
الأمن الخليجي يواجه اختبار الحرب بين إيران و"إسرائيل"
تشهد منطقة الخليج لحظة مفصلية مع اتساع نطاق الحرب بين "إسرائيل" وإيران، في ظل مؤشرات متزايدة على انزلاق إقليمي قد تكون له عواقب بعيدة المدى.
فالتطورات الأخيرة تعكس تحولات في قواعد الاشتباك وموازين الردع، وتضع دول الخليج أمام تحديات أمنية واقتصادية متسارعة.
الخطورة لا تكمن فقط في امتداد المواجهة بين قوتين إقليميتين، بل في ما يمكن أن تُفضي إليه، بدءاً من تفكك تحالفات، مروراً باهتزاز أسواق الطاقة، وصولاً إلى تهديدات مباشرة لأمن الحدود والمنشآت الحيوية.
تحذير خليجي
وفي هذا السياق، فإن صوتاً مثل صوت الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء القطري الأسبق، يكتسب أهمية مضاعفة، لكونه يعبر عن رؤية مدركة لتداعيات الحرب، ومحذرة من كوارث مشابهة لما جرى في تسعينيات القرن الماضي.
وفي منشور له على صفحته في منصة "إكس"، حذر من أن منطقة الخليج العربي ستدفع ثمناً باهظاً إذا لم تتدخل لمنع تفاقم الحرب بين إيران و"إسرائيل"،
وقال: "إن الوقت قد حان لتدخل واضح وفاعل من دول الخليج لدى الحليف الأمريكي، لمنع التدهور الكامل في أمن المنطقة".
وأكد أن انهيار إيران ليس في مصلحة الخليج، مشيراً إلى أن مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى "فلتان مدمر" في المنطقة.
وأضاف حمد بن جاسم أن "الحياد السلبي لم يعد مقبولاً، وعلى دول الخليج أن تتبنى موقفاً مسؤولاً، يحول دون تكرار كوارث تاريخية مثل غزو العراق للكويت"،
مضيفاً: "أملي أن يتحرك قادتنا بسرعة عبر القنوات التي يعرفونها لوقف هذا الجنون"، في إشارة إلى الضربات الإسرائيلية التي وصفها بأنها لم تتضح أبعادها بعد، وقد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب العواقب.
ساحة حرب
تاريخياً، كانت منطقة الخليج ساحة لحروب قادت إلى تحولات استراتيجية كبرى، مثل حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، والغزو العراقي للكويت عام 1990، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والتي ما تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم، نتيجة التدخلات الدولية واسعة النطاق.
واليوم، تخشى الدول الخليجية أن يؤدي تفكك إيران، الدولة ذات الامتدادات الجغرافية والعرقية والمذهبية المعقدة، إلى تداعيات أشد خطورة، مع تأثير مباشر على أمن الخليج العربي.
إذ يخشى من أن انهيار الدولة المركزية في إيران قد يكون بداية لمرحلة جديدة من الحروب الداخلية والصراعات بين الجماعات العرقية والدينية، قد تستمر سنوات طويلة، مما يوفر بيئة خصبة لنمو الجماعات المتطرفة، وسيجعل من مناطق مثل الأحواز وكردستان وبلوشستان ساحات نزاع متجدد، مع تداعيات أمنية مباشرة على الضفة الغربية من الخليج.
وحالياً تقود دول خليجية، كقطر وعُمان إلى جانب السعودية، وساطات دبلوماسية مستمرة لإعادة إحياء المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة ووقف الحرب، مستخدمة أدواتها التقليدية وهي الحياد الإيجابي، والثقة والقدرة على التواصل مع الأطراف المتنازعة.
تحذير واقعي
وعبرت قطر والإمارات عن قلق بالغ من تصاعد المواجهة بين الجانبين، محذرتين من أن الاستهداف المتبادل قد يهدد استقرار الطاقة وأمن الملاحة، ويدفع بالمنطقة نحو أزمة ممتدة يصعب احتواؤها دبلوماسياً.
وأكد المتحدث باسم الخارجية القطرية، ماجد بن محمد الأنصاري، استقرار إنتاج الغاز في حقل الشمال، رغم المخاوف من التصعيد، مشيراً إلى أن "الاستهداف غير المحسوب" يشكل تهديداً لإمدادات الطاقة.
كما حذر وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، من مخاطر أي خطوات متهورة تتعدى حدود "إسرائيل" وإيران، ودعا إلى تحرك منسق إقليمياً ودولياً لتفادي توسيع الصراع، مؤكداً ضرورة العودة إلى مسار دبلوماسي يضمن التهدئة.
يرى نجيب السماوي، الباحث في العلاقات الدولية، أن تحذير الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني لا يجب أن يُقرأ كتعليق ظرفي "بل كموقف نابع من ذاكرة سياسية ثقيلة بالتجارب"، مضيفاً :
- الربط الذي أقامه رئيس الوزراء القطري الأسبق بين التصعيد الحالي وبين غزو العراق للكويت عام 1990، هو ربط مقصود ومبني على قناعة بأن لحظات الانهيار تبدأ دائماً بصمت الأطراف التي تظن نفسها بعيدة عن النيران.
- التاريخ أثبت أن الدول الصغيرة والمتوسطة ليست بمنأى عن ارتدادات الحروب الكبرى، بل تكون غالباً أولى ضحاياها.
- ما يجعل هذا التحذير مختلفاً هو أنه يصدر من شخصية كانت في قلب القرار السياسي الخليجي لأكثر من عقد، وتفهم توازنات المنطقة وتعقيدات ملفاتها.
- ما حدث في العراق بعد 2003 لم يكن فقط سقوط نظام، بل انكشافاً كاملاً للدولة، وتحولها إلى ساحة صراع مفتوح بين المليشيات والقوى الإقليمية والدولية.
- إذا تكرر السيناريو مع إيران فإن العواقب لن تقف عند حدودها، بل ستصل إلى شواطئ الخليج ومراكزه المالية ومنشآته الحيوية.
- الرسالة الأهم في تصريح حمد بن جاسم، هي دعوته الواضحة لتحرك سياسي خليجي عاجل، لا كوسيط، بل كطرف مهدد مباشرة، فالموقف الذي يدعو له ليس حياداً شكلياً، بل تدخل دبلوماسي استباقي يهدف إلى وقف الانهيار قبل أن يبدأ.