
ارتباك أميركي واحتفاء روسي - صيني باسقاط هيبة «آيزنهاور»
لم يكن استهداف حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس دوايت آيزنهاور» حدثاً عادياً، بل سابقة لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلاً لها، دلّت بوضوح على تراجع مكانة الولايات المتحدة.
وسواء أصابت الهجمات بالصواريخ والمسيّرات الحاملة أم تمّ اعتراضها، فإنها أصابت الصورة المهيمنة لواشنطن، ووجّهت صفعة مهينة إلى قوة الردع الأميركية؛ فالمستهدف كان الذراع الأقوى لأميركا والأسطورة التي ترمز إلى الهيمنة الأميركية على العالم.
هكذا، تكشف أحداث البحر الأحمر أن واشنطن وحلفاءها باتوا في وضع معقّد جداً، يجبر الجيوش الأميركية المزوّدة بمعدات فائقة التطور على الاعتراف بالواقع المر، والانسحاب من مرمى هجمات الحوثيين أمام حالة ضيق في الخيارات.
فلا هي قادرة على الدخول في حرب برية لغزو الأراضي اليمنية، كما ليس من المناسب لهيبتها وهيبة حلفائها الانسحاب من مهمة رفع الحصار الجزئي عن إسرائيل.
وتؤكد معلومات إصابة «آيزنهاور» بشكل مباشر مرتين متتاليتين، وأن هذه الإصابة جاءت على سطح الحاملة.
وظهر في المرّتين أنها في وضع صعب، ما اضطرها إلى الخروج من ساحة العمليات في المياه المواجهة لليمن إلى قبالة مدينة جدة السعودية.
وذكر خبراء عسكريون ومختصّون في شأن الملاحة البحرية، أن القوات اليمنية عثرت، أخيراً، على ثغرة قاتلة في حاملة الطائرات الأميركية، بعد فترة غير قصيرة من المراقبة والمتابعة.
وتتمثّل هذه الثغرة في أنه عندما تقلع الطائرات الحربية عن سطح الحاملة، فإنها مجبرة على إطفاء أجهزة الرادار ومنظومات الدفاع الجوي لفترة من الوقت، وبناءً على تلك المعلومة نجح الحوثيين في استهداف «آيزنهاور».
وإذ حاولت وسائل الإعلام الأميركية البارزة من مثل «سي إن إن»، و»نيويورك تايمز»، إظهار الولايات المتحدة على ضوء ذلك كضحية، خرجت وكالة «بلومبرغ» لنفي ما سمّته «الشائعات» عن تعرّض الحاملة لعمل عسكري.
وأثار الاستهداف جدلاً في الأوساط المختصّة في الولايات المتحدة والصين وروسيا، على السواء.
وفي محاولة للتخفيف من وقع ذلك الجدل، نشر قائد حاملة الطائرات، الكابتن كريستوفر هيل، المعروف بـ»تشوداه»، على منصة «إكس»، مقطع فيديو لانطلاق إحدى المقاتلات الحربية من سطح «آيزنهاور».
لكن المقطع زاد الوضع سوءاً، إذ اتضح أنه ليس حديثاً وكان قد نُشر في آذار الماضي، الأمر الذي أثار تساؤلات متابعي «تشوداه» حول سبب عدم قيامه بنشر فيديو حديث للحاملة لإثبات أنها لم تتعرّض لهجوم.
وفي وقت لاحق، نشر «تشوداه» مقطعاً آخر يظهر جانباً من الحاملة ويخفي الجانب الجانب، وهي الطريقة الوحيدة التي تمكّن إدارة الأسطول الأميركي من تجنّب القضية الأساسية المتمثّلة في ما إذا كانت قد أصيبت أم لا،
الأمر الذي عدّه مراقبون إرباكاً، فيما اعتبر آخرون أن قائد الحاملة تلقّى تعليمات بعدم نشر صورها حتى تتم صيانتها جراء الإصابات التي لحقت بها.
وقال ناشطون أميركيون، بدورهم، إن أفضل طريقة لإثبات عدم صحة إصابة حاملة الطائرات، ترتيب زيارة صحافية إليها.
أما في بكين وموسكو، فأبدت الأوساط العسكرية إعجاباً بالشجاعة اليمنية في التصدي للغطرسة الأميركية.
وأعادت «خدمة أخبار الصين» و»غلوبال تايمز»، والإذاعة الصينية المركزية ووسائل الإعلام العسكرية وغيرها من الوسائل الرسمية، نشر الأخبار عن استهداف «آيزنهاور»،
فيما أثار الخبر متابعة وتأييداً من الجيش السيبراني التابع لـ»الحزب الشيوعي الصيني»، ونُشرت مقاطع فيديو مذيّلة بأنه «ليس من المهم ما إذا كانت الصواريخ اليمنية أصابت هدفها أم لا... المفتاح هنا أنهم ضربوا.
فأي لكمة يمكن أن تضرب وجه الأميركي، ستكون ناجحة».
واقترح خبراء روس، بدورهم، على الكرملين، الردّ على رفع القيود الأميركية عن استخدام أوكرانيا أسلحة غربية وأميركية لضرب العمق الروسي، «بتسليح الحوثيين بأحدث أنواع الأسلحة.
