الحرب اليمنية: تسوية خاسرة ومقامرة فاشلة
إن كان التاريخ معلما، فإن دروسه ليست مجانية، بل يدفع ثمنها من لم يقرأه جيدا. واليوم، بينما تلوح في الأفق تسوية سياسية بين السعودية والحوثيين ، يبدو أن الحكمة تهجر العقول، والعرب على وشك تسليم آخر قلاعهم إلى سلالة لا تكتفي بالنصر، بل تريد الخراب شاملا يمنيا وسعوديا.!
على إن التاريخ يعجُّ بالأمثلة عن القوى التي اعتقدت أن بإمكانها تدجين الميليشيات عبر التفاوض، فكانت النتيجة الوحيدة أن ابتلعتها الوحوش التي حاولت إطعامها.
من فيتنام إلى لبنان، ومن أفغانستان إلى العراق، لم يحدث أن تحولت جماعة مسلحة إلى كيان مدني بمجرد جلوسها على طاولة مفاوضات.
الحوثيون ليسوا استثناء، بل هم النموذج الأوضح لجماعة تؤمن أن السلاح هو الحل، والمراوغة السياسية ليست إلا تكتيكا لالتقاط الأنفاس قبل الهجوم التالي.
صدقوني لن تجد التسوية الحوثية-السعودية سوى مصفقين حوثيين وساسة مرتزقة، بينما الخسائر ستقع على الطرفين الحقيقيين في المعادلة: اليمن والسعودية.
اليمن، الذي يدرك أنه تحت حكم الحوثي سيتحول إلى مسخ إيراني آخر في الجزيرة العربية، لا يرى في هذه الصفقة إلا توقيعا رسميا على وثيقة استعباده.
والسعودية، التي أنفقت سنوات و أموالا لمواجهة الخطر الإيراني، ستجد نفسها تسلم مقاليد النفوذ إلى وكلاء طهران، كأنما هُزمت لكنها ستصر على إنكار الهزيمة.
نعم ،كل من يروج لهذه التسوية وكأنها مخرج آمن للسعودية ينسى أن الخروج من المعركة دون نصر هو مقدمة لحرب أشد فتكا.
الحوثي. لا يعرف معنى التعايش، ولا يحترم الاتفاقيات، بل يتغذى على ضعف الخصوم. بل إن اعتقدت الرياض أنها بذلك تضمن الأمن، فلتنظر إلى تاريخ إيران مع جيرانها: الاتفاق عندهم مجرد فرصة لإعادة التسلح والاستعداد لجولة جديدة.
أما الحديث عن أن هذه التسوية "ستحقق السلام"، فهو محض هراء. إذ كيف سيتحقق السلام بيد من زرع الخراب، وكيف يمكن الوثوق بمن يرى الشعب مجرد عبيد للإمام؟
الحوثي لم يقدم سوى القتل والتجويع، وإن منحه أحدٌ الشرعية السياسية، فهو كمن يبيع وطنه بثمن بخس، دراهم معدودة، وكان فيهم من الزاهدين!
لذا بدلا من السقوط في فخ التسوية، التي تطبخ في سلطنة عمان فإن الخيار الوحيد المنطقي هو الاستمرار في المواجهة حتى تفقد الميليشيا قدرتها على فرض نفسها كطرف متكافئ.
بمعنى أدق اليمن يجب أن يُحرر، لا أن يُسلم على طبق من ذهب لملالي طهران.
أما السعودية، فإن طريقها للأمن لا يكون عبر استرضاء العدو، بل بفرض شروطه على من يحاول اقتلاع استقرار المنطقة وتطييفها.
والحق يقال إن التسويات الفاشلة ليست مجرد قرارات سيئة، بل وصمات عار في سجل التاريخ. فإذا ما مضت هذه التسوية قدما، فسنجد أنفسنا بعد سنوات نبحث عن كيفية الخلاص من سرطان زرعناه بأيدينا. ولكن عندها، سيكون الثمن أكبر، والندم أشد.