
ترامب يسطو على ثروات أوكرانيا: استعمار اقتصادي عبر اتفاق المعادن
الرأي الثالث - وكالات
شهد العالم، الأربعاء، إعلان توقيع ما يسمى بـ"اتفاق المعادن" ما بين الولايات المتحدة الأميركية وأوكرانيا، وبموجبه، تمنح واشنطن مساعدات لكييف مقابل 50% من إيرادات معادن الأخيرة ومواردها الطبيعية المستخرجة من دون تحديد سقف زمني لانتهاء مدة الاتفاقية، وهو ما اعتبره الخبراء سطو على موارد كييف قد تستمر إلى الأبد.
في غضون ذلك، قال النائب الأوكراني ياروسلاف جيليزنياك إن الأمر قد يستغرق حتى منتصف مايو/أيار حتى يصوت برلمان بلاده على اتفاق المعادن "وهذا فقط إذا قُدِّم كل شيء إلى البرلمان في الوقت المحدد"، كما كتب على تليغرام.
وتمتلك أوكرانيا، وفق الأمم المتحدة، 21 عنصراً أرضياً نادراً من قائمة الاتحاد الأوروبي "للمواد الخام الحرجة"، وهو ما يمثل نحو 5% من احتياطيات العالم، على الرغم من أنها تشغل 0.4% فقط من سطح الأرض.
أشهر هذه المعادن النادرة التيتانيوم والغرافيت والبيريليوم. ويقدر التقرير أن القيمة التقديرية للموارد المعدنية في أوكرانيا تتجاوز 15 تريليون دولار، بينما يرتفع الرقم إلى أكثر من 26 تريليون دولار في تقارير بحثية أخرى،
وتستخدم هذه المعادن في كل شيء إلكتروني تقريباً من الهواتف المحمولة إلى المركبات الكهربائية.
تفاصيل اتفاق المعادن
وينص الاتفاق على إنشاء صندوق استثماري مشترك، ووفق وزارة الخزانة الأميركية، فإن صندوق الاستثمار الذي أُنشئ حديثًا يعترف "بالدعم المالي والمادي الكبير" الذي قدمته الولايات المتحدة لأوكرانيا منذ غزو روسيا في فبراير/ شباط 2022.
ويدير الصندوق ممثلون عن كل من حكومتي أوكرانيا والولايات المتحدة بالتساوي، وينسحب ذلك على التصويت، ويستثمر الصندوق في استخراج المعادن الأرضية النادرة والنفط والغاز وغيرها من الموارد في مشاريع مقبلة، مع تقسيم الإيرادات بالتساوي بين كييف وواشنطن،
ولم يجر الحديث عن سقف زمني لفترة السيطرة الأميركية على نصف الموارد، ما دفع العديد من النقاد إلى الاعتبار أن هذا الصندوق هو استعمار اقتصادي أبدي تخضع له أوكرانيا لعقود مقبلة.
وأشارت المادة الحادية عشرة من الاتفاقية إلى أن "هذه الاتفاقية سارية المفعول حتى يتفق الطرفان على إنهائها".
وتتضمن الاتفاقية التي اطلعت عليها "العربي الجديد" تفاصيل حول الصندوق، وليس هناك الكثير من التفاصيل حول الموارد التي ستتمكن أميركا من الوصول إليها،
لكن الأكيد أنه سيكون للولايات المتحدة قرار ملزم بكل ما يتعلق بأعمال التنقيب، وقرار أساسي في تحديد الشركات التي تريد المساهمة في عملية التنقيب في كل ما هو في باطن الأرض.
وفيما اعتبرت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني يوليا سفيريدينكو أن الاتفاق يضمن أنه لا ديون مستحقة تجاه الولايات المتحدة عن المساعدات السابقة، نقلت "كييف إندبندنت" عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قوله إن اتفاق المعادن مع أوكرانيا يضمن "أن نحصل على أكثر بكثير من 350 مليار دولار التي قدمتها الولايات المتحدة مساعدات".
وقد بالغ ترامب في أكثر من تصريح بتقدير حجم المساعدات الأميركية لأوكرانيا إلى حد تقديره إياها بـ500 مليار دولار، فيما قدر معهد كيل بشكل مستقل إجمالي المساعدات بنحو 130 مليار دولار.
ويعول الأوكرانيون على أن تكون الصفقة آلية لحماية أوكرانيا، كون إدارة ترامب ستسعى لحماية مصالحها هي الأخرى من أي اعتداء، رغم عدم وجود ضمانات أمنية عسكرية صريحة في الوثيقة.
إلا أن الكاتب الأوكراني أندريه كوركوف اعتبر أن مزاعم ترامب بأن التعدين الأميركي على الأراضي الأوكرانية سيشكل ضمانة كافية لأمن أوكرانيا، لأن روسيا لن تخاطر بمهاجمة المصالح الاقتصادية الأميركية، لا تصمد أمام الحقائق.
فقد استثمرت شركة كوفكو الصينية المملوكة للدولة في مجمع جديد لمناولة الحبوب والنفط في ميناء ميكولايف الأوكراني، لكن المشاركة الصينية لم تحمِ الميناء من استهداف الصواريخ الروسية.
لم يعد الميناء يعمل منذ مارس/آذار 2022، وتخسر المنطقة نحو 40% من إيراداتها.
