سباق نووي جديد بين واشنطن وموسكو يعيد مشهد الحرب الباردة
الرأي الثالث - وكالات
يعيد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاستئناف الفوري لاختبار ترسانة أمريكا النووية، إلى الواجهة ملف التسلح النووي بعد أكثر من ثلاثة عقود من التوقف عن هذه الاختبارات، لا سيما أنه جاء رداً على إعلان موسكو نجاح تجارب نووية جديدة.
الخميس (30 أكتوبر 2025) كتب ترامب على منصة "تروث سوشيال": "بسبب برامج الاختبار التي تنفذها دول أخرى، وجهتُ وزارة الحرب ببدء اختبار أسلحتنا النووية على قدم المساواة"، مبيناً أن تجارب اختبار الترسانة النووية الأمريكية "ستُستأنف بشكل فوري".
القرار يأتي في وقت حساس على الصعيد الدولي، وسط مخاوف من تصاعد التوترات بين القوى النووية الكبرى، لا سيما أنه جاء رداً مباشراً على تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كشف عن اختبار ناجح لأسلحة نووية.
قبل يوم واحد من إعلان ترامب قال بوتين إن بلاده اختبرت بنجاح طوربيداً فائق القدرة يعمل بالطاقة النووية من طراز "بوسيدون".
وأوضح بوتين -في تصريحات نقلها الإعلام الروسي- أن الاختبار أجري الثلاثاء (28 أكتوبر 2025)، وأن الطوربيد حقق نجاحاً باهراً، وقوته فاقت صاروخ سارمات العابر للقارات، وأنه "لا وسيلة لاعتراضه".
وقال بوتين إن صواريخ بوريفيستنيك وسارمات الباليستي وطوربيد بوسيدون، كلها "أسلحة فريدة من نوعها، أكملت الاختبارات وستدخل الخدمة قريباً".
ويوم الأحد (26 أكتوبر 2025) أعلن بوتين نجاح الاختبار النهائي لصاروخ بوريفيستنيك الذي وصفه بأنه "غير محدود المدى" وقادر على تخطي كل أنظمة الاعتراض تقريبا.
حينها انتقده ترامب بالقول: "عليه وضع حد للحرب (في أوكرانيا). الحرب التي كان من المفترض أن تستغرق أسبوعاً واحداً فقط تقترب الآن من عامها الرابع. هذا ما عليه القيام به بدلاً من اختبار الصواريخ".
من جهته صرح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف رداً على سؤال على شبكة "X"، حول اقتراح استخدام بلجيكا ميداناً اختبار لـ"بوسيدون"، مؤكداً أن "بلجيكا قد تختفي حينها".
تتضح شدة التوتر بين واشنطن وموسكو، من خلال إرجاء ترامب اجتماعاً محتملاً مع بوتين في بودابست إلى أجل غير مسمى، وأعرب عن أسفه لأن محادثاته مع نظيره الروسي لإنهاء الصراع في أوكرانيا "لم تسفر عن أي نتيجة".
طوربيد بوديسون
على الرغم من أن المعلومات المعلنة عن الطوربيد "بوسيون" قليلة، لكنها تؤكد خطورة هذا السلاح الذي يبدو مدمراً للغاية، وبحسب الإعلام الروسي:
- طوربيد بوسيدون ذاتي التوجيه يعمل بالدفع النووي ويمكنه حمل رؤوس نووية.
- يعمل بأعماق تزيد على كيلومتر واحد وبسرعات تتراوح بين 60 و70 عقدة.
- يكون على شكل مركبة مسيّرة تحت الماء ذات مدى عابر للقارات.
- يُبحر عبر المحيطات دون الحاجة للصعود إلى السطح.
- يحمل رأساً حربياً نووياً تصل قوته إلى نحو 2 ميغاطن أو أكثر.
- يبلغ طوله ما بين 20 إلى 25 متراً وقطره من 1.5 إلى 2 متر.
- يتبع مساراً مبرمجاً مسبقاً نحو هدفه دون أي تدخل بشري.
