
استنفار عام وتحشيد عسكري في السودان بعد سقوط الفاشر
الرأي الثالث - وكالات
بعد سيطرة مليشيا "الدعم السريع" على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، الأحد الماضي، عمد الجيش السوداني إلى إعلان الاستنفار العام في جميع الولايات الخاضعة له، خصوصاً بعد تهديدات "الدعم السريع" بشن المزيد من الهجمات على مدن جديدة.
وبدأ الجيش والقوات المساندة له بالدفع بتعزيزات عسكرية إلى خطوط المواجهات في إقليم كردفان المحاذي لإقليم دارفور، الذي باتت أغلب مناطقه تحت سيطرة "الدعم"، والذي شن بالفعل هجمات على عدد من المناطق الصغيرة في ولاية شمال كردفان، واشتبك مع الجيش.
ودعت "القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح" (حركات موقعة على سلام مع الحكومة) في بيان الخميس، جميع الشباب إلى "حمل السلاح والدفاع عن الأرض والعِرض، والتوجه فوراً للانضمام إلى التحركات العسكرية في جبهات القتال لدعم جهود تأمين وحماية المواطنين، والحفاظ على أمن وسلامة الوطن".
ووصفت هذه المعركة بأنها "معركة وجود وكرامة"، وتوعّدت بالقصاص من "الدعم السريع" وتحقيق العدالة لضحاياها.
كما أصدرت "اللجان العليا للاستنفار" (كيانات شعبية موالية للجيش) إعلاناً، أول أمس الأربعاء، بالتعبئة العامة في جميع الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني، ووجّهت بتكثيف عمليات تجنيد المقاتلين الجدد وتجميعهم في المعسكرات التابعة للحكومة.
ومن أبرز الولايات التي قررت رفع درجة الاستعداد والاستنفار العام ولايتا نهر النيل والشمالية، اللتان تمتلكان حدوداً مع ولاية شمال دارفور التي سيطرت "الدعم السريع" على عاصمتها الفاشر الأحد الماضي.
وفي السياق حذرت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر غربي السودان، اليوم الجمعة، من أن مليشيات "الدعم السريع" بدأت بالتحشيد وإلقاء ثقلها العسكري على إقليم كردفان، خاصة شمال كردفان،
مشيرة إلى أنها اتخذت طريقها بوضوح لمحاولة إعادة حصار مدينة الأبيض، مركز ولاية شمال كردفان، بدلاً من التقدم نحو بابنوسة كما كانت التوقعات.
وقالت في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك": "تحاول المليشيا جاهدة إعادة حصار مدينة الأبيض لعلمها التام بأهميتها الاستراتيجية في إدارة عمليات إقليم كردفان في الزحف نحو دارفور"،
محذرة من أنه "ما لم تنفتح قواتنا في جميع المحاور، وتتقدم في وقت قريب، ربما نشهد المزيد من الانتكاسات الكبيرة والتراجعات الميدانية". وحذرت التنسيقية من أن الإمارات، التي تدعم قوات الدعم السريع، تعلم تماماً حقيقة الوضع، وتجهز لمعركة طويلة الأمد،
مشيرة إلى أنها قامت بإنشاء قواعد عسكرية وغرف إدارة عمليات ومستشفيات ميدانية في الدول المجاورة، مثل تشاد، وليبيا، وجنوب السودان، والصومال.
وأعلن قائد "كتائب البراء بن مالك"، المصباح طلحة (تشكيلات شبه عسكرية موالية للجيش)، عن تجهيز ولاية الجزيرة قوة مشتركة من 60 ألف جندي لحماية الولاية،
وطالب، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، أول أمس الأربعاء، قيادة القوات المسلحة بإطلاق يد قواته للتخلص من "الجنجويد" (في إشارة إلى قوات الدعم السريع). وقال إن قواته "قوامها شباب صغار لديهم عقيدة قتالية قوية وبصمة واضحة في المعارك".
وأعلنت حكومة ولاية شمال كردفان في بيان اليوم الخميس، أن "الدعم السريع" قصفت بلدة الزريبة في الولاية، التي تضم معاهد دينية، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى بين المدنيين،
مضيفة أن المنطقة مدنية بالكامل ولا وجود فيها لأي مظاهر عسكرية، وتستضيف آلاف الأسر النازحة.
 
من جانبها، اتهمت قوات "الدعم السريع"، في بيان الخميس، الجيش بشن هجوم بطائرة مسيّرة على منطقة الزريبة، وقالت إن الهجوم استهدف خلاوي تحفيظ القرآن في المنطقة، وأسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى بين الطلاب.
 وفي بيان آخر اليوم أيضاً، نفت "الدعم السريع" مقتل 400 شخص على يد عناصرها داخل المستشفيات في مدينة الفاشر، كما أعلنت منظمات طبية دولية ومحلية.
 
