
آخرها "حماية حضرموت".. ما وراء تزايد التشكيلات العسكرية في اليمن
على وقع حالة اللاسلم واللاحرب التي يعيشها اليمن منذ عام 2022، تشهد الساحة اليمنية تأسيس المزيد من التشكيلات العسكرية التي تنشأ على امتداد الجغرافيا الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.
آخر تلك التشكيلات هو إعلان تشكيل "قوات حماية حضرموت"، سبقتها تشكيلات مماثلة، منها قوات دفاع شبوة، ودرع الوطن، والعمالقة، والمقاومة الوطنية، واليمن السعيد، والنخبة الشبوانية والحضرمية، وغيرها.
تعكس هذه التشكيلات حالة الانقسام التي تعصف بالمشهد السياسي في اليمن، في ظل انكفاء الملف اليمني أمام ملفات أكثر إلحاحاً، أبرزها الحرب في غزة، والوضع في سوريا ولبنان، والحرب بين "إسرائيل" وإيران.
نشوء تلك التشكيلات يأتي على حساب القوات الموالية للحكومة والمنضوية تحت مظلة وزارة الدفاع، والتي باتت من بين الأقل قدرة مالياً وتسليحاً وإمكانات، فماذا يعني تزايد التشكيلات المسلحة في اليمن بهذا التوقيت؟
حضرموت في الواجهة
تتصدر حضرموت منذ مدة المشهد السياسي المعقد والملتهب في اليمن، خصوصاً في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، إذ تشهد المحافظة الأكبر مساحة، والأغنى من حيث الثروات، حالة استقطاب قبَلي وسياسي كبيرة، وسط تنامي نزعة ذاتية تطالب بمنح المحافظة حالة استقلال بعيداً عن مشروع الدولة الواحدة، أو الانفصال الذي ينادي به المجلس الانتقالي الجنوبي.
وعلى وقع هذا الاستقطاب، أعلن رئيس حلف قبائل حضرموت، في 12 أغسطس 2025، تشكيل ما يُسمى بـ"قوات حماية حضرموت"، وخلال الفترة التي أعقبت الإعلان جرى تشكيل أربعة ألوية عسكرية، جميع منتسبيها من أبناء المحافظة.
وبالرغم من أنه ليس أول تشكيل عسكري يتشكل في اليمن خلال السنوات الماضية، فإن الأمر الآن يختلف من حيث هيكل تلك القوات، إذ تتكوّن من قائد أعلى وقائد ميداني وأركان حرب وقادة ألوية، أي إنها قوات تشبه في بنائها هيكلية الجيوش النظامية.
ويتولى منصب القائد الأعلى لـ"قوات حماية حضرموت" رئيس حلف قبائل المدينة الشيخ عمرو بن حبريش العليي، ويتولى قيادتها الفعلية اللواء مبارك العوبثاني، بينما يتولى العميد سالم عمر بن حسينون أركان القيادة العامة.
ونفذت تلك القوات حفلات تخرّج مهيبة للمئات من منتسبيها بوادي حضرموت، في مشهد يعكس الجدية بتكوين قوة محلية تعزز فكرة الحكم الذاتي الذي تنادي به كثير من المكونات الحضرمية، وفي مقدمتها حلف القبائل وحلفاؤه.
فإلى جانب هذا المسعى المتعلق بتشكيل قوة عسكرية باسم الحلف، يعمل الأخير على إعداد وثائق الحكم الذاتي، بعد سجال استمر طويلاً مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وأيضاً في ظل حالة احتكاك مع المجلس الانتقالي المنادي بالانفصال.
تشكيلات أخرى
قوات "حماية حضرموت" آخر ثمار الانقسام الذي يعصف بالمشهد اليمني في مناطق الحكومة، لكنها ليست الأولى، إذ سبق أن تشكلت فصائل وتشكيلات مسلحة خارج سلطة وزارة الدفاع، التي تبدو الأقل قدرة وتسليحاً رغم الدعم الكبير الذي تلقته من التحالف، وتحديداً من السعودية.
أكثر من 10 فصائل أو تشكيلات مسلحة تتفاوت من حيث القوة والإمكانات والداعمون، وتنتشر في مناطق عدة، تنضوي جميعها تحت لافتة مواجهة الانقلاب الحوثي، لكن لأغلبها أجندة متضاربة تجعلها في حالة من الشلل.
