
أين اختفت الفصائل الموالية لإيران خلال الحرب مع "إسرائيل"؟
الرأي الثالث - وكالات
لم تبدِ الفصائل الموالية لإيران في العراق ولبنان، التي طالما شكلت محوراً أساسياً في استراتيجية طهران الإقليمية، أي ردة فعل تُذكر في الحرب التي استمرت 12 يوماً بين "إسرائيل" وإيران.
فمنذ انطلاق عملية "الأسد الصاعد" التي أعلنتها "إسرائيل"، فجر الجمعة (13 يونيو)، والتي استهدفت قادة عسكريين وعلماء نوويين ومواقع نووية، غابت كلياً أي ردود فعل عسكرية من وكلاء طهران في المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية الشيعية، في حين لم تتجاوز عمليات الحوثيين في اليمن سوى محاولات محدودة وباهتة.
وكانت هذه الفصائل، ومن ضمنها "حزب الله" وكتائب "حزب الله" العراقية وجماعة الحوثيين، قد أصدرت خلال الأشهر الماضية سلسلة من التهديدات تتوعد فيها بالتصعيد في حال تعرضت إيران لأي هجوم أمريكي مباشر،
إلا أن هذه التهديدات لم تترجم إلى تحركات ميدانية رغم استهداف أمريكي مواقع داخل العمق الإيراني ذات طابع نووي.
"حزب الله" والنكسات
ويُعد صمت "حزب الله" اللبناني الأبرز بين الفصائل الموالية لطهران، إذ لم يُسجل له أي إطلاق نار شمال "إسرائيل" خلال الحرب، مكتفياً بإصدار بيان دان فيه الهجوم دون التلميح إلى نية الرد.
ويأتي ذلك بعد أن تكبد الحزب خسائر واسعة في حرب الأشهر الماضية، شملت مقتل قادته إلى جانب تدمير منشآته ومخازنه العسكرية في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية.
ووفقاً لتقارير أمنية وإعلامية، فإن الحزب فقد خلال الأشهر الأخيرة عدداً كبيراً من قادته الميدانيين والخبراء العسكريين، كما أن سلاحه الجوي المُسيّر تعرض لنكسات متتالية بفعل الضربات الإسرائيلية.
وبالتوازي مع ذلك تعرضت بنيته اللوجستية لهزات شديدة بعد تدمير مسارات تهريب الأسلحة من لبنان عبر سوريا.
كما أن الوضع الداخلي في لبنان لم يعد يسمح للحزب بالتحرك بحرية كما في السابق، فقد أظهرت الحكومة اللبنانية، برئاسة نواف سلام، موقفاً حازماً في منع أي تصعيد من الأراضي اللبنانية، وذكرت تقارير محلية أن السلطات الرسمية فككت عدداً من مستودعات الأسلحة التابعة للحزب في جنوب البلاد.
غياب شامل بالعراق
أما في العراق، فلم تُنفذ المليشيات الموالية لإيران أي عملية عسكرية ضد المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية، رغم سلسلة التصريحات النارية لقادتها منذ مطلع العام الجاري، التي توعدوا فيها بأن يكون العراق جزءاً من أي معركة إقليمية كبرى في حال اندلاعها.
ونقلت وسائل إعلام عراقية عن مصادر أمنية أن الحكومة نقلت رسائل واضحة إلى هذه الجماعات تُحذر فيها من استغلال الأراضي العراقية لتنفيذ هجمات قد تجر البلاد إلى صراع مباشر.
كما تشير تقارير صحفية إلى أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عقد لقاءات مكثفة مع قيادات لتلك المليشيا الموالية لإيران في بغداد، شدد خلالها على ضرورة النأي بالعراق عن أي مواجهة إقليمية، خصوصاً في ظل التوتر القائم مع الولايات المتحدة، التي تحتفظ بوجود عسكري في عدة قواعد داخل الأراضي العراقية.
وأدت أطراف دولية دوراً، وفي مقدمتها الأمريكية، في كبح جماح هذه المجموعات، خاصة في ظل المساعي لإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية في العراق، مع التلميح إلى أن أي هجوم قد يستدعي رداً أمريكياً مباشراً على البُنى التحتية للمليشيات.
الحوثي والتهديدات
أما الحوثيون، الذين هددوا في بيانات رسمية باستهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر إذا ما شاركت واشنطن في ضرب إيران، فلم ينفذوا أي هجوم منذ بدء العملية الإسرائيلية، رغم مشاركة الولايات المتحدة في دعم الضربات.
كما تشير المعطيات إلى أن الحوثيين أطلقوا صواريخ لا تذكر اعترضت بعيداً عن الأجواء الإسرائيلية، ما عزز الشكوك حول فعالية القدرات الحوثية في ظل الرقابة الجوية والاستخبارية المكثفة.
وفيما كان يُتوقّع من الحوثيين تصعيد الهجمات البحرية، خاصة في ظل التصريحات المتكررة عن استهداف السفن في البحر الأحمر، فإن الواقع أظهر تراجعاً واضحاً في عملياتهم، ما اعتُبر مؤشراً على نيتهم تفادي توسع نطاق الحرب، لا سيما بعد الغارات الأمريكية والإسرائيلية التي استهدفتهم خلال الأشهر الماضية.
حدود الفاعلية
"يعكس غياب هذه الفصائل عن المواجهة تغيراً لافتاً في مشهد ما يُعرف بمحور المقاومة"، كما يقول الخبير الأمني مجيب عبد الله، الذي قال: إن "هذا المحور شكل طوال عقود أداة الرد غير المباشر لإيران في صراعاتها مع الغرب"، مضيفاً :
- التآكل العسكري والسياسي الذي أصاب هذه الجماعات، إلى جانب الضغوط الداخلية في بلدانها، أسهم في تحييدها فعلياً عن ساحة المعركة.
- الحرب الحالية كشفت حدود الفعالية الاستراتيجية لما يُعرف بجبهة الوكلاء، التي لطالما تباهت إيران بقدرتها على تنشيطها في أي وقت.
- إلا أن واقع المواجهة مع "إسرائيل" أظهر تراجع تلك القدرة، إما بسبب الضربات السابقة أو بفعل تقييد الحلفاء المحليين لتلك الفصائل.
- تفكك هذه الجبهة قد تكون له تبعات بعيدة المدى على قدرة إيران في إدارة أزماتها الإقليمية.
- طهران لم تعد قادرة على الاعتماد على الأطراف التي كانت تشكل خط الدفاع الأول عنها.
- انكشاف هذه الفصائل وعدم قدرتها على الرد يعزز من إمكانية فرض شروط جديدة على طهران في أي ترتيبات إقليمية مقبلة.