استغلال أوكرانيا المنكوبة
وقال رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال إن الصندوق سيُقسَّم مناصفة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، مع منح كل جانب حقوق تصويت متساوية.
ويشير الاتفاق إلى أن أوكرانيا ستحتفظ "بالسيطرة الكاملة على مواردها المعدنية وبنيتها التحتية ومواردها الطبيعية، وسيقتصر التقاسم على الاستثمارات الجديدة".
ولكن منتقدو الاتفاق قالوا وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية إن البيت الأبيض يسعى لاستغلال أوكرانيا بربط المساعدات المستقبلية للدولة المنكوبة بالتنازل عن عائدات مواردها.
وفي منشور على فيسبوك، قدمت سفيريدينكو مزيداً من التفاصيل حول الصندوق، الذي قالت إنه "سيجذب استثمارات عالمية". وأكدت أن أوكرانيا ستحتفظ بملكيتها الكاملة للموارد "الموجودة على أراضيها وفي مياهها الإقليمية التي تعود ملكيتها لأوكرانيا".
وقالت: "الدولة الأوكرانية هي التي تُحدد مكان ونوع الاستخراج".
وأكدت أنه لن يكون هناك أي تغيير في ملكية الشركات المملوكة للدولة، "بل ستظل تابعة لأوكرانيا". ويشمل ذلك شركات مثل شركة أوكرنافتا، أكبر شركة منتجة للنفط في أوكرانيا، وشركة إينيرغوأتوم للطاقة النووية.
وأضافت أن الدخل سوف يأتي من تراخيص جديدة للمواد الحيوية ومشاريع النفط والغاز، وليس من المشاريع التي بدأت بالفعل.
وأضافت أن الدخل والمساهمات في الصندوق لن تخضع للضرائب في الولايات المتحدة أو أوكرانيا، "حتى تحقق الاستثمارات أعظم النتائج"، وأن نقل التكنولوجيا وتطويرها جزء "رئيسي" من الاتفاق. وقالت إن واشنطن ستساهم في الصندوق.
وتابعت: "بالإضافة إلى المساهمات المالية المباشرة، قد تُقدم واشنطن أيضًا مساعدات جديدة، مثل أنظمة دفاع جوي، لأوكرانيا".
إلا أن الاتفاق يتيح للولايات المتحدة حق الرفض الأول لجميع التراخيص المستقبلية لاستخراج وتصدير المعادن وكل ما هو في باطن الأرض، وهو ما يضمن الهيمنة الأميركية على ثروات الموارد في أوكرانيا.
استعمار اقتصادي أبدي
ووفق موقع "غلوبابيست"، فإن مطالب ترامب تتجاوز إلى حد كبير سيطرة الولايات المتحدة على المعادن الحيوية في أوكرانيا. ويشمل الاتفاق كل شيء بدءاً من الموانئ والبنية الأساسية وحتى النفط والغاز، وقاعدة الموارد الأكبر في البلاد.
وتعتبر شروط العقد، وفق الموقع، بمثابة استعمار اقتصادي أميركي لأوكرانيا إلى الأبد.
وجاء في الاتفاقية أنه "يجب على كل سلطة حكومية في أوكرانيا مخولة بالموافقة على عقد شراكة بين القطاعين العام والخاص، أو امتياز، أو اتفاقية أخرى لبناء، أو تشغيل أصول البنية التحتية المهمة ذات الصلة، أن تدرج في أي عقد أو امتياز أو اتفاقية أخرى من هذا القبيل شرطًا يتطلب من المستفيد منها توفير معلومات الاستثمار ذات الصلة للشراكة وفقًا لاتفاقية الشراكة المحدودة".
وكذا "يجب على كل سلطة حكومية في أوكرانيا مخولة بإصدار ترخيص أو تصريح خاص لاستخدام باطن الأرض لأي أصول ذات صلة بالموارد الطبيعية أن تدرج في شروط هذا الترخيص أو التصريح الخاص وفي الاتفاقية ذات الصلة بشأن شروط استخدام باطن الأرض أو في اتفاقية تقاسم الإنتاج مع مستخدمي باطن الأرض: حكم يسمح للشريك الأميركي (أو من ينوب عنه) بالتفاوض، وفقًا لشروط اتفاقية الشراكة المحدودة، على حقوق الشراء...".
وفي فبراير الماضي، طرح دونالد ترامب لأول مرة صفقة محتملة على أنها رد للمساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا. قال ترامب: "أقول إنني أريدها. وأخبرتهم أنني أريد ما يعادلها، أي ما يعادل 500 مليار دولار من المعادن النادرة".
وفي نهاية فبراير، سافر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن حيث كان من المتوقع أن يوقع الاتفاق. لكنه واجه انتقادات لاذعة وقاسية من ترامب أمام وسائل الإعلام العالمية.
صرخ ترامب قائلًا: "ليست لديكم أوراق اللعب الآن، أنتم تخاطرون بحياة ملايين الأشخاص". طُلب من زيلينسكي مغادرة البيت الأبيض، ولم يُوقع الاتفاق.
وفي 26 إبريل، زادت احتمالات إحياء الاتفاق بعد أن أجرى الرئيسان محادثة أكثر ودية في جنازة البابا فرانسيس. وفي 30 إبريل، بعد أيام من المفاوضات المكثفة، أجرى الجانبان بعض "التغييرات في اللحظة الأخيرة"، قبل أن يتم التوصل إلى الاتفاق في النهاية.