
غروندبرغ: الوضع في اليمن هش والانقسامات تتفاقم
الرأي الثالث
وصف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص باليمن، هانس غروندبرغ، الوضع في اليمن بأنه هشّ، رغم استمرار الهدوء النسبي على خطوط المواجهة، مؤكدًا أنه لا يمكن التنبؤ بما قد يحدث على الأرض،
ومحذرًا في الوقت ذاته من استمرار العمليات العسكرية في محافظات مثل الضالع والجوف ومأرب وتعز وصعدة. وأعرب عن قلقه أيضًا إزاء تحركات قوات عسكرية باتجاه الضالع ومأرب وتعز،
مشيرًا إلى "وجود رغبة لدى بعض الأطراف، على جانبي الصراع، في التصعيد العسكري". جاء ذلك خلال إحاطته أمام مجلس الأمن أثناء اجتماعه الشهري حول اليمن.
ورحب المسؤول الأممي بوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، معبرًا عن أمله في أن "يُتيح الاتفاق المجال اللازم لاستعادة زخم الدبلوماسية، بما في ذلك في اليمن".
وأشار إلى استمرار الهجمات الصاروخية، معربًا عن قلقه العميق "إزاء التصعيد في البحر الأحمر، حيث شنّ الحوثيين هجمات على سفينتين تجاريتين في وقت سابق من هذا الأسبوع، ما أسفر عن خسائر في الأرواح وإصابات بين المدنيين،
بالإضافة إلى احتمال وقوع أضرار بيئية".
وأضاف أن هذه أول هجمات على سفن تجارية منذ أكثر من سبعة أشهر، مشيرًا كذلك إلى الغارات التي شنتها إسرائيل على صنعاء، إضافة إلى موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف ومحطة كهرباء.
وأعرب المبعوث الأممي عن قلقه من أن اليمن قد ينزلق إلى مزيد من التورط في أزمات إقليمية، محذرًا من أن ذلك قد يهدد بتقويض الوضع الهش للغاية في البلاد أساسًا.
وشدد على ضرورة حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر ومنع استهداف البنية التحتية المدنية ضمن الصراع. وأكد غروندبرغ أن المخاطر التي يواجهها اليمن "كبيرة للغاية"،
لافتًا إلى أن مستقبل البلاد يعتمد على "عزمنا الجماعي لحمايته من المزيد من المعاناة ومنح شعبه ما يستحقه من أمل وكرامة".
الوضع داخل اليمن
وشدد غروندبرغ على أن "الوقت ليس في صالحنا. كلما طال أمد الصراع، ازداد تعقيدًا. هناك خطر من تفاقم الانقسامات، ولذلك من المهم لكلا الجانبين عدم الانخراط في أي نشاط أحادي الجانب يضرّ بجميع اليمنيين.
يجب على الجانبين إظهار استعداد حقيقي لاستكشاف السبل السلمية وتهيئة الظروف لتحقيق استقرار دائم".
وأضاف: "من المؤشرات المهمة في هذا الصدد إطلاق سراح جميع المعتقلين المتبقين (...) إذ اتفق الطرفان على إطلاق سراح الجميع مقابل الجميع، والآن حان الوقت للوفاء بهذا الالتزام".
وحذر غروندبرغ من تدهور إضافي للوضع الاقتصادي، ما يزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي وخطر المجاعة.
وقال: "يُعدّ الاقتصاد مجالًا يمكن فيه للتعاون العملي بين الأطراف أن يُحدث تغييرًا هادفًا وتأثيرًا إيجابيًا وفوريًا على حياة اليمنيين".
وأضاف: "في الأسابيع الأخيرة، رحبنا بافتتاح طريق الضالع، الذي زاد من حرية الحركة ووسع آفاق النشاط الاقتصادي، وهذا يُظهر ما هو ممكن".
