
حراك تفاوضي جديد.. الفرصة الأخيرة قبل اجتياح غزة؟
الرأي الثالث - وكالات
عاد الزخم بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة إلى الواجهة من جديد بالتزامن مع التحشيد الإسرائيلي لاحتلال مدينة غزة في خطوة يرى فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنها ضرورية لحسم الحرب ضد حركة حماس.
ويتزامن الحراك الحالي مع وجود وفود فلسطينية تشمل كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة حماس في العاصمة المصرية القاهرة، فضلاً عن زيارة مقررة لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى مصر للنقاش في الملف ذاته.
ويعمل الوسطاء المصريون والقطريون على حد سواء للوصول إلى اتفاق أو حتى لتجسير الهوة في ظل الخطاب المرتفع من قبل أقطاب الحكومة الإسرائيلية والرغبة في احتلال مدينة غزة خلال الفترة القليلة المقبلة.
وتشبه المحاولات التي يقوم بها الوسطاء حالياً ما جرى قبل دخول الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح في مايو/ أيار 2024، والتي كانت كل التحذيرات الدولية والإقليمية منصبة على خطورة هذه الخطوة،
إلا أن جيش الاحتلال دخل المدينة ودمرها ولم ينسحب منها منذ تلك الفترة.
ويخشى الفلسطينيون من أن يكرر الاحتلال المشهد ذاته في مدينة غزة، التي يوجد فيها قرابة مليون نسمة وتشكل مركزاً إدارياً مهماً لقطاع غزة في ظل التحريض الإسرائيلي المتصاعد ضد المدينة خلال الفترة الأخيرة.
وسبق أن فجر الاحتلال الإسرائيلي مفاوضات وقف إطلاق النار عدة مرات، كان أبرزها في مايو 2024 ويوليو/ تموز 2024، ففي المرة الأولى اجتاح مدينة رفح وأغلق معبرها البري الذي يربط القطاع بالعالم،
وفي المرة الثانية اغتال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران تزامناً مع المفاوضات.
ومع ارتفاع السقف الحالي للاحتلال الإسرائيلي وتسلم حركة حماس ورقة جديدة من الوسطاء، يبدو هامش المناورة من قبل المفاوض الفلسطيني محصوراً، وهو ما قد يدفعه للقبول باتفاق جزئي مرحلي لمدة 60 يوماً يعمل على وقف اجتياح مدينة غزة.
في المقابل، فإن نتنياهو كرر خلال الفترة السابقة رفضه لأي اتفاق جزئي والبحث عن صفقة شاملة تضمن استعادة كافة الأسرى الإسرائيليين وتحقق شروط الاحتلال الخمسة المتمثلة في نزع سلاح حماس والسيطرة الأمنية وجهة مدنية تحكم غزة ليست من السلطة ولا الحركة،
بالإضافة لنزع سلاح بقية الفصائل وضمان ألا تشكل غزة مستقبلاً أي تهديد للإسرائيليين. أما الطرف الأميركي فيبدو منسجما مع الموقف الإسرائيلي، خصوصاً بعد تعثر مفاوضات الدوحة الأخيرة والانسحاب المفاجئ من الجولة بالرغم من الحديث المتكرر عن اقتراب الوصول إلى اتفاق جديد.
حراك الفرصة الأخيرة؟
في الأثناء، قال مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني إن الحراك الذي يقوم به الوسيطان المصري والقطري يمكن توصيفه بـ"حراك الفرصة الأخيرة"، في محاولة لاختراق جدار الاستعصاء التفاوضي واستباق الخطوة الإسرائيلية الكبرى المتمثلة في تدمير مدينة غزة وتهجير ما يقارب المليون فلسطيني.
وأوضح الطناني، أن الموقف الفصائلي يسير في اتجاه إبداء أعلى درجات المرونة الممكنة، لكن وفق محددات رئيسية تستند إلى قاعدة أساسية هي "تفكيك مفاعيل الحرب"، وذلك من خلال إنهاء المعاناة الإنسانية أولاً، وضمان انسحاب الاحتلال من أراضي قطاع غزة، وعودة المواطنين المهجرين إلى أماكن سكنهم.
وأضاف أن هذه الخطوة تعني عملياً تفكيك ما حققه الاحتلال من مكاسب ميدانية بالسيطرة على نحو 70% من القطاع.
