
متاحف الأزياء العربيّة: سيرةُ النّسيان
غالبًا ما نتعامل مع المتاحف العربية على أنها مقابر تحرس أشباح الموتى، أكثر منها فضاءات جمالية تحتفي بالفن وتثمن الأعمال الإبداعية بوصفها رأسمالًا رمزيًا يضمن استمرارية الشعوب العربية وامتدادها في الزمَن والمكان.
ورغم إدراك المؤسسات المتحفية العربية لقيمة المتحف فضاءً ثقافياً قادراً على احتواء التاريخ وتحويله إلى موروث حضاري منتِج للسياحة، إلا أنّها لم تؤمن بعد بضرورة تنويع المتاحف وجعلها منفتحة على تحوّلات المجتمع.
لا تزال المتاحف العربية تفتقر إلى التنوع الجمالي الذي يُفترض أن ينبثق عن طبيعة التحف المعروضة ومدى ارتباطها بالبيئة والذاكرة المحليتين.
فكل متحف ينبغي أن يتميّز بما يعكس خصوصيته الحضارية، عبر عرض تحف فنية حديثة تكتسب قيمتها من عناصر ثقافية مثل الأزياء والأكسسوارات، التي تحمل أبعادًا فنية مرتبطة بجماليات اللباس العربي وصناعته عبر العصور.
إن تعدّد متاحف الأزياء لو تحقق، كان سيمنح البلدان العربية فرصة لصون تاريخها المرئي والترويج له إرثاً فنياً موروثاً من أزمنة موغلة في القدم.
غير أن غياب هذا النوع من المتاحف، المتخصصة في الأزياء والمجوهرات ومظاهر الزينة، يزيد من هشاشة المؤسسة المتحفية العربية، ويجعل ممارساتها الفنية أقرب إلى التكرار والتقليدية، لأنها تستمر في تقديم إنتاج ثقافي لم يعد كافيًا لتشكيل سردية حضارية متجددة.
حتى المتاحف التي تضم تحفًا نادرة، تبقى أسيرة النمط نفسه، سواء من حيث التعريف بالمادة الفنية أو من حيث تكرار المعروضات: لوحات، نقوش، مسكوكات، كتابات منقوشة، وغيرها.
ويبدو أن المؤسسات المتحفية العربية لم تستوعب بعد أهمية التحوّلات التاريخية التي تمر بها المنظومة الفنية، حيث ما زالت الجهات الوصية تنظر إلى المتحف مؤسسةً نخبوية، وهو ما يخلق فجوة بينها وبين الجمهور، ويُعزّز صورة المتحف بوصفه ترفًا لا ضرورة ثقافية له.
ويفاقم من ذلك غياب شبكة ثقافية مؤسَّسة على بنية فنية قوية تُعنى بالتعريف بالتحف وتقديمها للجمهور.
كما أن ندرة المتخصصين في علم المتاحف (Muséologie) تفاقم هذا القصور، إذ يُنظر إلى عمل أمين المتحف كمهمة إدارية أو جولة في تاريخ الفن العالمي، لا أكثر.
ومع حلول اليوم العالمي للمتاحف قبل أيام، تظهر الحاجة إلى وقفة نقدية أمام الثقافة المتحفية العربية، التي لا تزال عاجزة عن مواكبة الزخم الفني المتصاعد.
فمصممو الأزياء العرب قدموا مشاريع فنية مغايرة، لكنهم نادرًا ما يلقون اعترافًا رسميًا، إلا في بعض التجارب الخليجية، بسبب عدم اقتناع المؤسسات الفنية بأن تصميم الأزياء يُعدّ جزءًا من الفن المعاصر.
عندما يُنجز المصمم عملاً يمتلك حسًا بصريًا متفرّدًا، ويستمدّ أبعاده الجمالية من بيئته المحلية أو العربية، فإن هذا العمل يتحوّل إلى وثيقة بصرية يمكن أن يستفيد منها الباحثون، والمخرجون، والمؤرخون، في دراسة أنماط اللباس والزينة في مراحل تاريخية محددة.
كما تتيح هذه التصاميم فهماً لطبيعة الأقمشة، وأساليب صناعتها، والأنساق الجمالية التي يعتمدها المصمم في بناء أسلوبه الفني.
غياب متاحف متخصصة في الأزياء والزينة لا يرتبط بضعف الموارد فقط، بل يعكس خللاً بنيويًا في التفكير المؤسسي، وتكرارًا لممارسات فنية تقليدية تجعل المتحف العربي مساحة مغلقة، عاجزة عن الاندماج في الفضاء العام أو إعادة تمثّل التعبيرات الفنية الجديدة، كالرسم، والأزياء، والسينما، على أنها رأسمال ثقافي يجب الحفاظ عليه والتعريف به بأسلوب علمي وموضوعي يعكس عمق التجربة الجمالية في العالم العربي.
أشرف الحساني