ماذا لو تمّ استخدام الأقمار الصناعية الروسية لتوجيه الهجمات على مجموعة حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأميركية، وتمّ وضع وحدات الاستخبارات اللاسلكية التابعة للقوات المسلحة الروسية في الجبال اليمنية، وتمّ إطلاق صواريخنا بدل الصواريخ الباليستية الإيرانية على دوايت آيزنهاور؟
لماذا، نظرياً، لا يستطيع اليمن امتلاك صواريخ أسرع من الصوت من نوع خنجر؟ نحن لسنا معنيين.
أنت ترسل لنا صواريخ إلى بلغورود عبر القوات الأوكرانية، ونحن نرسل لك صواريخ خنجر لضرب حاملة الطائرات في البحر الأحمر عبر الحوثيين».
وبحسب هؤلاء الخبراء، ربما يكون سيناريو التعاون الروسي - اليمني، هو الذي سيجعل واشنطن تفكّر في التراجع عن خطواتها الأخيرة.
بعد بيان الحوثيين.. ما حقيقة "احتراق" سفينة أميركية بالبحر الأحمر؟
وكان الحوثيون أعلنوا ، الأحد، أنّهم استهدفوا للمرّة الثانية في 24 ساعة "حاملة الطائرات الأميركية إيزنهاور" شمالي البحر الأحمر بعدد من الصواريخ والطائرات المسيرة.
وعقب ذلك، تداولت صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية صورة قيل إنّها تُظهر الحاملة الأميركية تشتعل فيها النيران.
وتُظهر الصورة سفينة كبيرة تنبعث منها سحب الدخان.
لكن هذه الصورة لا علاقة لها بما يجري في البحر الأحمر، بل هي مصوّرة في الولايات المتحدة عام 2020 أثناء حريق اشتعل في سفينة راسية في كاليفورنيا.
وجاء في التعليقات المرافقة أن الصورة تُظهر مدمّرة أميركية أو حاملة طائرات أصيبت بصواريخ الحوثيين في البحر الأحمر.
ويأتي تداول الصورة بهذا السياق عقب إعلان الحوثيين في اليمن، الأحد، استهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر.
وقال المتحدّث العسكري باسم حركة الحوثيين، العميد يحيى سريع، في بيان بثه التلفزيون إن قوّاته استهدفت "حاملة الطائرات الأميركية إيزنهاور شمالي البحر الأحمر، بعدد من الصواريخ والطائرات المسيرةِ، وهو ثاني استهدافٍ للحاملة خلال 24 ساعة".
وأشار أيضاً إلى استهداف "مدمرة أميركية في البحر الأحمر وأصيبت إصابة مباشرة بعدد من المسيرات"، إضافة إلى 4 استهدافات أخرى طالت "سفناً تابعة لشركات انتهكت قرار حظر الدخول إلى موانئ فلسطين المحتلة".
عقب ذلك، قال الجيش الأميركي إنّه اسقط مسيّرة وصاروخين أطلقها الحوثيّون.
وقالت القيادة العسكريّة المركزية الأميركيّة في الشرق الأوسط (سنتكوم) في بيان على منصّة إكس إنّه لم يُبلغ عن وقوع إصابات أو أضرار في السفن التي كانت تُبحر في المنطقة حين نُفذّت عمليّتا الاعتراض.
ومنذ نوفمبر، يشنّ الحوثيون هجمات بالصواريخ والمسيّرات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب، يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها.
ويأتي الهجوم الأخير بعدما توعّد الحوثيون بتصعيد الهجمات، ردّاً على غارات شنتها القوات الأميركية والبريطانية الجمعة، على مواقع لهم في اليمن.
وأسفرت الغارات عن مقتل 16 شخصاً وإصابة نحو 40 بجروح، في أعلى حصيلة يعلنها الحوثيون منذ بدأت الولايات المتحدة في يناير على رأس تحالف عسكري، شنّ ضربات على مواقعهم لتقويض قدراتهم على استهداف حركة الملاحة البحرية.
حقيقة الصورة
لكن هذه الصورة لا علاقة لها بما يجري في البحر الأحمر، بل هي مصوّرة في الولايات المتحدة عام 2020 أثناء حريق اشتعل في سفينة راسية في كاليفورنيا.
وأرشد التفتيش عنها على محرّكات البحث إلى مشاهد مشابهة نشرتها مؤسسات إعلام أميركية منذ العام 2020، مما يدحض أن تكون على علاقة بهجمات الحوثيين في الآونة الأخيرة في البحر الأحمر.
وقالت وسائل الإعلام الناشرة لهذه المشاهد إنّها تُظهر اشتعال النيران في سفينة راسية بسان دييغو في يوليو من ذاك العام.
وأفاد صحفيو وكالة فرانس برس في الولايات المتّحدة، نقلاً عن السلطات ووسائل إعلام محليّة، أن الحريق وقع في سفينة عسكرية راسية في سان دييغو في كاليفورنيا، وأنّه أسفر عن إصابة 21 شخصاً على الأقلّ.
وأظهرت القنوات التلفزيونيّة الأميركيّة دخانًا كثيفًا يتصاعد من السفينة الحربيّة الهجوميّة "يو إس إس بونوم ريتشارد" التي كانت تخضع لأعمال صيانة في القاعدة البحريّة في سان دييغو.
وانتشرت قوارب الإطفاء حول السفينة وعمدت إلى مكافحة الحريق بخراطيم المياه.
ونشر حساب البحريّة الأميركيّة في يوتيوب مشاهد تظهر قوارب الإطفاء حول السفينة، فيما وزّعت وكالة فرانس برس صوراً ومشاهد من عمليات الإطفاء.