
صفقة ترامب مع الحوثيين.. الرسائل والدلالات
أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، عن "هدنة" مع الحوثيين أكثر من سؤال وتفسير بتوقيته والتباساته.
انتقال الإدارة بهذه السرعة ومن غير مقدمات، من أجواء حملة جوية كاسرة على المواقع اليمنية إلى توافق على الوقف الفوري للعمليات من الجانبين،
من دون ذكر أي تفاصيل أو شروط يُفترض أن ينطوي عليها اتفاق من هذا النوع، جعل العملية تبدو وكأن في الأمر ما هو أبعد من وقف النار.
وما عزز هذا الاحتمال، أن رواية المسؤولين اختلط فيها الالتباس مع التضارب في السرد، وبصورة فاضحة تحمل في ثناياها خيوط رسائل موجّهة لإسرائيل،
وبما يؤشر إلى تزايد التنافر بين الأنا المتضخمة لدى كلّ من ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والذي ترددت سيرته في الآونة الأخيرة.
الرئيس ترامب كشف عن الموضوع خلال استقباله رئيس وزراء كندا في المكتب البيضاوي.
قال إنه جرى التوصل إلى "هدنة" مع الحوثيين، بعدما "أعربوا عن عزوفهم" عن شن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر،
مشيراً إلى أنه "أخذ كلامهم على محمل الجدّ"، على أساس أنهم "استسلموا" كما قال، وذلك بعدما بلغه موقفهم هذا عن طريق الوسيط "العماني".
من جانبه، شدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على أن وقف الجانب الحوثي استهداف سفن الشحن التجارية في البحر الأحمر، جاء نتيجة للضربات الجوية الأميركية.
لكن الأميركي تكتم على التفاصيل التي كشفها الجانب العماني، والتي تفيد بأن "الجانبين (الأميركي والحوثي)، وافقا على وقف استهداف أحدهما الآخر،
وأن الحوثي أعلن عن امتناعه عن ضرب السفن الأميركية في البحر الأحمر". توضيح الحوثي ثم العماني، لحصرية الاتفاق بالسفن الأميركية، أربك المسؤولين وعزز الشكوك.
أقرت المتحدثة في وزارة الخارجية تامي بروس، وإن بصورة ملتوية، بأن الاتفاق لا يشمل سفن إسرائيل في البحر الأحمر،
موضحة أن "ما يمكنني قوله في هذا الخصوص أن الوزير ماركو روبيو دائماً يقول إن الموضوع يتعلق بحرية الملاحة"، لكنها لم تذكر وجوب شمول إسرائيل في هذا الاتفاق المتعلق بهذه الحرية.
وأكثر ما لفت حول استبعاد إسرائيل من هذه الصفقة، كان اعتذار بروس عن الرد على سؤال عما إذا كانت الإدارة قد أبلغت إسرائيل مسبقاً عن إعلانها هذا بخصوص (الهدنة) مع الحوثيين، إذ قالت: "لا يسعني التحدث الآن عن هذه النقطة ".
والمعروف أن التنسيق مسألة عادية بين واشنطن وتل أبيب في أمور شرق أوسطية من هذا الصنف، وحتى تلك الأقل أهمية منها.
أيضاً، استوقفت إشارتها، في سياق ردها على الاتفاق مع الحوثي، إلى كلام المبعوث ستيفن ويتكوف، الذي وعد بالإعلان "قريبا جداً عن توسيع اتفاقات أبراهام". والوعد نفسه أشار إليه الرئيس ترامب، وذلك بمناسبة زيارته بعد أيام إلى المنطقة.
كما جرى التوقف عند الوساطة العمانية في "الهدنة"، وكأنها كانت مهمة متفرعة من دور عُمان الأساسي في المفاوضات بين إدارة ترامب وإيران، والتي ليس خافياً أن اعتراضات نتنياهو ومحاولاته لفركشتها قد أثارت حالة من "الجفاء" بينه وبين ترامب.
وفي هذا السياق، يضع البعض استبعاد إسرائيل من الاتفاق مع الحوثي باعتباره رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية تعكس عدم ارتياح البيت الأبيض لتحركاته ومواقفه التي تستهدف مفاوضات النووي، التي ما زال ترامب يراهن عليها، بقدر ما ينأى عن الخيار العسكري في هذا الملف.
وثمة من يربط توقيت الاستنفار الإسرائيلي لاجتياح غزة بقصد احتلالها هذه المرة بزيارة الرئيس القريبة إلى المنطقة، علّها تساهم في إفسادها أو وضعها في موقع محرج.
بالمقابل أطلق ناشطون وإعلاميون يمنيون حملة إعلامية واسعة النطاق تحت وسمي "#الحوثي_سبب_دمار_اليمن" و"#ليلة_الاستسلام"، وذلك تزامناً مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استسلام جماعة الحوثي والاتفاق على وقف العمليات الإرهابية في البحر الأحمر مقابل وقف الضربات الأمريكية على مواقع الحوثيين في اليمن.
وأكدت مصادر إعلامية أن أوامر صدرت من طهران إلى ميليشيا الحوثي بإعلان استسلامها، لتنكشف بذلك حقيقة ادعاءات الميليشيا بإسناد غزة، والتي تبين أنها لم تكن سوى ستار لمصالح ملالي طهران.
وأكد الناشطون أن الحوثيين ليسوا سوى أداة إيرانية تعمل على تدمير اليمن خدمة لأجندة طهران الإقليمية..مشيرين إلى أن أن استسلام الحوثي و"ركوعه" أمام الأمريكيين لم يكن حرصاً على اليمن أو دماء اليمنيين، بل جاء خضوعاً لأوامر إيران بعد أن اهتزت مصالحها.
وشددوا على أن الميليشيا استمرت في تدمير البنية التحتية لليمن ونهب مقدرات اليمنيين دون أي اعتبار، وأن الأولوية كانت دائماً لمصالح إيران.
واعتبروا أن استسلام الحوثيين تحت أقدام صانعيه في طهران، وسعيه للترويج لمخرج أمام أتباعه، لن يمحو حقيقة أن هذه الميليشيا دمرت مقدرات اليمن وقامرت بمصالح شعبه، ثم باعت قضيته بثمن بخس عندما تعرضت إيران للخطر.
واختتمت الحملة بالتأكيد على أن الحوثي كان وما يزال أداة قدمت مصالح اليمن دفاعاً عن إيران.