انقطاع رواتب المعلمين يهدد بشل الدراسة في اليمن
قد تتوقف العملية التعليمية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً في اليمن، رغم مرور أقل من شهر على بداية العام الدراسي الجديد، إذ يُهدد المعلمون بالعودة إلى الإضراب بسبب توقف صرف رواتبهم منذ ثلاثة أشهر.
تعمل المعلمة سميرة حسن في إحدى مدارس محافظة لحج (جنوب)، هي واحدة من المعلمين الذين حرموا من الراتب منذ ثلاثة أشهر،
وترى أن وضعها يزداد سوءاً في ظل تدهور الوضع الاقتصادي لذا تأمل في أن تنتهي أزمة توقف صرف الرواتب، وأن يتحسّن أوضاع المعلمين لضمان حياة كريمة لهم.
وتقول : "ربما يمثل المعلمون الفئة الأضعف في المجتمع اليمني، في حين يحملون أسمى وأعظم رسالة، ويبذلون جهوداً كبيرة لخدمة المجتمع من خلال تنشئة وتعليم الأجيال، ومع ذلك يحصلون على فتات أموال.
ورغم أن راتب المعلم لا يزيد عن 100 ألف ريال (62 دولاراً) تحرمه الدولة من هذا الحق".
تضيف: "يجب أن يعبر المعلمون عن رفضهم للتجاهل الحكومي لمطالبهم في تحسين أوضاعهم المعيشية، وينتزعون حق ضمان أبسط مقومات الحياة لهم،
كما يجب أن يدعم المجتمع الخطوات التي يتخذها المعلمون للضغط على الحكومة من أجل الاستجابة لمطالبهم، ويجب أن لا تقابل تحركات المعلمين الخاصة بالاضطراب بالتخوين فهذا حقهم القانوني من أجل تحقيق مطالبهم الشرعية".
ويعاني 100 ألف و717 معلم ومعلمة في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية عدمَ صرف رواتبهم للشهر الثالث على التوالي، ما يؤثر سلباً على حياتهم المعيشية، علماً أنهم الشريحة الأكبر في الهيكل الوظيفي للدولة.
ويأتي الواقع الجديد في سياق عجز الحكومة الشرعية عن صرف رواتب موظفي الدولة عموماً نتيجة عدم توفر سيولة مالية في البنك المركزي، رغم أنها اتخذت إصلاحات مالية أخيراً ساهمت في تحسين سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
ودعا المعلمون أخيراً إلى العودة إلى الإضراب الشامل الذي كانوا باشروا تنفيذه في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لكنه لم يلقَ أي استجابة من الجهات الحكومية التي اكتفت بإطلاق وعود.
ويقول عبد الرحمن حسن، وهو معلم في إحدى مدارس تعز، "لا يكفي راتبي كمعلم حتى لتسديد إيجار البيت، ورغم ذلك لا تصرفه الحكومة بانتظام، ولا تمنح العلاوات المستحقة.
وهكذا أصبح الراتب بلا قيمة، ما دفعني شخصياً إلى العمل في مصنع من أجل توفير لقمة العيش لأسرتي. المعلمون في اليمن خارج إطار اهتمام الدولة التي تحجب الآن الرواتب عنهم، وتتحدث عن صناديق لدعمهم تمنحهم ما يشبه صدقة تنتهك حقوقهم وكرامتهم".
ولجأت الحكومة اليمنية في ظل عجزها عن صرف رواتب التربويين إلى حلول يصفها متابعون بأنها "ترقيعية من خلال إقرار صرف حافز شهري مقداره 50 ألف ريال (32 دولاراً) لمعلمين في بعض المحافظات،
في حين لمّحت السلطات المحلية في محافظات أخرى إلى احتمال إنشاء صندوق لدعم التعليم تعتمد إيراداته على ما يُفرض على المواطنين الذين لا يتسلمون رواتبهم أصلاً، وهو ما رفضته نقابات التعليم، واعتبرته تهرباً من السلطات من مسؤولية منح المعلمين حقوقهم.
