
انتهاء حرب غزة يُعَقِّد خيارات الحوثيين العسكرية
الرأي الثالث - الشرق الأوسط
رغم فقدان الحوثيين ورقة التعبئة الداخلية ومبررات أنشطتها العسكرية خارج الجغرافيا اليمنية؛ فإن الجماعة أظهرت نيات للاستمرار في التصعيد لأسباب مرتبطة بنفس الصراع، في حين يرى مراقبون أن خيارات الجماعة زادت تعقيداً.
ففي أعقاب توقيع اتفاق إنهاء الحرب في قطاع غزة منذ عامين، أعلن عبد الملك الحوثي، شروع جماعته في رصد ومراقبة الأحداث، مبدياً عزمها على التعليق واتخاذ المواقف تجاه أي مستجد فيها يتطلب ذلك، واستمرار حالة الجهوزية لمراقبة تنفيذ الاتفاق، ملمحاً إلى دورها فيما سماه «الفشل الإسرائيلي» في تحقيق الأهداف.
خلال خطابه الأسبوعي، تباهى الحوثي بتنفيذ 1835 عملية، ما بين صواريخ باليستية ومجنحة وفرط صوتية وطائرات مسيرة، وزوارق حربية، منذ بدء الحرب في غزة، ولجأ إلى التحذير من توجه إسرائيل لعمل عسكري جديد، وهو ما يستدعي (وفق قوله) استمرار الإعداد لجولات مقبلة من الصراع، رغم إعلان وقف إطلاق النار، وعدّ ما جرى خلال العامين الماضيين جولة واحدة منه.
عَكَسَ الخطاب رغبة الجماعة في استمرار التصعيد العسكري ضد إسرائيل، من خلال إشارة زعيمها إلى أن عدم تحقق النتائج المرجوة من اتفاق وقف إطلاق النار سيكون دافعاً لمواصلة ما سماه «مسار الدعم والإسناد».
ويصعب التنبُّؤ بتصرفات وتحركات الجماعة الحوثية في الوضع الراهن، وفقاً لحديث علي الصراري مستشار رئيس الوزراء ، فانتهاء الحرب في غزة وضعها في مأزق، بعد أن كانت ادعاءاتها لمناصرة سكان القطاع ساعدتها في ترتيب أوضاعها الداخلية وحشد المقاتلين وتوسيع نفوذها الداخلي، وكانت من أكثر الجهات التي استفادت من هذه الحرب.
ويضيف المستشار علي الصراري أنه من المهم بالنسبة للجماعة أن تسعى إلى تجنب المزيد من الهجمات الإسرائيلية والأميركية، رغم أنها ستظل خاضعة للقرار الاستراتيجي للنظام الإيراني الذي يشترط على حلفائه حمايته في المقام الأول، والذي لا يزال يحافظ على بعض نفوذه في المنطقة، ولا يريد التخلي عن البحر الأحمر كورقة ضغط وابتزاز في مواجهة الولايات المتحدة.
ومن المرجَّح، طبقاً للصراري، وهو أيضاً قيادي في الحزب الاشتراكي اليمني، أن يسعى الحوثيون إلى محاولة إعادة إحياء خريطة الطريق الأممية للحل السلمي في اليمن، التي لم يجرِ التفاوض حولها بسبب التصعيد العسكري الحوثي خارج اليمن.
ورغم أن الوضع قد تغير. ولم يعد بالإمكان العمل بتلك الخريطة، فإن الجماعة ستسعى من خلال تهديدها الإقليمي في سبيل ذلك.
وكان هانس غروندبرغ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تقدم نهاية 2023 بخريطة طريق للحل السلمي في اليمن، إلا أن النشاط العسكري للجماعة الحوثية في البحر الأحمر وهجماتها ضد إسرائيل عطل إمكانية البدء في تنفيذها.
ورطة عسكرية
تُعدّ الأوضاع الداخلية عاملاً مهماً في موقف الجماعة الحوثية بعد انتهاء الحرب في غزة؛ حيث ستجد نفسها غير قادرة على التعبئة تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين، وبحاجة لتبرير استمرار الأزمات المعيشية والخدمية وانقطاع رواتب الموظفين العموميين.
ويذهب فارس البيل، الأكاديمي والباحث السياسي اليمني إلى أن الجماعة تشعر بورطة عسكرية وسياسية بعد اتفاق التهدئة في غزة، لفقدانها مبررات مغامراتها العسكرية التي تشكل خط دفاع أولياً للنظام الإيراني، وتخدم طموحاته ورغباته من تصعيد وتهديد وابتزاز للغرب واستنزافه في المنطقة.
وبحسب إفادة البيل ، فإن الجماعة الحوثية هربت بنشاطها العسكري ضد إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر من تبعات السخط الشعبي عليها، وعادت بمبرر تلك المواجهة إلى ممارسة الحشد العسكري الذي تراجع بسبب الهدنة الداخلية، ووجدت فرصتها لعسكرة الحياة وتشديد قبضتها الأمنية والسيطرة الداخلية ومضاعفة نهب الأموال العامة والخاصة وممارسة الابتزاز داخلياً وخارجياً.
وبسبب مغامرات الجماعة، فإن المعادلة اختلفت عمّا كانت عليه سابقاً؛ حيث ذهبت الجماعة (بحسب البيل) أبعد مما يجب، وخسرت دعماً من أطراف دولية كانت تتوقع منها التحول إلى حالة سياسية، وعوضاً عن ذلك أصبح عليها ثأر من إسرائيل لا يمكن تجاهله، وخسرت التفاوض السياسي، وأودت باليمنيين إلى المحرقة، ولم ينفع معها التعاطف الشعبوي والبطولات الزائفة.
إعادة تموضع
حشدت الجماعة أنصارها وأتباعها، الجمعة الماضي، في مختلف مناطق سيطرتها، تحت دعوى «تتويج عامين من نصرة فلسطين»، وزعمت في خطابها المصاحب لتلك الفعاليات أنها بمساهمتها في إسناد الفلسطينيين، تمكنت من تطوير قدراتها العسكرية على كل المستويات، وتحقيق حضور في الساحة العالمية.
ويضع الباحث محمد عبد المغني احتمالين لتوجهات الجماعة بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة؛ فقد تذهب نحو التهدئة المؤقتة وإنهاء نشاطها العسكري بسبب سقوط الهالة الدعائية المتمثلة في ذريعة مناصرة غزة، أو «استمرار تهديداتها تحت ذريعة الجاهزية للعودة في حالة تعثر تنفيذ الاتفاق»، كما ورد في تصريحات زعيمها عبد الملك الحوثي.
وفقد الحوثيون فعلاً مبرراتهم المباشرة، لكنهم لم يفقدوا مبرراتهم الاستراتيجية والسياسية، وفقاً لحديث عبد المغني ، لأنهم في المجمل يستخدمون الصراع وقتالهم منذ سنوات أداةَ ضغطٍ سياسية لتقوية موقفهم وموقف إيران؛ سواء في مفاوضات مستقبلية على المستوى الداخلي أو الإقليمي، فهذه المبررات أصبحت جزءاً من مشروع سياسي وآيديولوجي مرتبط بالنظام الإيراني.
وتبعاً لذلك، فإن التنبؤ بأي تحرك للجماعة لا بد أن يرتبط (بحسب عبد المغني) بموقف إيران، وحتى لو انتهت الحرب تماماً في غزة، فإنها ستبحث عن مبررات جديدة لاستمرارها في التصعيد.
وفي حين يتوقع أن تتجه الجماعة إلى مرحلة إعادة تموضع، والمحافظة على وتيرة منخفضة من التصعيد، ومحاولة الوصول إلى توازن بين التهدئة الإقليمية والحفاظ على سيطرتها الداخلية واستمرار انتهاكاتها بحق السكان، يرى أن ذلك سيشمل بقاء البحر الأحمر ورقة ابتزاز وضغط بيد إيران، ولكن بشكل محسوب لتجنب ردود فعل دولية قاسية.
وبعد أن كانت تستخدم الجماعة الحوثية أنشطتها العسكرية لتحقيق رغبتها في التحول إلى قوة مؤثرة في المنطقة، ستواجه (طبقاً لعبد المغني) خطر فرض العزلة السياسية، بعد أن ظهر تغير، وإن كان غير كبير، في الموقف الأوروبي تجاهها بعد عمليتها الأخيرة في البحر الأحمر، التي استهدفت سفينة هولندية.