استهداف الحوثيين للموظفين الأمميين .. الأهداف والتداعيات
شهدت العلاقة بين جماعة الحوثي والأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، توتراً متصاعداً منذ عدة أشهر، على خلفية حملات الاعتقال المستمرة بحق العشرات من الموظفين والعاملين في تلك المنظمات بمناطق سيطرة الجماعة.
الجماعة اليمنية المتمردة بررت حملات الاعتقال بمزاعم مرتبطة بالتجسس لصالح "إسرائيل" والولايات المتحدة، بل ظهر زعيم الجماعة في أحد خطاباته، متهماً العاملين في تلك المنظمات برفع الإحداثيات والانخراط في أنشطة تجسسية لصالح أطراف خارجية.
استهداف جماعة الحوثي للعاملين في المنظمات الأممية والدولية، أثار مخاوف من انحسار العمل الإنساني بمناطق سيطرة الجماعة، في ظل حالة اللاحرب واللاسلم التي يمر بها اليمن منذ سنوات، الأمر الذي فاقم معاناة ملايين السكان في مناطق سيطرة الجماعة.
استهداف جديد
ويوم الخميس 6 نوفمبر، داهمت عناصر أمنية تابعة لجماعة الحوثي مقر منظمة "أوكسفام" في العاصمة اليمنية صنعاء، واحتجاز عدد من الموظفين، والتحقيق معهم، كما قامت بمصادرة أجهزة تتعلق بأنظمة الاتصالات، وأصول أخرى تابعة للمنظمة.
ووفق الصحفي فارس الحميري، فإن الجماعة لا تزال تحتجز اثنين من العاملين في منظمة "أوكسفام" منذ يونيو 2024، في سجن الأمن والمخابرات في صنعاء.
وفي 4 نوفمبر، اقتحم عناصر من الجماعة مقر منظمة "أطباء بلا حدود" في صنعاء، واحتجزوا العاملين فيه، قبل أن يفرجوا عنهم، بعد تحقيقات مطولة.
كما اقتحموا في اليوم نفسه، مقر منظمة الإغاثة الإسلامية، ومنظمة العمل ضد الجوع، وهي إنسانية غير حكومية فرنسية، ومنظمة أكتد، وهي إنسانية تنموية غير حكومية فرنسية، ومنظمة هيومن أبيل، وهي إنسانية دولية.
وسبق أن اقتحمت الجماعة مقرات برنامج الأغذية العالمي، ومنظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة في صنعاء ومحافظات أخرى، وقامت باعتقال العشرات من العاملين فيها بتهمة التجسس لصالح "إسرائيل" ورفع الإحداثيات خلال المواجهة الأخيرة التي أدت إلى مقتل رئيس وأعضاء حكومة الجماعة.
اتهامات بالتجسس
تتهم الجماعة المنظمات الأممية والإنسانية العاملة في اليمن، بالتجسس لصالح الولايات المتحدة و"إسرائيل" وأطراف دولية أخرى، وتحت هذا المبرر، استولى الحوثيون على مقرات كثير من تلك المنظمات في صنعاء ومحافظات أخرى، كما اعتقلت العشرات من العاملين فيها، وضمن ذلك نساء وموظفون سابقون عملوا في تلك المنظمات.
ويوم 5 نوفمبر، طالبت وزارة الخارجية التابعة للجماعة، الأمم المتحدة بتسليم بقية الموظفين الأمميين الذين تتهمهم صنعاء بالتورط في اغتيال رئيس وأعضاء حكومتها غير الشرعية، في أكتوبر الماضي.
وأواخر أكتوبر الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين عبد الواحد أبو راس، قوله إن 43 من موظفي الأمم المتحدة المحليين المحتجزين سيُحاكَمون للاشتباه في صلتهم بالغارة الجوية الإسرائيلية التي اغتالت كبار قادة الجماعة في أغسطس الماضي.
وقال أبو راس، إن الخطوات التي اتخذتها الأجهزة الأمنية تمت تحت إشراف قضائي كامل، لافتاً إلى أنه تم إطلاع ممثلي الادعاء خطوة بخطوة، على كل إجراء تم اتخاذه.
أبو راس تحدث عما سماها "خلية برنامج الأغذية العالمي"، بالمشاركة المباشرة في استهداف أعضاء حكومة الجماعة، وفي 24 أكتوبر قالت الأمم المتحدة إن عدد موظفيها المعتقلين لدى الجماعة بلغ 55 منذ عام 2021،
في حين تشير التقديرات إلى أن عدد المعتقلين من العاملين في المجال الإنساني والإغاثي من المنظمات الأممية والغربية يتجاوز 60 معتقلاً.
وطالبت الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن، في أكثر من مناسبة، بالإفراج الفوري وغير المشروط عن موظفيها المعتقلين، إلا أن جماعة الحوثي واصلت حملاتها ضد تلك المنظمات.
