انتخابات العراق 2025.. صراع النفوذ يرسم سيناريوهات السلطة
الرأي الثالث - وكالات
بدأ الصمت الانتخابي في العراق، صباح اليوم السبت، قبل يوم من انطلاق سباق الانتخابات النيابية، يوم غدٍ الأحد، حيث توقفت الأحزاب والكيانات عن الترويج لحملاتها الدعائية والمرشحين حتى انتهاء عملية التصويت.
ويشهد العراق، يوم غدٍ الأحد الموافق 9 نوفمبر، التصويت الخاص، في حين سيجري في 11 نوفمبر التصويت العام لانتخاب أعضاء مجلس النواب.
ويشمل التصويت الخاص الذي ستنطلق غداً قوات الجيش والأمن، والنازحين، ويبلغ عددهم قرابة 1,313,980 ناخباً، موزعين على 809 مراكز اقتراع تضم 4,501 محطة اقتراع في مختلف المحافظات، بحسب المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جمانة الغلاي.
ودعا رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، المواطنين إلى المشاركة في التصويت بكثافة في الانتخابات، لاختيار المرشحين الأنسب.
وقال السوداني في تصريح تلفزيوني: "نؤمن أن أصواتكم هي أمانة ومسؤولية وقيمة عالية وصوت المستقبل، فاختاروا مستقبلكم بحرية ودون إكراه أو ضغط، فالعالم بأجمعه اليوم يترقب نتاج التجربة الديمقراطية".
وأوضح أن "الحكومة عملت خلال الأشهر الماضية على استكمال كل المتطلبات لضمان إجراء عملية الاقتراع في موعدها، وبجاهزية كاملة في جميع محافظات العراق، وقد تعاونّا بشكل مباشر مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات".
ويتنافس في الانتخابات البرلمانية 7 آلاف و768 مرشحاً، بينهم 5 آلاف و520 رجلاً وألفان و248 امرأة، بينما يحق لنحو 21 مليون ناخب الإدلاء بأصواتهم لاختيار 329 عضواً في مجلس النواب، الذي يملك صلاحية انتخاب رئيس الجمهورية، ويمنح الثقة للحكومة.
انتخابات العراق 2025.. صراع النفوذ يرسم سيناريوهات السلطة
تعيش الساحة السياسية العراقية حالة غليان متصاعدة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 نوفمبر 2025، وسط انقسام حاد في التحالفات وتكثيف للخطابات الانتخابية التي تعكس صراعاً محتدماً على النفوذ وإعادة تشكيل موازين السلطة.
وتسابق الكتل السياسية الزمن لحسم تحالفاتها وتوسيع حضورها الانتخابي، في ظل مشهد معقد يتقاطع فيه البعد الطائفي والقومي مع الحسابات الإقليمية والدولية، فيما تُعقد الآمال على هذه الانتخابات لتحديد ملامح الحكومة المقبلة.
سباق التحالفات
وفي إطار ذلك تصاعد التنافس الانتخابي بين القوى التقليدية والتحالفات الناشئة، في معركة لا تقتصر على كسب الناخبين بل تمتد إلى ما بعد الصناديق، حيث تستعد الكتل لتفاهمات مبكرة حول تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء المقبل.
ولم يعد المشهد الانتخابي مقتصراً على القوى التقليدية الكبرى، بل شهدت الساحة بروز تحالفات جديدة وتفكك تحالفات قائمة.
ويركز المراقبون –وفق تحليلات صحف عراقية– على أن "تحالف الإطار التنسيقي" الذي شكل الحكومة الحالية يواجه اختباراً حقيقياً للحفاظ على تماسكه بعد أن خاضت بعض مكوناته الانتخابات بقوائم منفردة، وهو ما يهدد وحدة الموقف الشيعي.
وفي المقابل، يسعى الإطار بعد الاقتراع إلى لمّ شتات كتلته واستعادة هيمنته على المشهد السياسي.
وعلى الساحة السنية، يتجدد التنافس بين تحالف "تقدم" بقيادة محمد الحلبوسي، وتحالف "سيادة" بزعامة خميس الخنجر، وتحالف "عزم" بقيادة مثنى السامرائي، ما قد يؤدي إلى تشتت الصوت السني وتقليص نفوذ القوى التقليدية.
أما في إقليم كردستان فيستمر التنافس التاريخي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني،
رغم مؤشرات على احتمال توحدهما في بغداد لتشكيل جبهة كردية موحدة في مفاوضات ما بعد الانتخابات، بحسب تقارير صحفية محلية.
ورغم غياب البرامج الواضحة للمرشحين، لكن البرامج الانتخابية ركّزت على 3 محاور رئيسة:
– محاربة الفساد، إذ تتبادل الكتل الاتهامات وتعد بمحاسبة المقصرين.
– تحسين الخدمات والمعيشة، في ظل تراجع البنى التحتية وضعف الخدمات العامة.
– ملف السيادة الوطنية، الذي يتصدر خطابات الكتل الشيعية المطالبة بإعادة النظر في الوجود الأجنبي بالعراق.
معركة نفوذ
يرى الكاتب والمحلل السياسي بهاء خليل أن انتخابات 2025 في العراق لن يكون لها تأثير حقيقي في التغيير، مشيراً إلى أن الأحزاب الكبيرة تسيطر بشكل كامل على المشهد، مستندة إلى امتلاكها المال السياسي والسلاح والنفوذ الواسع.
ويؤكد، أن هذه السيطرة، خاصة مع العودة لقانون "سانت ليغو"، تمنع صعود وجوه أو تيارات جديدة.
ويوضح خليل أن الكتل السياسية الكبرى هي من تقرر إعادة تدوير الوجوه للبقاء في السلطة، وهناك صراع "مخيف" بينها لامتلاكها السلاح.
كما يؤكد أن التوازن السياسي صعب المنال، حيث تنحصر السطوة الكاملة بين أربعة أو خمسة أحزاب مسيطرة على المشهد، ويصعب إزاحتها.
ويضيف المحلل السياسي أن العامل الوحيد الذي قد يجعل الانتخابات العراقية نقطة تحول يكمن في التحالفات التي تتشكل ما بعد إجراء العملية الانتخابية.
ويعتقد خليل أن مقاطعة التيار الصدري ستضعف مشاركة المكون الشيعي، وقد يؤدي ذلك لتحويل السطوة في بعض المناطق لصالح المكونين السني والكردي المشاركين بقوة.
ويتوقع عدم وجود مشاركة كثيفة في هذه الانتخابات بسبب قانونها وفقدان الثقة بالمرشحين، مشدداً على أن تعويل الشارع على المقاطعة لإفقاد الانتخابات الشرعية هو "أكبر خطأ"، على الرغم من أن المشاركة الفعالة هي الطريق الوحيد للتغيير.
ويختتم خليل بالإشارة إلى التأثير الخارجي الكبير المتمثل في صراع أمريكي-إيراني للسيطرة على المشهد العراقي.
ولفت إلى أن الإدارة الأمريكية تحاول فرض تطبيق قانون الأحزاب الذي يمنع أي جهة تمتلك جناحاً مسلحاً من المشاركة، وهو ما سيفرز أحزاباً بعيدة عن النفوذ الإيراني، وقد يولد نتائج ترضي هذا الطرف أو ذاك.
صراع الزعامة
وسط ذلك، يحتدم التنافس داخل البيت الشيعي بين زعيم تحالف الإعمار والتنمية، رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، في سباق مبكر على رئاسة الحكومة المقبلة، بينما لا يُستبعد بروز أسماء جديدة قد تقلب المشهد السياسي.
وفيما يسعى السوداني لنيل ولاية رئاسية ثانية، استناداً إلى بعض النجاحات التي حققتها حكومته، فإن حظوظه تواجه تحديات حقيقية، أبرزها بطء الإصلاحات الاقتصادية، واستمرار انتقادات ضعف مكافحة الفساد.
وفي المقابل، ورغم مرور أكثر من عقد على مغادرته رئاسة الوزراء، يظل نوري المالكي لاعباً محورياً في المشهد السياسي؛ فهو أحد أبرز مهندسي تحالف الإطار التنسيقي، ويملك شبكة واسعة من التحالفات الداخلية والإقليمية، تمكّنه من التأثير في اختيار رئيس الوزراء المقبل.
وتشير وسائل إعلام محلية إلى أن المالكي لا يخفي طموحه بالعودة إلى المنصب، رغم إدراكه حساسية المرحلة المقبلة، ما يجعل العلاقة بينه وبين السوداني خليطاً من التعاون والتنافس داخل الإطار نفسه.
أما في المعسكر السني فتدور المعارك حول زعامة المحافظات الغربية بين تحالف "تقدم"، وخصومه من تحالفي "سيادة" و"العزم"، الذين يسعون إلى تقليص نفوذه في الأنبار وبغداد وصلاح الدين ونينوى.
وفي المقابل، تبدو الصورة في إقليم كردستان أكثر استقراراً، إذ يتجنب الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الدخول في معارك داخلية، خاصة في المناطق المتنازع عليها ككركوك وديالى وصلاح الدين، وفق محللين يرون أن أي انقسام كردي سيصب في مصلحة القوى العربية والتركمانية.
وفي المجمل، تُظهر المؤشرات أن الصراع الانتخابي في العراق لم يعد مجرد تنافس على الأصوات، بل معركة لإعادة رسم خريطة النفوذ السياسي بين المكونات كافة.
انتخابات حساسة
ومع تسارع وتيرة الاستعدادات الانتخابية، تصاعدت حدة الخطاب السياسي ومعارك "كسر العظم" بين القوى المتنافسة على مقاعد البرلمان، وسط تبادل الاتهامات وإطلاق التهديدات بين الكتل المتنافسة.
وأصدر مجلس القضاء الأعلى، في 30 أكتوبر 2025، بياناً جدد فيه دعوة المرشحين إلى تجنّب الإساءة والتسقيط عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن التنافس يجب أن يبقى في حدود القانون، وأن أي تجاوز سيقابَل بإجراءات قانونية.
وجاء هذا التحذير بعد تصاعد حدة الخطابات الشعبوية التي اتخذت طابعاً شخصياً، ما يعكس هشاشة الخطاب السياسي في مرحلة ما قبل الانتخابات.
وبالتوازي مع تصاعد الحملات، واصلت مفوضية الانتخابات استبعاد عشرات المرشحين لأسباب تتعلق بالشهادة الدراسية أو "حسن السيرة والسلوك"، وقد أسهمت هذه الإجراءات في تأجيج التوتر بين بعض القوى، وسط مخاوف من استخدام الأدوات القانونية لأغراض سياسية.
وفي تطور لافت، حذّر الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، الذي دعا أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات، من وجود "مخطط" لاستهداف صناديق الاقتراع واقتحام مراكز التصويت يوم الانتخابات، معلناً براءة تياره من أي محاولة لزعزعة الأمن أو التلاعب بنتائج التصويت.
وحتى اللحظة، لم تصدر الجهات الأمنية تأكيدات رسمية حول ما أشار إليه الصدر، لكن التحذير زاد من حدة الترقب، خصوصاً مع إعلان قيادة عمليات بغداد عن خطة أمنية متكاملة لتأمين مراكز الاقتراع بمشاركة آلاف العناصر من قوى الأمن والشرطة.
وتشير تقديرات محلية إلى أن هذه الانتخابات ستكون الأكثر حساسية منذ عقدين، بالنظر إلى حجم الاستقطاب الداخلي وكثافة الحملات الإعلامية، فضلاً عن الشكوك التي تثيرها بعض الأطراف بشأن نزاهة العملية الانتخابية.
في المحصلة، تقف البلاد على أعتاب اختبار سياسي حاسم، تتقاطع فيه رهانات القوى التقليدية وطموحات القيادات الصاعدة، فيما تبقى المفاضلة النهائية بيد الشارع العراقي الذي سيقرر من يمتلك الشرعية لقيادة المرحلة المقبلة.
