
من الحرب إلى الفوضى.. ترامب يختبر خيار إسقاط نظام إيران
منذ اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، عام 2020، اختارت واشنطن الرد عسكرياً على طهران، ليس عبر وكلاء أو ضربات رمزية، بل عبر استهداف مباشر للمنشآت النووية الإيرانية الأكثر تحصيناً.
لكن الجديد هذه المرة لم يكن في طبيعة الضربات فحسب، بل في الخطاب السياسي الذي تلاها، بعدما لوح دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي وصاحب النفوذ المتجدد داخل المؤسسة الجمهورية، بإمكانية تغيير النظام الإيراني، ليعيد بذلك إلى الواجهة أحد أكثر السيناريوهات حساسية في الشرق الأوسط.
هذا التصريح، وإن حمل طابعاً شخصياً من ترامب، فقد أثار ارتباكاً واضحاً داخل الإدارة الأمريكية الحالية، التي سارعت إلى نفي نيتها تنفيذ تغيير للنظام، مؤكدة أن الضربات الأخيرة استهدفت البرنامج النووي الإيراني، دون تجاوز ذلك إلى أهداف سياسية أوسع، فما الذي يخطط له البيت الأبيض فعلياً؟.
تلويح ترامب
تلويح ترامب بإمكانية تغيير النظام في إيران، جاء في أعقاب الهجمات الجوية التي نفذها الجيش الأمريكي على ثلاث منشآت نووية إيرانية، في خطوة تُمثل تصعيداً حاداً في المواجهة المتفاقمة بين واشنطن وطهران، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية، في 13 يونيو.
وفي منشور على منصته "تروث سوشال": قال ترامب إن "استخدام مصطلح تغيير النظام قد لا يكون مناسباً سياسياً، لكن إذا كان النظام الإيراني الحالي عاجزاً عن جعل إيران عظيمة مرة أخرى، فلماذا لا يتم تغييره؟".
وأضاف في نهاية المنشور عبارة "MIGA"، في إشارة إلى شعاره المعدل: "اجعلوا إيران عظيمة مرة أخرى".
هذه التصريحات جاءت بعدما نفذت طائرات أمريكية من طراز B-2 هجوماً، فجر السبت (21 يونيو)، هجمات على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية داخل الأراضي الإيرانية، باستخدام قنابل خارقة للتحصينات تزن الواحدة منها نحو 30 ألف رطل.
وبحسب ترامب، فقد كانت الضربة "قوية ودقيقة"، فيما عادت الطائرات إلى قواعدها في ولاية ميزوري دون تسجيل أي خسائر.
والهجوم، الذي جاء بعد أيام من الضربات الإسرائيلية على إيران، يشير إلى دخول واشنطن عملياً في المواجهة، حتى وإن كان على نحو محدود، وقد اعتبره مراقبون أكبر تدخل عسكري أمريكي مباشر ضد طهران منذ مقتل سليماني عام 2020.
تباين في المواقف
ورغم لهجة ترامب التصعيدية، أكد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث للصحفيين في البنتاغون أن "المهمة لم تكن تهدف إلى تغيير النظام"، وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه نائب الرئيس جيه دي فانس في حديث لشبكة "NBC".
وتباين التصريحات يعكس إشكالية داخل الإدارة الأمريكية، حيث يبدو أن الرئيس يحاول استثمار الضربة لصالح مشروعه السياسي، فيما تسعى المؤسسة العسكرية والدبلوماسية إلى ضبط التصعيد ومنع انفجار إقليمي أوسع.
ولا يعلم ما إن كان ترامب يحاول توظيف التصعيد الحالي في تلميع نفسه داخل بلاده، ففي عام 2020، أمر باغتيال سليماني لتأكيد "قوة الردع"، واليوم يعيد استخدام نفس الخطاب، ولكن هذه المرة في ظرف أكثر تعقيداً، وبعد تدخل مباشر في حرب إسرائيلية مفتوحة مع إيران.