وأشار إلى أن تفاصيل القضايا الأخرى، مثل ملف الأسرى وأعدادهم، يمكن معالجتها والتوصل إلى حلول وسط بشأنها، معتبراً أن المعضلة الرئيسية لا تكمن في الموقف الفلسطيني الذي سيكون إيجابياً ومتعاوناً، وإنما في قدرة الوسطاء على الضغط على الإدارة الأميركية، التي تلعب دوراً أساسياً في تعطيل المسار التفاوضي.
وأضاف الباحث الفلسطيني أن ما يُسرَّب من أوساط إسرائيلية يشير إلى وجود اتجاه للحديث عن "حل شامل مرحلي"، يبدأ بمرحلة من ستين يوماً يتم خلالها التفاهم على تفاصيل التسوية وإنهاء العدوان،
مبيناً أن هذه الفرصة ما زالت محدودة جداً نظراً لهيمنة النوايا العدوانية لدى الاحتلال وحصوله على ضوء أخضر أميركي لمواصلة مشروع التهجير في إطار رؤية استراتيجية يتبناها نتنياهو وحكومته اليمينية، والتي لم تُقابل بأي تحفظ أميركي حتى الآن، خصوصاً إزاء العملية العسكرية المقبلة التي تستهدف مدينة غزة، بما تنطوي عليه من تدمير شامل وتطهير عرقي.
محددات إسرائيلية
إلى ذلك، أكد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات أن إسرائيل تنطلق في أي طروحات جديدة من قاعدة ثابتة وهي أنها الطرف الذي يفرض المعادلة بفضل قوتها العسكرية، في ظل انعدام الخيارات أمام الفلسطينيين.
وقال بشارات ، إن تل أبيب ترى أن على الفلسطينيين القبول بالشروط التي حددها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والمتمثلة في خمسة بنود رئيسية، وهي شروط صعبة التحقيق دفعة واحدة،
وهو ما قد يدفع إسرائيل إلى اتباع أسلوب المراوغة أو إعادة صياغة هذه الشروط تدريجياً، بحيث تفتح الباب أمام إمكانية الذهاب إلى وقف إطلاق نار متدرج، ضمن إطار تحركات إقليمية ودولية تسعى إلى تحقيق هذه المطالب، بما في ذلك ملف سلاح المقاومة وإدارة قطاع غزة.
وأشار إلى أن هذا الطرح يتقاطع مع بعض الأفكار المتداولة حول المقترح المصري – العربي، القائم على تشكيل لجنة تدير القطاع بمساعدة قوات عربية ودولية، ما يضمن لإسرائيل إبعاد حركة "حماس" عن المشهد الإداري والسياسي، ووضع سلاحها ضمن خطوات متدرجة مرتبطة بملف إعادة الإعمار وترتيبات المستقبل.
وأوضح بشارات أن إسرائيل تتحرك اليوم بمسارين متوازيين، المسار العسكري الذي يهدف إلى تفكيك بنية المقاومة والضغط عليها ميدانياً لإجبارها على تقديم تنازلات، بالإضافة إلى المسار السياسي – الدبلوماسي الذي تحاول إسرائيل الاستثمار فيه عبر النشاط المتصاعد للإدارة الأميركية، الساعية إلى تسكين ملفات الصراع في المنطقة.
ويرى أن الإدارة الأميركية عادت بقوة إلى مشهد الوساطة، وهي صاحبة القرار الحاسم في تحديد متى يمكن إعادة تفعيل المفاوضات وما إذا كان ذلك سيقود إلى تقدم حقيقي، مبيناً أن "الموقف الأميركي هو البوصلة التي ستحدد الخطوة التالية، بل يمكن أن يجبر إسرائيل على القبول بأي طرح جديد".
ولفت بشارات إلى أن زيارة رئيس الوزراء القطري للقاهرة، وبقاء وفد "حماس" هناك، إلى جانب عقد لقاءات فلسطينية موسعة بمشاركة فصائل عدة، كالجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وتيار دحلان، تعكس وجود موقف فلسطيني أكثر اتساعاً من السابق، ما قد يعطي زخماً جديداً للتحركات الجارية.
وأضاف أن نتنياهو يرفض الحديث عن اتفاق جزئي، لكنه قد يقبل بمراحل متدرجة تفضي في النهاية إلى اتفاق نهائي، وهو ما يمكن أن يسوّقه داخلياً لتخفيف الضغوط السياسية والشعبية المتزايدة في إسرائيل.