- مُصمم لمواجهة منظومات الدفاع الصاروخي الأمريكية.
- صُمّم ليُفجّر قبالة سواحل المدن، ما يؤدي إلى تسونامي إشعاعي ضخم يُلوّث السواحل ويجعلها غير صالحة للسكن لعقود.
- يمكنه تدمير القواعد البحرية المحصّنة وحاملات الطائرات.
- يصعب على أنظمة الدفاع الصاروخي أو أجهزة الاستشعار اكتشافه أو اعتراضه.
أداة ضغط
وفقاً لخبراء فإن التجارب النووية التي بدأت روسيا تنفيذها مؤخراً، وتلك التي أوعز بإجرائها دونالد ترامب، تمثل إشارة مقلقة إلى انحدار جديد في منسوب الثقة الدولية، وتأتي في وقتٍ تتشابك الأزمات العالمية.
الخبير الأمني والعسكري عمار فرهود، يشير إلى أن هذه التجارب تُجرى عادة بشكلٍ دوري ضمن برامج الفحص والصيانة للترسانة النووية.
لكنه يلفت إلى أن ما يثير الانتباه هذه المرة هو تسارع وتيرة هذه التجارب وارتباطها بظرف سياسي متشنج على أكثر من جبهة، من أوكرانيا إلى تايوان، مروراً بغزة وفنزويلا، ما يجعلها "أداة ضغط" واضحة في لعبة التفاوض بين القوى الكبرى.
ويضيف موضحاً أن دلالات هذه الاختبارات تتجاوز الجانب التقني، حيث إن المؤسسة السياسية في كل من موسكو وواشنطن باتت تقلّص من هامش التريث لدى مؤسساتها العسكرية، في إشارة إلى أنها ترغب في أن يكون الرد على أي تهديد أسرع وأكثر حسماً، دون المرور بعمليات تشاور سياسية طويلة تتداخل فيها اعتبارات الاقتصاد أو الرأي العام، على حدَ قوله.
هذا التحول يعكس تزايد النزعة إلى استعراض القوة بدلاً من ضبطها، في مشهد يعيد إلى الأذهان سنوات الحرب الباردة، حين كانت التجارب النووية وسيلة لإيصال الرسائل أكثر من كونها استعداداً فعلياً للاستخدام.
وفي ظل هذا التصعيد يلفت الخبير الأمني إلى أن العالم بات يبحث اليوم عن معادلة أمن دولي أكثر واقعية، مستشهداً بالقاعدة التي تقول: "الأمة التي تريد السلام هي أمة محاربة مستعدة للحرب".
فالتوازن، بحسب فرهود، لم يعد يقوم على الاتفاقيات وحدها، بل على القدرة الردعية الحاضرة التي تفرض على الخصم التفكير ملياً قبل الإقدام على أي خطوة متهورة.
وأوضح: "هذا النوع من الاختبارات نستطيع من خلاله أن نلاحظ أن المؤسسة السياسية تخفض من مستوى عتبة الرد لدى مؤسستها العسكرية بما معناه أنها تريد أن يكون الرد على التهديد سريعاً دون الدخول في حسابات سياسية معقدة وطويلة تتداخل فيها عوامل أخرى كالاقتصاد والمجتمع وغير ذلك".
تجارب نووية
ومنذ مطلع تسعينيات القرن الماضي التزمت واشنطن وموسكو بالتوقف عن إجراء التجارب النووية، وتم افتتاح التوقيع على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في سبتمبر 1996.
ويشير تقرير خاص صادر عن الأمم المتحدة، إلى أن آخر تجربة نووية أمريكية تفجيرية جرت في 23 سبتمبر 1992، ومنذ ذلك الحين لم تُفعل الولايات المتحدة تجربة تفجيرية كاملة أخرى.
أما آخر تجربة تفجيرية معلنة للأسلحة النووية في روسيا (أو في دول الاتحاد السوفييتي السابق التي أصبحت روسيا) فجرت في 24 أكتوبر 1990.