنت هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية استراتيجية وطنية لاستكشاف وتقييم خامات الإسمنت وكان من نتائج ذلك ارتفاع الإنتاج المحلي إلى حوالى 3.6 ملايين طن،
الأمر الذي أدى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بعد أن كان اليمن يستورد هذه المادة بعملات صعبة من الخارج.
محمد راجح