اتفاق الرياض في ذكراه السادسة.. تسوية متعثرة فككت الشرعية وعززت الانقسام
بعد ست سنوات من توقيع اتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019، الذي رعته المملكة العربية السعودية، تعود الجدلية المحيطة به إلى الواجهة، خصوصاً في ظل التحولات السياسية والعسكرية التي شهدها اليمن منذ ذلك الحين.
كان الهدف المعلن للاتفاق هو إنهاء حالة الانقسام والصراع المسلح بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وتوحيد الصف لمواجهة مليشيا الحوثي، إضافة إلى تطبيع الأوضاع في المحافظات المحررة.
هذا الاتفاق الذي ولد ميتاً وفق مراقبين وأصبح رمزًا للتسوية المتعثرة في البلاد، كشف مساره عن تداعيات عميقة على المشهد السياسي والعسكري، بما في ذلك تعزيز نفوذ القوى المحلية على حساب الدولة المركزية،
مما جعل استعادة الدولة وتوحيد الصف لمواجهة الحوثيين هدفًا أكثر تعقيدًا.
على مدى السنوات الست أفرز هذا الاتفاق واقعًا جديدًا، استفاد منه المجلس الانتقالي لتعزيز سيطرته الفعلية على عدن والمحافظات الجنوبية، مستغلاً بنود الاتفاق التي منحته شرعية سياسية ووجودًا عسكريًا.
في المقابل، وعلى الرغم من عدم مشاركتهم في الاتفاق، تمكنت مليشيات الحوثي من استغلال حالة الانقسام والفراغ الأمني لتعزيز سيطرتها على صنعاء والمناطق الشمالية، مستفيدة من انشغال الأطراف الأخرى بالصراع الداخلي.
في هذا التقرير يناقش محللين وخبراء مسار اتفاق الرياض في ذكراه السادسة، مع تقييم النتائج المترتبة على الاتفاق، وهل كان بمثابة فخ للشرعية ومحطة لتكريس الانقسام، بدلاً من أن يكون جسراً للسلام والاستقرار، وما تداعيات إبقاء هذا الانقسام على اليمن والمنطقة؟
فخ للشرعية
وتعليقا على ذلك يرى الخبير العسكري د. علي الذهب أن اتفاق الرياض لم يحل الصراع بل أدى إلى تكريس الانقسام، فلم ينفذ في مجمل بنوده سوى خفض المواجهة بين القوات الحكومية وقوات الانتقالي فقط، كخفض مؤقت تلاشى إثر تحولات سياسية في بنية الحكومة".
يقول الذهب إن "الانتقالي بعد توقيع الاتفاق الذي كان ينظر لبنوده بأنها غير واضحة بالقدر الذي يمكن أن تلزمه، لكنه استغل التعبئة الفضفاضة لبنود الاتفاق وأخذ بالمماطلة في تنفيذها".
وأكد أن الاتفاق كان فخ بالأساس للحكومة وللأطراف والمكونات المؤيدة للحكومة من حيث سلامة وحدة اليمن وسيادة قراره السياسي،
مشيرا إلى أن أول خطوة التي اتبعها الانتقالي بعد تلك الاتفاق إعلان الإدارة الذاتية، في قفزة للأمام لتحريك المفاوضات في سياق آخر بعيداً عن اتفاق الرياض، وبمزاعم آلية تنفيذ بنود الاتفاق.
وأفاد الذهب بأن من تداعيات اتفاق الرياض، وخاصة عدم تنفيذ الشق العسكري والأمني منه، إعلان نقل السلطة فيما بعد من الرئيس عبده ربه منصور هادي وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي في السابع من أبريل 2022، أي بعد عامين من تلك الاتفاق،
لأن آلية بنود الاتفاق أدخلت الانتقالي في السلطة، وأصبح يهيمن على نحو ثلثي المقاعد في السلطة بما فيها الوزارات السيادية.
