السلام لا يُؤخذ صمتًا فلنخاطب الأمريكيين مباشرة
في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة وفي خضم واقع يمني مثقل بالحرب والحصار والتدخلات الخارجية يبرز سؤال مشروع ومهم لماذا لا نفكر في حوار مباشر مع الأمريكيين؟
ليس من باب التنازل أو البحث عن حلول وسط على حساب ثوابتنا الوطنية بل من موقع المصلحة الوطنية وبأوراق التأثير التي نملكها وبشروطنا الكاملة التي لا تقبل المساومة على حقوق الشعب اليمني..
إن الخطأ الأكبر ليس في خوض الحوار بل في تجاهله وترك الآخرين يتحدثون عنا أو يرسمون مستقبلنا دون أن نكون طرفاً حقيقياً على الطاولة..
الحوار إذا كان قائماً على أسس سليمة ومبنيًا على المصالح الوطنية ليس عيباً ولا ضعفاً بل هو أداة سيادية يمكن أن تُستخدم لتحقيق مكاسب كبرى سواء في كسر الحصار أو إنهاء التدخلات الخارجية أو إعادة صياغة العلاقات الدولية بشكل يخدم اليمن وشعبه ..
وإذا كان الحوار مع الأمريكيين يفتح أبواباً للضغط من أجل وقف العدوان أو إعادة بناء الاقتصاد اليمني فإنه يستحق الدراسة الجادة والتفكير العميق لا الرفض المسبق أو الخوف غير المبرر..
نحن لا نذهب إلى طاولة الحوار من أجل تقديم تنازلات بل من أجل الدفاع عن حقوقنا وتصحيح مسارات فُرضت علينا بالقوة والعنف والهيمنة..
إن الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها اللاعب الدولي الأقوى وصاحبة التأثير الواسع في ملفات المنطقة لا يمكن تجاهل دورها أو القفز عليه..
وقد أثبتت التجارب أن تجاهل هذا الدور لا يعني تحييده بل يعطيه الفرصة للعمل من وراء الكواليس بما يخدم أجنداته الخاصة..
لذا فإن الانخراط في حوار شجاع وشفاف مع واشنطن من موقع السيادة لا التبعية وبخطاب سياسي ووطني متماسك يمكن أن يكون بوابة لكسر كثير من حلقات الحصار وإعادة الاعتبار للقضية اليمنية كقضية شعب يبحث عن الاستقلال والكرامة والعيش الكريم..
لدينا ما يكفي من أوراق القوة التي تؤهلنا لخوض هذا الحوار بشجاعة وثقة فاليمن ليس بلداً هامشياً بل دولة ذات موقع جيوسياسي بالغ الأهمية تتحكم بمضيق باب المندب الحيوي وتشرف على أهم طرق التجارة العالمية..
كما أن الصمود الشعبي والرفض المتراكم لأي وصاية خارجية يؤكد أن أي حوار لا يُبنى على أساس احترام السيادة اليمنية سيكون مصيره الفشل..
ومن الأوراق التي لا تقل أهمية الوضع الإنساني الكارثي الناتج عن الحرب والحصار والذي يمكن استخدامه كورقة ضغط قانونية وأخلاقية في أي حوار مع الأطراف الدولية..
ولا يمكن هنا إغفال الحوار القائم حالياً مع السعودية ورغبتها المعلنة أو الضمنية في دعم الأطراف اليمنية للحوار وتحقيق السلام بينها ..
هذا الحوار إذا استمر بشكل جاد وصادق وخرج من عباءة المصالح الضيقة إلى أفق الشراكة واحترام السيادة فإنه يشكل عنصراً مساعداً ومهماً في الانتقال باليمن من حالة الحروب والصراع إلى حالة السلم والبناء والتنمية..
إن التقدم في هذا المسار وإن لم يكن كافياً وحده إلا أنه يفتح المجال لتوسيع قاعدة التفاهمات مع قوى إقليمية ودولية على رأسها الولايات المتحدة..
ومن هنا فإن النصيحة التي يجب أن تُوجه بصدق وحرص إلى كل من الحوثيين والشرعية اليمنية وكل القوى السياسية والمؤثرين والمجتمع المدني هي أن يضعوا اليمن أولًا ..
وأن يتجاوزوا حسابات المكاسب المؤقتة والخلافات المناطقية وأن يتفقوا على خطاب سياسي وطني موحد يخاطب الخارج بندية وينفتح على حوار جاد مع السعودية والولايات المتحدة ..
حوار لا يقوم على التبعية أو الخضوع بل على قاعدة رفع الحصار وإنهاء التدخل وضمان سيادة اليمن ووحدة أراضيه..
ما نحتاجه اليوم هو عقل سياسي يتجاوز ردود الفعل ويرى أبعد من الحاضر ويفكر بمنطق الدولة لا بمنطق اللحظة اليمن لا يجب أن يُختزل في حكومة أو فصيل أو حزب..
بل يجب أن يُمثل باعتباره وطناً وشعباً له الحق الكامل في تقرير مصيره واختيار شركائه والتفاوض على مستقبله ..
وإذا كان الحوار مع الأمريكيين بشروطنا ووفق أولوياتنا سيقود إلى فتح نافذة للسلام العادل ورفع الحصار وإنهاء التدخلات الخارجية وتمكين اليمنيين من بناء دولتهم المستقلة فهو خيار يستحق أن يُطرح بقوة وأن يُخاض بثقة لا بخوف أو تردد..
إن المعركة اليوم لم تعد فقط عسكرية أو سياسية بل أصبحت معركة مع الجوع والمرض والانهيار الكامل لمؤسسات الدولة ومع ضياع الأمل في وطن يستحق الحياة ..
ولهذا فإن أي طرف يرفض الحوار لمجرد الرفض أو يراه ضعفًا فإنه يساهم في إطالة أمد الكارثة..
الحوار مع الأمريكيين عندما يُبنى على رؤية وطنية جامعة وتمثيل سيادي صادق يمكن أن يفتح الباب نحو سلام دائم ومرحلة جديدة من البناء والاستقرار ..
وما لم يتحلّ الجميع بالشجاعة السياسية والمسؤولية الوطنية فإن اليمن سيبقى رهينة للصراع وأي نصر سيكون مؤقتًا وأي مشروع وطني سيتحول إلى وهم..
إن الوقت لم يعد يحتمل مزيدًا من التردد والشعب اليمني يستحق من جميع مكوناته السياسية أن تتحرك الآن من أجل المستقبل لا من أجل الحسابات الضيقة ومن أجل السلام لا من أجل بقاء الصراع..
* سفير بوزارة الخارجية