وحتى اللحظة لا توجد مؤشرات على دعم أوروبي أو أممي لمشروع إسقاط النظام الإيراني، فالاتحاد الأوروبي، وكذلك موسكو وبكين، يفضلون احتواء الأزمة عبر المفاوضات، ويعارضون أي تدخل خارجي يؤدي إلى تغيير النظام بالقوة.
لا مؤشرات
من الناحية العسكرية لا يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة لخوض حرب شاملة على غرار غزو العراق أو أفغانستان، كما يقول الباحث في الشأن الإيراني محمد العيسى،
مؤكداً أن إيران تمتلك بنية أمنية واستخبارية متشعبة، تعتمد على الحرس الثوري ومليشيات محلية وإقليمية، فضلاً عن منظومة دينية تستند إلى مرجعية المرشد الأعلى.
ويضيف :
- فضلاً عن ذلك إيران لا يحكمها رجل واحد أو زمرة يمكن القضاء عليها، فالدولة عبارة عن نظام ذي مؤسسات تطورت على مدى قرن، وحتى في خضم الأزمات، يُنتج النظام قادة وفصائل ومراكز قوة جديدة، حتى وفاة بعض الشخصيات المؤثرة لن تُسقط النظام، بل ستُجدده.
- محاولات تغيير الأنظمة عبر القوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط أثبتت، وفق تجارب سابقة، نتائج كارثية على الاستقرار الإقليمي، مما يجعل السيناريو غير مرجح في الظرف الراهن.
- في حال انهار النظام الإيراني نتيجة ضربة عسكرية شاملة أو انتفاضة داخلية، فإن البدائل المطروحة ليست واضحة حتى الآن.
- السيناريو الأقرب سيكون انزلاق البلاد نحو فوضى سياسية وأمنية شبيهة بما حدث في العراق بعد 2003، خاصة في ظل غياب قوى سياسية معارضة قادرة على إدارة البلاد بمؤسسات منتخبة وموحدة.
- على مستوى الأسماء، لا تملك المعارضة الإيرانية في الداخل أو الخارج شخصيات ذات نفوذ واسع، باستثناء رموز محدودة مثل رضا بهلوي (نجل شاه إيران السابق) أو زعيمة منظمة "مجاهدي خلق" مريم رجوي، وكلاهما يواجه رفضاً داخلياً واسعاً، سواء لأسباب تاريخية أو طائفية.
تفكير إسرائيلي
في مقال له يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدأ بإحاطة الصحفيين حول "فرصة ذهبية" أُتيحت الآن "للتعامل" مع القضية النووية الإيرانية، وربما حتى إسقاط النظام في طهران.
ويعتقد عديد من القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين أن الهجوم على إيران قد يُحدث تغييراً في النظام ويُسقط القيادة المتشددة التي تحرك طموحات البلاد النووية. وقد تُعطي حكومة جديدة، ربما أكثر اعتدالاً، الأولوية للاستقرار الداخلي والتعافي الاقتصادي على تطوير الأسلحة النووية، بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست".
ويتوافق ذلك مع تحليل نشرته وكالة "رويترز"، ذكر أن حجم الضربات واختيار "إسرائيل" لأهدافها وكلمات ساستها أنفسهم، تشير إلى هدف آخر أطول أمداً، وهو إسقاط النظام نفسه.
وقال خبراء لوكالة "رويترز" إن الضربات يبدو أنها تهدف إلى إضعاف الثقة في إيران، سواء في الداخل أو بين حلفائها في المنطقة، وهي عوامل يمكن أن تزعزع استقرار القيادة الإيرانية.
ويقول موقع "أكسيوس" الأمريكي إن النجاح الذي حققته المرحلة الأولى من الحرب الإسرائيلية في إيران، وتمكين السيطرة الجوية على سماء طهران، جعل الإسرائيليين يفكرون في تغيير النظام الإيراني.