وبشأن الشق العسكري والأمني من الاتفاق يضيف الذهب "لم ينفذ منها أي بند ولم يجرى أي تغيير جوهري على الأرض، لا زالت الخطوات منقسمة، وكل ما نفذ هو تشكيل غرفة عمليات مشتركة، الأمر الذي عزز الانقسام أكثر"،
لافتاً إلى التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية العميد إبراهيم حيدان في حواره مع صحيفة "الشرق الأوسط" أكد أن الانقسام لا يزال حاصل في المؤسستين العسكرية والأمنية.
وأشار إلى أن إعلان نقل السلطة من الرئيس هادي إلى المجلس الرئاسي جعل من اتفاق الرياض في حكم المنسي.
وقال "في المجمل لم يتحقق شيء من اتفاق الرياض، بل مثل تحولات فتحت فرصاً أكثر لتعزيز الانتقالي موقفه على الأرض، وساعدت أيضا كيانات مسلحة أخرى سواء كانت قريبة جدا من الانتقالي أو في نفس الدائرة، لأنها تحاول أن تكون مستقلة أو لها نفوذ سياسي وهي قوات موجودة على الأرض في المناطق الجنوبية".
وأوضح أن انعكاسات تمرد الانتقالي على الاتفاق خلقت انقسامات داخلية في الجنوب وأوجدت تشكيلات مسلحة أخرى في محاولة لكسر هذه الهيمنة، وهذا دليل على أن هناك ديناميات محلية وخارجية تخلق هذه الأحداث، وتخضع لأجندات متعارف عليه.
اتفاق صمم للانقلاب على الشرعية
الصحفي وديع عطا، قال إن اتفاق الرياض بالنسبة لنا كمتابعين أو مراقبين ولد ميتا، لأنه لم يقوم على أرضية صلبة تتعلق بالضمانات سواء من قبل الرعاة الذين كان أقواهم يميل إلى طرف ما،
إضافة إلى عدم امتلاك الشرعية أدوات القوة الحقيقة التي بإمكانها أن تتصدى لأي خرق أو تراجع أو افشال من قبل الطرف الأخر لهذا الاتفاق".
يضيف عطا لكن اتفاق الرياض كان مصمماً بشكل خاص لكي تساق به الشرعية إلى ركن أو زاوية معينة تتهيئ به الأرضية لمصلحة الطرف الأخر ويخدم مصالحه ويكرس نفوذه الإداري والعسكري والأمني في مناطق الجنوب خصوصا،
خاصة العاصمة المؤقتة عدن التي كان من المفترض تهيئة الأوضاع وتطبيع الأمور فيها بشكل يخدم الشرعية ويعكس حقيقة معنى الدولة التي ينشزها اليمنيون، ويقدم عدن العاصمة المؤقتة كنموذج للمدن المحررة التي يجب أن يسري فيها سلطة القانون وهيبة الدولة، لكن للأسف لم يحدث من ذلك أي شيء".
وتابع "في كل الأحوال الاتفاق أصلا صمم للانقلاب على الشرعية ولإسقاط كل من بقي من معالم القوة التي كانت تمتلكها خصوصا وأنها كانت تستعد بخطط أمنية وعسكرية لتنظيم الصفين العسكري والأمني،
وكذلك تطبيع القطاعات الخدمية في عدن متكئة أو مستندة ربما إلى الدعم المفترض من الأشقاء في التحالف العربي".
واستطرد "إلا أنه في الأخير كما أسلفت الدعم توفر لطرف الانتقالي، الأمر الذي جعله الطرف الأقوى وهو الطرف المستفيد والمنتصر، وسحب كل وسائل القوة التي كان من الممكن أن تمتلكها الشرعية لتجسيد هيكل الدولة التي من المفترض أن يقوم في عدن، بشراكة يمنية من كافة الأطراف،
إلا أن اهدافاً وأجندات خاصة لأطراف خارجية كذلك ورعايتها لطرف الانتقالي هي التي أجهضت كل هذه الآمال".