وفي هذا السياق، رحّب المبعوث الأممي بفتح طريق الضالع لما له من أثر في تعزيز حرية التنقل وتوسيع النشاط الاقتصادي، مؤكدًا أن هذه الخطوة تجسّد إمكانية تحقيق تقدم ملموس على الأرض.
كما تناول في إحاطته النقاشات التي أجراها مع رئيس الوزراء، سالم بن بريك، في عدن، والتي ركزت على تدابير عملية مثل صرف الرواتب كاملة دون تأخير، وتحسين القدرة الشرائية والخدمات العامة، وتحفيز الاقتصاد،
إضافة إلى تمكين الحكومة من استئناف إنتاج وتصدير النفط والغاز.
أولويات المرحلة المقبلة
وأعرب غروندبرغ عن أمله في أن يكون هناك تحول إيجابي في المنطقة نحو مزيد من الاستقرار، مشيرًا إلى أن ذلك قد "يسهم في تهيئة بيئة مواتية لليمن للمضي قدمًا، ولكن هذا لا يمكن أن يكون شرطًا مسبقًا للتغيير.
يجب على اليمن أن يتقدم بغض النظر عن ذلك، بالانتقال من مجرد إدارة الصدمات والتقلبات إلى وضع خطوات عملية تُمهّد الطريق لحلول دائمة".
وشدد غروندبرغ على ثلاث أولويات ضرورية لتحقيق ذلك،
أولها خفض التصعيد على خطوط المواجهة، والعمل مع الأطراف على وضع معايير لوقف إطلاق نار شامل على الصعيد الوطني.
وثانيها تمهيد الطريق للمحادثات بين الطرفين، بما يشمل تدابير اقتصادية وإنسانية وعملية سياسية.
وثالثها مواصلة العمل مع دول المنطقة والمجتمع الدولي بشأن الضمانات الأمنية الأوسع، بما في ذلك حرية الملاحة في البحر الأحمر.
وأضاف: "أولًا وقبل كل شيء، يجب أن يثق اليمنيون بأي اتفاق يتم التوصل إليه، ويجب على المنطقة والمجتمع الدولي أيضًا أن يثقا بأن شواغلهما قد تمت معالجتها. بهذه الطريقة نبني هيكل دعم مستدام لتسوية تفاوضية".
الوضع الإنساني
من جهته، حذر مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية، توم فليتشير، من "تسارع أزمة الأمن الغذائي في اليمن بشكل كبير منذ أواخر عام 2023. اليوم، يعاني أكثر من 17 مليون شخص في اليمن من الجوع، وقد يرتفع هذا العدد إلى أكثر من 18 مليونًا بحلول سبتمبر".
وأضاف: "يعاني أكثر من مليون طفل دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم، وقد يرتفع هذا العدد إلى 1.2 مليون بحلول أوائل العام المقبل، مما يعرض الكثيرين لخطر الإصابة بأضرار صحية وذهنية دائمة".
وأشار فليتشير إلى أن اليمن لم يشهد "مثل هذا المستوى من الحرمان منذ ما قبل الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في أوائل عام 2022".
وقال إن المجتمعات المحلية في محافظات حجة والحديدة وعمران تنزلق إلى حالة من انعدام الأمن الغذائي الحاد وظروف شبيهة بالمجاعة، بينما يتراجع التمويل الدولي للمساعدات، مما يحد من القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية.
وحذر أيضًا من فجوة التمويل الهائلة في خدمات الصحة والحماية المنقذة للحياة، خاصةً لـ 6.2 ملايين امرأة وفتاة يواجهن خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي،
مؤكدًا أن "نقص الموارد يعرّض حياة عدد لا يحصى من الناس للخطر ويدفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار".
وختم فليتشير بالتأكيد على ثلاث أولويات، وهي زيادة التمويل الآن لتوسيع نطاق الدعم الغذائي والمساعدات الطارئة.
ومواصلة الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني المعتقلين،
اتخاذ خطوات فعّالة لدعم القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني وضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين.