
مهدد بحرب أهلية.. هل ينجح لبنان في إقناع "حزب الله" بحصر السلاح؟
تشهد الساحة السياسية اللبنانية جدلاً متزايداً، عقب قرار مجلس الوزراء، الصادر يوم 5 أغسطس الجاري، والقاضي بحصر السلاح بيد الدولة، وبضمنه سلاح "حزب الله".
القرار يأتي في سياق مساعي الرئاسة والحكومة اللبنانية للخروج من عنق الزجاجة، في ظل ضغوط غربية متزايدة لسحب سلاح "حزب الله"، وهو ما يعتبره الأخير استهدافاً مباشراً لـ"المقاومة".
الحزب، وبعد أيام من صدور قرار حصر السلاح وتكليف الجيش اللبناني بتنفيذ القرار قبل نهاية العام الجاري، خرج ملوحاً بالحرب الأهلية، وهو ما رفضته وحذرت منه الحكومة.
قرار مصيري
قرار نزع سلاح "حزب الله" وحصر السلاح بيد الجيش، يمثل خطوة ضرورية لإخراج لبنان من حالة الجمود السياسي والانهيار الذي ظل عليه منذ سنوات.
وبعد الضربات التي تلقاها الحزب على يد "إسرائيل"، وصولاً إلى اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وقيادات الصف الأول، واستهداف الآلاف من عناصره، أصبحت الأمور مواتية أمام الدولة اللبنانية لاتخاذ قرار بهذا الحجم.
لكن "حزب الله"، الخارج من الحرب مثقلاً بالخسارة، يرى في نزع السلاح قراراً غير لبناني، وهو ما ترفضه الحكومة، التي أكدت يوم الجمعة (15 أغسطس 2025)، على لسان رئيسها نواف سلام، أن القرار لبناني صرف، يستند إلى اتفاق الطائف (سبتمبر 1989)، الذي نص بوضوح على بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.
ويواجه لبنان ضغوطاً خارجية كبرى من الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى، لتسريع عملية نزع سلاح "حزب الله"، مقابل ضمانات دولية وانسحاب "إسرائيل" من لبنان.
ويتولى المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان وسوريا، توم باراك، التنسيق مع الحكومة اللبنانية لتنفيذ خطة نزع سلاح الحزب، بموجب الورقة الأمريكية التي سلمها للحكومة في يونيو الماضي.
موقف الحزب
"حزب الله" وصف تلك الورقة في وقت سابق بأنها "استسلامية"، معلناً رفضه الحديث عن نزع سلاح الحزب باعتباره وُجد للدفاع عن لبنان.
وبعد صدور قرار الحكومة في (5 أغسطس 2025) بحصر السلاح بيد الجيش قبل نهاية العام الجاري، وبضمنه سلاح "حزب الله"، صعّد الأخير لهجته ضد الحكومة، متهماً إياها بالارتهان لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة.
وفي خطاب بمناسبة ذكرى "أربعينية الإمام الحسين" يوم (15 أغسطس 2025)، قال نعيم قاسم، أمين عام "حزب الله": إن "المقاومة لن تسلّم سلاحها طالما أن الاحتلال الإسرائيلي قائم".
وأضاف قاسم قائلاً: "سنخوض معركة كربلائية إذا لزم الأمر لمواجهة المشروع الإسرائيلي الأمريكي مهما كلفنا ذلك"، محملاً الحكومة اللبنانية المسؤولية الكاملة عن أي فتنة داخلية، وعن تخليها عن واجبها في الدفاع عن الأراضي اللبنانية، حسب قوله.
وسرعان ما رد رئيس الحكومة اللبنانية على تصريحات أمين عام "حزب الله"، وقال إنها تحمل تهديداً مبطناً بالحرب الأهلية.
وأوضح سلام في حوار مع "الشرق الأوسط" نُشر يوم (15 أغسطس 2025)، أنه لا يوجد أحد في لبنان اليوم يريد الحرب الأهلية، وأن التهديد والتلويح بها مرفوض تماماً.
الموقف الأمريكي
وفي ظل هذا الجدل والتصعيد الكلامي بين الحكومة و"حزب الله"، يواصل المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا ولبنان مساعيه وضغوطه من أجل تنفيذ مضمون الورقة الأمريكية، التي تتضمن خطوات عملية لضمان نزع سلاح الحزب، وانسحاب "إسرائيل" من لبنان.
وقال باراك، في تصريحات يوم الاثنين (18 أغسطس 2025)، إن على "إسرائيل" أن تتحرك بعد إعلان لبنان التزامه بنزع سلاح "حزب الله"، لافتاً إلى أن إيران ستكون شريكة في الأمر أيضاً.
وأجرى المبعوث الأمريكي، يوم الأحد (17 أغسطس)، مباحثات مع الرئيس اللبناني جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس البرلمان نبيه بري، بهدف مناقشة المقترح الأمريكي لتثبيت وقف الأعمال العدائية بين لبنان و"إسرائيل"، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
وتنص الورقة الأمريكية على عدة نقاط، منها تنفيذ خطوات متبادلة بين "لبنان" و"إسرائيل" على مدى 120 يوماً، يتم خلالها نزع سلاح "حزب الله"، مقابل انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي من خمس نقاط حدودية، ووقف عمليات الاغتيال والاعتداءات على الأراضي اللبنانية.
