اليمن بين القصف والعجز
بينما تتوالى الضربات الأميركية على مواقع الحوثيين للشهر الثاني، يظهر سؤال أساسي وسط ركام التحليلات والتكهنات: هل نحن أمام لحظة إنقاذ حقيقية لليمن، أم أمام فصل جديد من فوضى مرعية بعناية، تتقاطع فيها مصالح الخارج وتغيب عنها إرادة الداخل؟
الولايات المتحدة برّرت ضرباتها الجوية المُتواصلة ضدّ الحوثيين بأنّها ردّ على الهجمات التي تستهدف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وهي فعلياً تسعى لحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وفي مقدّمتها تأمين طرق التجارة الدولية وكبح تمدّد النفوذ الإيراني.
غير أنّ الواقع يكشف أنّ هذا التصعيد لا يندرج ضمن مشروع شامل لإنهاء الحرب في اليمن أو إعادة بناء الدولة، بل يأتي في سياق "إعادة ترتيب" المشهد اليمني بما يخدم مصالح القوى الدولية والإقليمية.
يجرى ذلك من خلال تقوية أطراف، وإضعاف أخرى، وضبط مسار الصراع بما يحقّق توازنات محدّدة، من دون اكتراث بمصير اليمنيين أو مأساتهم المستمرّة.
وهكذا تتحوّل البلاد إلى ساحة مفتوحة لصراع المصالح، تُدار فيها الأزمات بدل أن تُحل، ويُعاد إنتاج الفوضى في صورة مختلفة، بينما يبقى القرار الوطني مغيّبًا تمامًا.
الضربات مؤلمة والحوثي يئن، لكنه لم يسقط. المعضلة ليست في حجم النيران بل في غياب القرار اليمني القادر على تحويل اللحظة إلى فرصة حقيقية لاستعادة الدولة.
لا وجود لقيادة ذات مشروع واضح، ولا لرؤية تخرج البلاد من دوامة الفصائل والمصالح الشخصية والارتهان الخارجي. وهذا بالضبط ما يجعل أيّ تحرّك خارجي، مهما كان ضخمًا، جزءًا من لعبة تدوير الفوضى لا إنهائها.
الحقيقة المُرّة أنّ الشرعية، منذ غادرت الأراضي اليمنية وأُعيدت هندستها، تخلّت عن كونها صاحبة قرار وتحوّلت إلى مجرّد "طرف تابع" ينتظر ما يقرّره الآخرون بشأن الحوثي، والبلاد عموما.
أما القوى المحلية الأخرى، فتسير على النهج نفسه: بعضها ينتظر دوره في المشهد، وبعضها يخدم أجندات لا تمّت بصلة إلى المصلحة الوطنية.
في ظلّ هذا المشهد، لا تمكن قراءة التحرّكات العسكرية الحالية إلا بوصفها محاولة لإعادة ترتيب الفوضى، وليس الخروج منها. إذ لا معنى للضربات من دون وجود مشروع وطني جامع يترجم هذه اللحظة إلى نصر سياسي داخلي.
وبينما تتقاذف القوى الدولية والإقليمية خرائط السيطرة والتفاوض، تزداد البلاد غرقًا في العشوائية ويترسّخ الانقسام وتُفتح الأبواب أمام سيناريوهات أكثر عبثية، حيث لا خلاص حقيقياً، بل تدوير للمعاناة وتوسيع للفجوة بين الدولة ومواطنيها.
الرسالة واضحة: لا خلاص من دون قرار داخلي. وكلّ ما يجري، ما لم يقترن بإرادة يمنية حقيقية، ليس إلا فصلًا آخر من مسلسل طويل اسمه "تعميق الفوضى".
سامي الأشول
صحفي ومدير تحريرسابق في وكالة الأنباء اليمنية "سبأ".