اختراق إسرائيل يصيب الحوثي بهوس الاعتقالات
الرأي الثالث
تتواتر بيانات الإدانة والمطالبة للحوثيين بإطلاق سراح الصحافيين المعتقلين في سجونهم السرية بالتزامن مع حملة اعتقالات واسعة طاولت الموظفين الأمميين والدوليين.
واليوم جددت نقابة الصحافيين اليمنيين مطالبتها بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحافيين ماجد زايد والكاتب أوراس الإرياني، المحتجزين لدى جماعة الحوثي منذ الأسبوع الأخير من الشهر الماضي،
"وسط غياب أي مسوغ قانوني أو إجراءات قضائية شفافة تبرر استمرار اعتقالهما".
وفي بيانها قالت النقابة إن احتجاز الصحافيين "لمجرد آرائهما أو نشاطهما المهني يُعد انتهاكاً صارخاً لحرية التعبير وحق الصحافة في أداء دورها الرقابي"،
واعتبرت هذا السلوك "مخالفة صريحة للدستور اليمني والقوانين المحلية والمواثيق الدولية التي تكفل حرية الصحافة والرأي".
وعرف عن الكاتب والشاعر الشاب أوراس الإرياني تناولاته الجريئة ومواقفه النقدية التي تدعو إلى الديمقراطية والعدالة والحرية كنهج جعل منه واحداً من أبرز الأصوات المعارضة لصور القمع والاستبداد الحاصلين في مناطق سيطرة الميليشيات المنقلبة عام 2014.
ويرجح مراقبون أن اعتقاله من قبل الجماعة الأصولية جاء على خلفية كتابات نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي تسخر من "نكبة الانقلاب" الحوثي بالتزامن مع ذكرى سيطرتهم على العاصمة صنعاء في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2014 التي يسمونها ثورة.
اختفاء غامض واتصال يتيم
وفي تطور مفاجئ بمسار قصة اختفائه، كشفت إيناس محمد، زوجة الكاتب الإرياني، عن تلقيها اتصالًا هاتفياً نادراً من زوجها،
وقالت في منشور مؤثر لها على حسابها بـ"فيسبوك"، "اتصل بي أوراس وقال لي (اطمئنوا، أنا بخير ومشتاق لكم)"، وأضافت "ندعو الله أن يفرّج عنه بحوله وقوته، يا رب".
وعلى رغم قصر زمن الاتصال، فقد منح أسرته ومحبيه بصيص أمل في ظل استمرار الضغوط المحلية والدولية على الحوثيين للإفراج عن المعتقلين السياسيين والنشطاء والإعلاميين.
ويُعد هذا الاتصال من أبرز التطورات منذ اعتقال الإرياني في ظروف غامضة، دون توجيه أي تهم رسمية أو تمكينه من التواصل مع محامٍ أو أسرته، مما أثار مخاوف واسعة في شأن سلامته الجسدية والنفسية.
إسكات الأصوات المستقلة
ومنذ لحظة اختفائه أثارت قضية الإرياني رد فعل واسعاً في الأوساط الثقافية والسياسية والإعلامية، حيث اعتبر ناشطون وكتّاب أن عملية اعتقاله بتلك الطريقة رسالة ترهيب حوثية معتادة هدفها إسكات الأصوات المستقلة
بالتزامن مع خشيتهم السنوية من ذكرى ثورة الـ26 من سبتمبر 1962، التي قضت على نظام الأئمة الزيدية التي يمثل الحوثي امتداداً لنهجها الأيديولوجي وفكرها الطائفي الذي يدعي "الحق الحصري" في حكم اليمنيين وفق "الاصطفاء والحق الإلهي في الحكم"، كما طالبت منظمات حقوقية محلية ودولية بسرعة الإفراج عنه.
وتعود قصة اختفائه عندما خرج من منزله قرب منتصف الليل للشراء قاصداً بقالة بالجوار ولكنه تأخر، وعقب اتصالات متكررة من زوجته تفاجأت بانشغال هاتفه ثم إغلاقه تماماً، قبل أن يأتي الاتصال اليتيم المقتضب عقب أسابيع على اختفائه ليمنحها شيئاً من الأمل المنتظر.