وتحضر إيران في المشهد من خلال تصريحات أطلقها قادة إيرانيون تضمنت دعوة للبنان بعدم التفريط في سلاح "حزب الله"، وكذلك الزيارة التي قام بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني (13 أغسطس 2025) إلى بيروت ولقائه بالرئيس عون.
ويخاطب لبنان الجانب الإيراني بصراحة فيما يتعلق بالخطوات التي يتخذها لمصلحة الدولة، وفي المقدمة قرار حصر السلاح، وأكد الرئيس اللبناني للاريجاني رفض أي تدخل في شؤون بلاده الداخلية من أي جهة.
قرار متأخر
الحديث عن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ليس جديداً، ووفقاً للصحفي والمحلل السياسي اللبناني مصطفى العويك، فإن إقراره جاء متأخراً أكثر من 30 سنة، أي منذ إقرار اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان.
وأشار العويك ، إلى أن "القرار اتّخذ آنذاك ولم يُنفَّذ بالشكل المطلوب، حيث سلمت بعض المليشيات جزءاً صغيراً من سلاحها وبقي (حزب الله) وحيداً دون غيره لم يسلم سلاحه تحت ذريعة مواجهة العدو الإسرائيلي".
ولفت إلى أن ذلك "انعكس سلباً على مسار بناء الدولة اللبنانية، بمعنى أن الحزب استخدم سلاحه في التوقيت السوري الإيراني آنذاك بما يخدم مصالح هاتين الدولتين وليس لخدمة الاستقرار الداخلي اللبناني أو الدفاع عن الأراضي اللبنانية، بل تنفيذاً لأجندة إيرانية واضحة خاصة في حربي 2006 وحرب الإسناد الأخيرة، مما أخر ورشة بناء الدولة القوية الجامعة".
واستطرد قائلاً: "اليوم، الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام اتخذت قراراً تاريخياً في هذا الإطار، ولبنان أمام فرصة قد لا تتكرر لوضع البلاد على السكة الصحيحة وإطلاق ورشة البناء التي ينتظرها الجميع".
وشدد على أن الحكومة اللبنانية، ليس أمامها من خيار إلا النجاح، لافتاً إلى أن لديها غطاء دولياً وإقليمياً وشعبياً أيضاً، مضيفاً: "بحكمة وحزم الرئيس سلام، وحنكة الرئيس ميشال عون، ودور الرئيس نبيه بري في تدوير الزوايا سيتحقق مطلب حصرية السلاح".
مطلب الجميع
ويرى الصحفي العويك أن اللبنانيين جميعاً خبروا ويلات الحرب الأهلية ومآسيها، لافتاً إلى أنه ليس هناك أي نية لتكرار هذه التجربة حتى من "حزب الله"، وتابع بالقول: "الخلاف اليوم ليس طائفياً وإنما الجميع، ومن ضمنهم الشيعة وفي طليعتهم الرئيس بري، هم مع حصر السلاح، وإن اختلفت الآليات والوسائل".
وأشار إلى أن الجميع يثق بالجيش اللبناني وقيادته لتنفيذ قرار الحكومة بالشكل الذي يراه مناسباً بما يكفل السلم الوطني، واستطرد قائلاً: " لذلك فإن كلام الشيخ نعيم قاسم ليس له أي بعد سياسي لأنه يعرف في قرارة نفسه أن القرار اتُّخذ وأن الحزب مهما عاند سيرضخ لأمر الدولة".
وعن موقف إيران، يقول العويك: "إيران تريد جوائز ترضية في المنطقة انطلاقاً من لبنان، ومجيء علي لاريجاني يصب في هذا الاتجاه، لذلك وجدنا الشيخ نعيم رفع سقف الخطاب، ولكن هل سيبقى هذا السقف على حاله إذا نجحت المفاوضات الإيرانية الأمريكية في المنطقة؟".
دور إيجابي
يشيد العويك بدور دول مجلس التعاون الخليجي في إنقاذ ودعم لبنان، في كل الخطوات والإجراءات التي جرى اتخاذها خلال الفترة الماضية.
وقال: "الخليج هو دور الشقيق الأكبر الذي ساند ويسند على الدوام لبنان في كل حالاته، ففي زمن السلم كان الخليج موجوداً باستثماراته ودعمه للبنان واقتصاده الوطني، وفي زمن الحرب كان وسيطاً يتنقل من هنا إلى هناك لتقريب وجهات النظر والتوفيق بين الطرفين ليصل لبنان إلى بر الأمان".
ولفت الصحفي والمحلل السياسي إلى أن لبنان "مقبل مع الخليج على مزيد من الاستثمارات عندما تنهي الدولة مسألة حصرية السلاح بيدها".