وهاجمت قوات متحركة من "الدعم السريع" عدداً من المناطق الصغيرة في ولاية شمال كردفان، إذ هاجمت، الثلاثاء الماضي، منطقة أم عردة غرب مدينة الأبيض، عاصمة الولاية، واشتبكت مع القوات الموجودة هناك، 
كما هاجمت منطقة جبل الهشابة في الولاية نفسها وتبادلت السيطرة عليها، قبل أن تنتهي المعارك بسيطرة الجيش، وذلك بعد سيطرتها، الثلاثاء الماضي، على قرية أم دم حاج أحمد في الولاية ذاتها.
وقال مواطنون في مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان ، إن تهديدات "الدعم السريع" بمهاجمة المدينة والمناطق القريبة منها دفعت عدداً من المواطنين إلى مغادرة المدينة، وأثارت حالة من الخوف،
وأضافوا أن بعض التجار حاولوا الخروج ببضائعهم، لكن السلطات منعت ذلك، مشيرين إلى وجود تزايد في عدد القوات العسكرية داخل المدينة وخارجها، ووصول تعزيزات جديدة بصورة مستمرة.
وأكد مواطنون في مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، لـ"العربي الجديد"، أن حكومة الولاية عززت إجراءاتها الأمنية ونشرت المزيد من القوات العسكرية داخل وخارج المدينة والمناطق المجاورة.
وأضافوا أن هناك حالة من الترقب والخوف وسط السكان بعد تكثيف "الدعم السريع" تحركاتها في الولاية. ونشر عسكريون من الجيش السوداني مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر أرتالاً من السيارات العسكرية تتوجه نحو الخطوط الأمامية.
وقالت "شبكة أطباء السودان"، في بيان الخميس، إن أكثر من 15 ألف نازح من مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور وصلوا إلى منطقة طويلة الخاضعة لسيطرة "حركة تحرير السودان" بقيادة عبد الواحد نور، المحايدة.
وحذّرت الشبكة من كارثة إنسانية وشيكة في حال عدم التدخل العاجل من المنظمات الدولية لتوفير الدعم اللازم في مجالات الصحة والمياه والغذاء والمأوى للفارين من الفاشر.
من جهتها، أعلنت "قوات الدعم السريع"، في بيان اليوم الخميس، أن القائد الثاني لها، عبد الرحيم دقلو، أصدر قراراً لجميع منسوبيها بالالتزام الصارم بالقانون وقواعد السلوك والانضباط العسكري أثناء الحرب، مع تأكيد حماية المدنيين وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية، ومنع أي انتهاكات تمس الكرامة الإنسانية أو تتعارض مع الاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف.
ووجّه دقلو القادة العسكريين باتخاذ إجراءات تأديبية أو جزائية فورية ضد الأفراد المسؤولين عن الجرائم والتجاوزات.
وارتكبت مليشيا "الدعم السريع" مجازر في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بعد استيلائها عليها يوم الاثنين الماضي، ما أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد آخرين حسب منظمات محلية ودولية، وما زال الأمر مستمراً في المدينة.
وكانت بعثة تقصي الحقائق التي شكّلها مجلس حقوق الإنسان في 11 أكتوبر 2023، قالت في تقرير أصدرته في 5 سبتمبر/ أيلول 2025، إن مليشيات الدعم السريع ارتكبت خلال حصارها للفاشر والمناطق المحيطة بها، مجموعة واسعة من الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل، والتعذيب، والاسترقاق، والاغتصاب، والاستعباد والعنف الجنسي، والتهجير القسري، والاضطهاد على أسس عرقية واجتماعية وسياسية.
وأضافت أن "الدعم" وحلفاءها استخدموا التجويع وسيلةً من وسائل الحرب، من خلال حرمان سكان الفاشر من المواد الأساسية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، "وهو ما قد يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية والتي تُعتبر جريمة ضد الإنسانية".
إلى ذلك، أعلنت قوات الدعم السريع، في بيان نُشر في وقت متأخر من ليل الخميس، توقيف عدد من مقاتليها المشتبه بارتكابهم انتهاكات إبان سيطرتها الأحد على مدينة الفاشر.
وقالت في بيانها، وفق "فرانس برس": "تنفيذاً لتوجيهات القيادة، والتزاماً بالقانون وقواعد السلوك والانضباط العسكري أثناء الحرب، ألقت قواتنا، القبض على عددٍ من المتهمين في التجاوزات التي صاحبت تحرير مدينة الفاشر، وعلى رأسهم المدعو أبو لولو"،
مضيفة: "باشرت اللجان القانونية المختصة التحقيق معهم توطئة لتقديمهم للعدالة".
 
				
 
											 
											 
											 
											 
											