وفي نهاية أغسطس/ آب الماضي ناقش محافظ تعز نبيل شمسان قانون إنشاء صندوق دعم التعليم برئاسة رئيس الغرفة التجارية والصناعية، بهدف دعم المعلمين والعملية التعليمية، وتعزيز دورها في خدمة المجتمع.
ورفضت نقابة المعلمين في محافظة تعز ما وصفته بأنه"فرض جبايات على الطلاب وأولياء الأمور تحت أي مسمى، ومن بينها رسوم دعم صندوق المعلم"، واعتبرتها "غير قانونية وتشكل عبئاً على المجتمع".
وطالبت النقابة بصرف حافز غلاء معيشة شهرياً لجميع التربويين من دون استثناء، وإعادة هيكلة الأجور بما يتناسب مع أسعار الصرف الحالية، وصرف المرتبات المتأخرة منذ أشهر، وتنفيذ كل التسويات والعلاوات حتى عام 2024،
ومعالجة أوضاع موظفي عام 2011، وصرف مرتبات النازحين بانتظام، وتفعيل قانون التأمين الصحي، وضمان حقوق المتقاعدين.
ويقول المسؤول الإعلامي لنقابة التربويين اليمنيين التعليمية، عبده سعيد راوح، "لم تعلّق النقابة الإضراب، بل منحت السلطة المحلية والحكومة مهلة محددة تنتهي في نهاية سبتمبر/ أيلول الجاري لصرف الرواتب الثلاثة المتأخرة دفعة واحدة، والرواتب التسعة المتأخرة الخاصة بمحافظة تعز تحديداً بعدما كانت صُرفت في باقي المحافظات".
ويؤكد أن "النقابة ترفض أي مبررات لتأخير صرف الرواتب، فالمعلم لا يستطيع أداء رسالته وهو يواجه الجوع وانعدام أبسط مقومات الحياة".
ويشدد على أنه "في حال عدم الوفاء بهذه الالتزامات قبل انتهاء المهلة ستنفذ النقابة إضراباً شاملاً قد تتصاعد تحركاته تدريجياً حتى نيل كافة الحقوق من دون استثناء".
ويوضح أن "موقف النقابة من صندوق دعم التعليم واضح منذ إعلان إنشائه، وهو رفض الفكرة بالكامل لأنها ترتكز على جبايات غير شرعية تُثقل كاهل المواطنين وأولياء الأمور".
ويُجدد "المطالبة بصرف حافز على غرار ما حصل في باقي المحافظات، وذلك من إيرادات المحافظة المنهوبة، وليس عبر صندوق قائم على جبايات غير قانونية".
وتشير كل المؤشرات إلى أن الوضع يتجه نحو استئناف الإضراب، ما يهدد بشلّ العملية التعليمية التي توقفت منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خصوصاً أن الحكومة لم تتجاوب مع أي من مطالب الإضراب، ولم تحسّن أوضاع المعلمين.
ويتخوف كثيرون من تأثير الإضراب الشامل للمعلمين، في حال استئنافه، على التحصيل العلمي للطلاب، خاصة بعد التأثير السلبي لتوقف الدراسة في شكل شبه تام خلال الفصل الثاني من العام الدراسي السابق، وأهمها على صعيد إجراء امتحانات من دون دراسة في إطار محاولة وزارة التربية والتعليم الالتزام بالتقويم الدراسي.
ويقول هشام علي، وهو طالب في ثانوية تعز الكبرى، "تتحمّل الحكومة مسؤولية توقف العملية التعليمية وعدم منح المعلمين حقوقهم، وتحسين أحوالهم المعيشية. والمعلم الذي لا يُمنح حقوقه لن يستطيع تنفيذ عمله على أكمل وجه، لأنه سينشغل بأعمال أخرى لتوفير لقمة العيش له ولأسرته. ونحن كطلاب ندعم مطالب المعلمين ونحمّل الحكومة مسؤولية تدهور التعليم في اليمن".
وكان وكيل قطاع التعليم لدى وزارة التربية والتعليم في الحكومة المعترف بها دولياً محمد لملس، كشف أنّ عدد المعلّمين في المحافظات التي لا تخضع لسيطرة الحوثيين هو 100 ألف و717، والتلاميذ 260 ألفاً و478، والمدارس ستة آلاف و943".
فخر العزب
صحافي يمني