إعلان الحقيقة في زمن التواطؤ
منذ أكثر من عقد، واليمن يعيش في دوامة من الصراع السياسي والعسكري، إذ تتقاطع المصالح الإقليمية والدولية مع حسابات الداخل التائهة.
ومع ذلك، يظل أحد أكبر التحديات التي تواجه القوى المناهضة للحوثيين ليس فقط الخصم المتربص، بل أيضا النزاعات والتباينات داخل صفوف الشرعية نفسها، والتي أصبحت ظاهرة مكشوفة للعيان.
المعلومات التي كشفها مروان الغفوري حول الخلافات بين قيادات الشرعية لم تكن مفاجئة، لكنها تؤكد أن المشكلة ليست فقط في وجود صراعات، بل في الخوف من إعلانها.
هناك فارق جوهري بين من "ينزعجون" من الحقيقة، ومن "ينزعجون" من إعلانها.
فالأولى تعني إدراكهم لوجود أزمة داخلية تهدد المشروع الوطني، بينما الثانية تكشف عن هوسهم بإخفاء هذه الأزمة عن الرأي العام، وكأن الستر يمكن أن يكون علاجا للأمراض السياسية.
على أنه إذا عدنا إلى محطات التاريخ اليمني، نجد أن الأزمات الداخلية لم تكن يوما سرا خفيا، لكنها كانت تُدار بشكل يختلف عن اليوم.
وللتذكير في ستينيات القرن الماضي، عندما اندلعت الثورة اليمنية، كان هناك صراع بين الجمهوريين الملكيين، وبين التيارات المختلفة داخل معسكر الجمهورية نفسه.
لكن الفرق بين تلك المرحلة واليوم، أن القيادة حينها كانت تدرك أن الاختلاف لا يعني الانهيار، وأن إدارة التباينات لا تتم بطمسها، بل بمواجهتها بوضوح، لأن وضوح المشاكل هو أول خطوة لحلها.
أما اليوم، فإن أغلب القوى المناهضة للحوثيين تبدو عاجزة عن مواجهة نفسها. ليس لأن المشاكل غير قابلة للحل، بل لأن الاعتراف بها يُنظر إليه كفعل هدام، بينما الصمت عنها يُسوَّق على أنه حكمة!
برأيي فان الحقيقة المؤلمة هي أن الشرعية اليمنية ليست مجرد كيان سياسي يقف في مواجهة مشروع طائفي مدعوم من إيران، بل هي ساحة صراع بين رؤى متباينة، وبين أطراف تحاول استغلال اللحظة لصالح مشاريعها الخاصة. المشكلة ليست فقط في تعدد هذه المشاريع، ولكن في غياب الجرأة لإعلان الحقائق وإدارتها بوعي ومسؤولية.
لنخلص إلى إن إعلان الحقيقة ليس فعلا عبثيا، ولا يعني الهدم بل هو أول خطوات التصحيح. وإذا أرادت الشرعية أن تكون مشروعا قابلا للحياة، فعليها أن تتوقف عن الانزعاج من إعلان الحقائق، لأن التستر على الأخطاء لا يلغي وجودها، بل يراكمها حتى تنفجر في وجه الجميع.
فيما يظل السؤال الأهم: هل تدرك القيادات السياسية أن ما يهددها ليس فقط العدو المتربص، بل فشلها في مواجهة نفسها؟!