مليشيات العراق وقرار الحرب
ردّ وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، على التهديدات التي أطلقها بنيامين نتنياهو في كلمته في الأمم المتحدة،
موضّحاً أنّ أيَّ اعتداء إسرائيلي على أيّ مواطن عراقي يُعدّ هجوماً على العراق دولةً، من دون أن يوضّح الإجراءات التي يمكن أن تتبعها "دولة العراق" في حال حصول اعتداء من هذا النوع.
يحذّر نتنياهو المليشيات العراقية من استهداف إسرائيل، وهو تحذير غريب، فهذه كانت قد توقّفت منذ أواخر العام الماضي عن أيّ نشاط ضدّ المصالح الإسرائيلية أو الأميركية، سوى إطلاق التصريحات الصحافية.
يمكن تفسير هذا التحذير بأنّه استعداد لمرحلة جديدة، فالفضاء الإعلامي ممتلئ بالتوقّعات والتخمينات بقرب مواجهة جديدة بين إيران وإسرائيل.
وهناك من يتوقّع أن إيران، بدلاً من اعتماد ليونة أكبر مع المجتمع الدولي بشأن ملفّها النووي، ذاهبة إلى مزيد من التصلّب، وربّما اللجوء إلى خيارات "الورقة الأخيرة".
ويعزّز هذه الاحتمالات حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن حدث كبير في الشرق الأوسط في الفترة المقبلة.
في "الورقة الأخيرة" يمكن أن تطلب إيران من مليشياتها الاشتراك بالحرب، بعد أن كانت في حرب الأيام الـ12 (بين 13 24 يونيو/ حزيران الماضي) قد طلبت منها التزام الهدوء.
لكن إن حانت ساعة الجدّ، فما الخيارات المتاحة أمام هذه المليشيات؟ هل تستطيع إيصال صواريخ مؤثّرة كما يفعل الحوثيون إلى ميناء إيلات؟
وهل لديها دفاعات جوية قادرة على إسقاط الطائرات الإسرائيلية المتوجّهة إلى قصف أهداف في إيران؟...
في الحقيقة، لدى هذه المليشيات قدرات تسليحية كبيرة، وبعض أكثر أسلحتها أهميةً جاء من إيران، لكن بالمجمل لا يمكن التأكّد من قدرتها على إحداث تأثيرات كبيرة في أهداف إسرائيلية، إذ لم يُجرَّب ذلك سابقاً،
وأيضاً بسبب الفارق التقني والفنّي، خصوصاً مع أجواء مراقَبة شديدة من الأميركيين كما هي الأجواء العراقية، مقارنة مثلاً بأجواء اليمن وتضاريسه الجغرافية.
الاحتمال الأكثر فاعلية أن توفّر هذه المليشيات الإمكانات اللوجستية لحركة قطعات عسكرية إيرانية أو تابعة للحرس الثوري في الأرض العراقية، لتُقلّص القوّات المسلّحة الإيرانية المسافة بينها وبين الأراضي المحتلّة،
وتقصير زمن وصول الصواريخ إليها. هذا الإجراء سيؤدّي إلى تعامل أميركا مع هذه التحرّكات بوصفها عدائية، وستقوم بضربها داخل العراق من دون الحاجة إلى تدخّل إسرائيل،
وهو ما يعني، في نهاية المطاف، اشتراك العراق في الحرب، وتولّي المليشيات إدارة المواجهة ومآلاتها بدلاً من الحكومة العراقية.
يمكن أن يتحقق هذا السيناريو كلّه في حال قرّرت المليشيات فعلاً التحرّك دعماً لإيران، أو ربّما تلجأ إلى إجراءات شكلية وأقل جديّة جُرِّبت سابقاً؛
مثل قصف محيط القنصلية الأميركية في أربيل، أو محيط قاعدة عين الأسد في الأنبار، وهو قصف لم يكن يخلّف أيَّ خسائرَ سوى إثارة إعلامية.
يقال في الكواليس إن قرار المليشيات إيقاف أيّ عمل عسكري أواخر العام الماضي، وإن جاء جزئياً بناءً على طلب إيران، فإن جانباً منه يتعلّق بصفقات مالية واستثمارات منحتها الحكومة العراقية لقادة بعض هذه المليشيات،
إضافة إلى حوارات مطوّلة لتطمين هؤلاء القادة على مستقبلهم داخل العراق في حال قرّروا ترك السلاح نهائياً، والانخراط في العمل السياسي والاقتصادي.
كما يُقال إن أميركا غير مستعجلة في ضرب المليشيات في العراق، وترى أنّ الحلول التي تتبعها الحكومة العراقية ناجحة حتى الآن في تحييد الفصائل على الأقلّ،
وأن الأميركيين ينظرون إلى هذه التفاصيل شأناً داخلياً عراقياً، والمهم هو عدم حصول أعمال عدائية ضدّ المصالح الأميركية في العراق أو ضدّ جيرانه.
خارج هذه المعادلة يبقى التأثير البالغ للحسابات العاطفية وقوة الولاء العقائدي وقدرتهما على تحريك الأحداث خارج المنطق.
لكن اختبار ذلك يتعلّق بقرار المليشيات الموالية لإيران، في حال حدوث حرب جديدة، بالإقدام على عمل جريء يشبه إسقاط الحكومة العراقية واستخدام الأرض العراقية ساحة حرب لصالح إيران.
وما سوى ذلك، فإن أيّ عمل آخر ستقوم به لن يؤثّر كثيراً، بل سيعرّضها لضربات شديدة من الأميركيين قد تُضعفها بشكل كبير، إن لم تقضِ عليها تماماً.
أحمد سعداوي
كاتب وروائي عراقي