وأكد عطا أن إبقاء الشرعية ضعيفة هي فائدة للأطراف الخارجية الراعية أن يبقى اليمنيون ممزقون، أن تبقى هناك كانتونات مقسمة لليمنيين سواء تكون كتل سياسية أو كتل جغرافية وإدارية، أن يغرقوا في الصراعات القروية والمناطقية والجهوية،
وذلك على حساب الوحدة الوطنية التي يجب أن يتفقوا بها عليها وأن يقفوا تحت رايتها، وهي العلم الوطني والشعار الجمهوري، يعكس وحدة اليمن واليمنيين".
وختم عطا حديثه بالقول "إلا أن ذلك للأسف يخدم الرعاة الخارجيين الذين بإمكانهم أن يديروا الصراع عبر تغذيته وبتقوية طرف ما على حساب طرف آخر،
وإنشاء كيانات فرعية وجيوش خارج نطاق سيطرة الحكومة الشرعية وكيانات موازية أيضا في مناطق الجغرافية المنقسمة حاليا، لا تخدم وحدة اليمن".
عزز انقسام الشرعية وخدم الحوثيين
الصحفي عبد الباسط الشاجع يقول "لم يحقق اتفاق الرياض أهدافه المرجوة في توحيد الصف، على الرغم من تشكيل حكومة شراكة ضمت المجلس الانتقالي، إلا أن التوترات والصراعات لم تتوقف بشكل كامل، وظل الانقسام حادا بين أطراف "الشرعية".
كما أن البنود العسكرية والأمنية المتعلقة بدمج القوات وإعادة انتشارها تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية لم تُنفذ بالكامل أو واجهت عقبات متكررة، مما أبقى على الانقسام العسكري والأمني".
يقول الشاجع "بقيت الحكومة الشرعية لسنوات طويلة تمارس عملها من الخارج أو في ظل سيطرة فعلية للمجلس الانتقالي على العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات الجنوبية،
مما أعاق تفعيل دور كافة سلطات ومؤسسات الدولة اليمنية وأضعف قدرتها على تقديم الخدمات وتحسين الأوضاع المعيشية".
ويرى أن اتفاق الرياض شرعن واقعًا فرض بالقوة من قبل المجلس الانتقالي بعد سيطرته على عدن في 2019، من خلال منح المجلس مقاعد وزارية وموقعًا في هيكل الدولة دون تنفيذ كامل للشق الأمني والعسكري، فقد قُوّضت سلطة الشرعية في معقلها المؤقت".
وقال "بكل تأكيد واقع هذا التشرذم وضعف الشرعية خدم بشكل غير مباشر جماعة الحوثيين، حيث انشغل المعسكر المناهض لهم بالصراعات الداخلية، مما حول جهوده وأوراقه عن المعركة الرئيسية، وسمح للحوثيين بتعزيز سيطرتهم وقدراتهم دون ضغط موحد وفعّال من خصومهم".
وأوضح أن المستفيد الأكبر من اتفاق الرياض، دول التحالف المتمثلة بالسعودية والامارات، حيث أعاد الاتفاق ترتيب أولويات التحالف وأدار الصراع بين طرفيه بشكل يخدم مصالحها الاستراتيجية، وخصوصًا المتعلقة بالجبهة الجنوبية وأمن الملاحة،
بالإضافة إلى أن الاتفاق منح الانتقالي اعترافا سياسيا ومشاركة رسمية في السلطة، مما عزز مكانتهم، رغم تضعضع حضورهم الشعبي بسبب سوء الإدارة والفساد".
وزاد "إبقاء اليمن في حالة ضعف وتشرذم يمثل تهديدًا للأمن الإقليمي، من خلال إطالة أمد الحرب".
وأكد الشاجع أن "تنفيذ اتفاق الرياض في شقيه الأمني والعسكري بشكل كامل، وتوحيد الجهود خلف هدف استعادة الدولة، يظل هو المدخل الضروري لإنهاء معاناة الشعب اليمني ومواجهة التهديدات المشتركة، وإلا سيبقى الاتفاق مجرد أداة لإدارة الصراع لا لحله".
الموقع بوست