وتأتي هذه التطورات في ظل وضع سياسي وأمني بالغ الحساسية تعيشه الميليشيات عقب تصفية حكومتها على يد الجيش الإسرائيلي سببت لها إرباكاً ملحوظاً من خلال تصعيد حملات اختطاف وإخفاء للصحافيين والناشطين والعاملين في المنظمات الإنسانية والأممية
وهو ما اعتبر، وفقاً لمراقبين، اختراقاً أمنياً فادحاً وغير مسبوق أصاب الجماعة بهستيريا الاعتقالات في محاولة لابتزاز المجتمع الدولي والأممي لوقف استهدافها الذي بلغ عصب قوامها البشري وآخره ما أعلنته أول من أمس الخميس مقتل رئيس أركان قواتها محمد الغماري، القيادي البارز والمقرب من زعيم التنظيم،
غير أن هذا الإجراء يهدد بتقويض الجهود الأممية والدولية لإغاثة ملايين المدنيين المتضررين من الحرب المستمرة في اليمن منذ أكثر من 10 أعوام تجلت صورها بوقف المساعدات الإنسانية عن آلاف الأسر التي تقبع بلا حيلة في مخيمات النزوح المنتشرة في عدد من مناطق محافظتي حجة (شمال) والحديدة (غرب) وتسبب وقفها في وفاة عدد من النازحين.
كتّاب في الأمن الوقائي
وفي موقف مشابه ومتزامن، اعتقلت الميليشيات الصحافي ماجد زايد من أحد شوارع العاصمة صنعاء، ونقلته إلى أحد سجونها السرية، بعد ساعات من اعتقال أوراس الإرياني، في سياق حملة أمنية تستهدف منع أي مظاهر شعبية للاحتفال بـ"العيد الوطني الـ63 لثورة الـ26 من سبتمبر" في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وبحسب مصادر حقوقية محلية، فإن عناصر تابعة لجهاز الأمن الوقائي التابع للحوثيين قامت بملاحقة الصحافي زايد، المعروف بنشاطه الإعلامي المستقل، قبل أن يتم اقتياده إلى جهة مجهولة، وسط تكتم شديد على مكان احتجازه وظروفه الصحية.
وفي مطالبة شملت كافة الكتاب المعتقلين في سجون الجماعة المدعومة من النظام الإيراني طالبت النقابة بالإفراج عن "جميع الصحافيين والإعلاميين المختطفين والمحتجزين لديها منذ فترات سابقة،
بينهم وحيد الصوفي ونبيل السداوي ومحمد المياحي ووليد غالب وعبدالعزيز النوم وعبدالجبار زياد وحسن زياد وعبدالمجيد الزيلعي وعاصم محمد"، الذين قالت إنهم "يدفعون ثمن التزامهم المهني في ظروف إنسانية بالغة القسوة".
ودعت النقابة المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة وحقوق الإنسان، وعلى رأسها الاتحاد الدولي للصحافيين واتحاد الصحافيين العرب، إلى التحرك الفوري للضغط من أجل إطلاق سراح الصحافيين وضمان سلامتهم الجسدية والنفسية، ووقف ممارسات تكميم الأفواه التي تقوّض ما تبقى من الحريات العامة في البلاد.
الخوف من سبتمبر
وكما هي الحال في نهجها المبدئي من المظاهر الوطنية كافة التي تقف على النقيض من مشروعها الطائفي، يُفهم من الحملة الحوثية في إطار إجراءاتها الاستباقية القمعية للدعوات اليمنية الواسعة إلى الاحتفاء بذكرى ثورة سبتمبر،
تجنباً لانكشاف مماثل للضيق والغضب الشعبي الكبير الذي عبرت عنه احتفالات الأعوام الماضي، التي كادت تتحول لثورة ضد الجماعة، فسعت إلى إسكات كل الأصوات المنتقدة أو الداعية إلى الاحتفاء بالذكرى لبث الخوف في نفوس الناس.
في العام الماضي سبق وحذر السياسي الموالي للحوثيين محمد المقالح الجماعة من مغبة قمع احتفالات ذكرى ثورة الـ26 من سبتمبر، محذراً من أن أي عمل عدواني سيؤدي إلى نتائج عكسية.
وفي تغريدة له عبر منصة "إكس"، أكد المقالح أن الهلع الذي تشعر به جماعة الحوثي من الاحتفالات الشعبية سيدفعها إلى اتخاذ قرارات متهورة، مشيراً إلى أن أي سلطة تخشى من احتفال شعبها بذكرى ثورته هي سلطة آيلة للسقوط،
وقال "سلطة تخاف من احتفال شعبها بذكرى أهم ثوراته الشعبية ضد الاستبداد اقرأ عليها السلام".
وتشير الأحداث إلى أن أي نقد أو احتجاج بمثابة الكابوس الذي تخشى الميليشيات تحوله إلى غضب شعبي عارم يتوقع مراقبون حدوثه في أي لحظة نظراً إلى السياسات القمعية الرهيبة ونهجها الإقصائي وسياسات التجويع العامة والإغداق بالمقابل على السلالة وأتباعها لضمان ولائهم إلى درجة الإثراء الفاحش في حين ترفض بصورة قطعية صرف مرتبات الموظفين على رغم مضاعفة الجبايات التي توردها.
توفيق الشنواح
صحافي وكاتب يمني