وقال زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في أكتوبر الماضي، إن الأجهزة الأمنية اعتقلت "خلايا تجسسية تعمل لصالح الأمريكيين والإسرائيليين تحت غطاء العمل الإنساني"، مشيراً إلى أن من بين تلك الخلايا منتسبين إلى برنامج الغذاء العالمي واليونيسف.
واتهم الحوثي الموظفين الأمميين بتوفير معلومات وإحداثيات للاستخبارات الإسرائيلية، أسفرت عن استهداف اجتماع لحكومة الجماعة غير المعترف بها، ومقتل رئيسها وعدد من الأعضاء.
استغل الحوثيون إجراءات بروتوكولية طبيعية وإلزامية، متبعة في عمل المنظمات، وحولوها إلى أدلة إدانة بالتجسس بحق عدد من العاملين في المنظمات الأممية، من ضمنهم مسؤول الأمن والسلامة في برنامج الغذاء العالمي باليمن، عمار النخعي، الذي سبق أن خدم في قطاع غزة، وحينها كان هناك تنسيق مع الجانب الإسرائيلي لتسهيل تحركات فرق عمل البرنامج.
ووفق الصحفي فارس الحميري، فإن النخعي كان مجبراً على التواصل مع الجيش الإسرائيلي، عندما كان ضمن مهمة إنسانية في قطاع غزة؛ "لكون ذلك إجراء طبيعياً، بل إجبارياً، لضمان حماية وسلامة زملائه العاملين في البرنامج، ولا يعد دليل تجسس".
وساطة عُمانية
الأمم المتحدة وفي إطار حرصها والتزامها بحماية العاملين في منظماتها، سعت بكل السبل للضغط على جماعة الحوثي للإفراج عن الموظفين المعتقلين لديها، واستعانت بسلطنة عُمان للقيام بدور الوساطة.
ويوم 22 أكتوبر الماضي، أجلت الأمم المتحدة 12 من موظفيها الذين كانوا محتجزين في صنعاء، بعد اقتحام المجمع الأممي من قبل جماعة الحوثي، ووفق المعلومات فإن ممثل اليونيسف البريطاني بيتر هوكينز، كان ضمن 20 موظفاً أممياً اعتقلتهم الجماعة.
الاعتقالات التي قام بها الحوثيون، أثارت مخاوف من انهيار العمل الإنساني، في ظل تقديرات أممية بأن قرابة 19 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات منقذة للحياة، وفق تصريحات لمسؤولة أممية أدلت بها لـ"الجزيرة" في أغسطس الماضي.
استهداف العمل المدني
سلوك جماعة الحوثي في اليمن، لا يختلف عن سلوك بقية تنظيمات العنف المسلح، تجاه العمل المدني، وفق المحامي والناشط الحقوقي، عبد الرحمن برمان، الذي اعتبر أن "الجماعات المتطرفة ترى أن كل عمل مدني يشكل تهديداً وخطورة عليها".
وأضاف ، أن هذه الجماعات "تختلق أعذاراّ لمواجهة العمل المدني، وأول ما تقوم به هو اتهام العاملين فيها بالتجسس، أو العمل لصالح جهات أجنبية"، مشيراً إلى أن هذا ما قامت به "القاعدة" و"داعش"، وأيضاً جماعة الحوثي على نطاق واسع.
وأضاف برمان في تصريحه:
- الأمم المتحدة ومنذ بداية الحرب في اليمن، وحتى قبل الحرب حينما كانوا في صعدة، تعاملت مع الحوثيين "بشكل ناعم، وكانت تخضع لشروط وابتزاز الجماعة بشكل مزعج ولافت، حتى إن الناس العاديين في اليمن يعتقدون أن الأمم المتحدة تتعامل بنعومة مع الحوثي".
- حتى الآن لم نجد أي موقف قوي، من قبل الأمم المتحدة في مواجهة جماعة الحوثي وممارساتها بخصوص الموظفين الأمميين، فقط هناك بيانات تنديد، نوع من الاستعطاف، ونوع من إسقاط الواجب.
- هذا السلوك أدى إلى تراجع دور المنظمات الإنسانية في اليمن، وهذا ينذر بوضع كارثي، لأن كثيراً من اليمنيين، خصوصاً في مناطق سيطرة الجماعة، يعتمدون على المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية، خصوصاً المنظمات التابعة للأمم المتحدة، مثل برنامج الأغذية العالمي، واليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية.
- هذا الأمر يرافقه في الوقت نفسه، إغلاق الجماعة كل مصادر العيش لليمنيين، أغلقوا الشركات الخاصة، وضعوا عراقيل أمام أي عمل أو مشاريع يمكن أن تفتح في مناطقهم، فرضوا ضرائب وجمارك وإتاوات وابتزازات، صادروا أموالاً ومؤسسات، وهذا قذف بعشرات الآلاف من الموظفين إلى رصيف البطالة.
- إضافة إلى أن الجماعة تمتنع عن صرف مرتبات مئات الآلاف من الموظفين الرسميين في مناطق سيطرتها، وهذا وضع كارثي، خصوصاً في ظل تراجع دور المنظمات الإنسانية في مناطقها.