تنتشر تلك التشكيلات بشكل أكبر في السواحل اليمنية على البحر الأحمر وخليج عدن، وكذا في محافظات الجنوب والشرق، وعلى امتداد الحدود السعودية مع اليمن.
وأبرز تلك التشكيلات القائمة حالياً:
- ألوية العمالقة: برزت خلال معركة تحرير محافظة الحديدة والمناطق الساحلية غرب اليمن عام 2017، وأغلب قوامها من أبناء المحافظات الجنوبية ومن التيار السلفي، ويقودها عبد الرحمن المحرمي الذي أصبح لاحقاً عضو مجلس القيادة الرئاسي، وهي لا تتبع وزارة الدفاع اليمنية.
- المقاومة الوطنية: تشكلت في أعقاب مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح أواخر عام 2017، ونشأت تحديداً في منطقة المخا على ساحل البحر الأحمر، ويقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق، الذي أصبح لاحقاً عضو مجلس القيادة الرئاسي، وشاركت في تحرير الحديدة، ولا تتبع بشكل مباشر وزارة الدفاع.
- قوات درع الوطن: أغلب منتسبيها من التيار السلفي، تشكلت مطلع عام 2022 بدعم من السعودية، وبعض قادتها من ألوية العمالقة الجنوبية، وصدر قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي بتحويلها إلى قوات احتياط عام 2023.
- الحزام الأمني: تشكلت هذه القوة في عدن عام 2016 بعد تحريرها من الحوثيين، وهي قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي وتنادي بالانفصال، وتُعرف أيضاً باسم قوات الدعم والإسناد.
- النخبة الحضرمية: تشكلت في أكتوبر 2016 في ساحل حضرموت بدعم من التحالف العربي، ولعبت دوراً في تحرير المكلا من عناصر القاعدة، وهي قوات أغلب منتسبيها من الموالين للمجلس الانتقالي الجنوبي.
كما برزت تشكيلات مختلفة منها قوات اليمن السعيد، والنخبة الشبوانية، وسابقاً ألوية المقاومة التهامية التي انضوى أغلب ألويتها تحت مظلة المقاومة الوطنية، ومؤخراً برزت "قوات الطوارئ اليمنية" في مأرب،
وهناك فصائل أخرى لا تتبع وزارة الدفاع وتنتشر بكثافة على طول الحدود بين اليمن والسعودية، من حضرموت مروراً بالجوف وصعدة وصولاً إلى حرض وميدي بمحافظة حجة شمال غرب البلاد.
ولا يمكن إغفال المقاومة الشعبية التي تشكلت في بدايات حرب استعادة الدولة اليمنية في تعز ومحافظات أخرى، وقد توزّع بعضها على الجيش الوطني التابع لوزارة الدفاع، في حين ظلت وحدات أخرى في وضعية الاستعداد لخوض معركة التحرير متى ما استدعيت لذلك، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور علي الذهب.
هدف سياسي
انتشار هذه التشكيلات يعكس أيضاً أجندة وأهدافاً سياسية عدة، ووفقاً للذهب فإن تلك الوحدات أو التشكيلات الجديدة أغلبها خارج مظلة وزارة الدفاع، و"هدفها سياسي خارجي وداخلي، بمعنى أنها تخدم أطرافاً داخلية لديها ارتباطات خارجية".
وأشار الذهب ، إلى أن الهدف من إنشاء تلك التشكيلات هو "خلق جيش جديد بهويات متعددة مغايرة لهويات الجيش اليمني السابق".
وأضاف أن تلك الفصائل أو التشكيلات "تمثل محاولة لكسر احتكار وزارة الدفاع من قبل بعض الأطراف، وإحداث نوع من التوازن أو خلق تفوّق على تلك القوات التي التفّت حول الشرعية بعد انقلاب 2014"،
متابعاً: "فذلك كلّه استهداف لما يُعرف بالجيش الوطني، والذي هو الآن تحت قيادة وزارة الدفاع، ويتمركز في تعز ومأرب وجزء من المنطقة الخامسة والثالثة والرابعة وغيرها".
هويات متناقضة
ويلفت الذهب إلى "محاولات إضفاء عقائد عسكرية وأمنية جديدة على التشكيلات المستحدثة، فضلاً عن خلق جيش بهويات متعددة متناقضة فيما بينها"، حسب قوله.
ويوضح أن تلك التشكيلات "يغلب عليها الطابع السلفي في الوقت الراهن، ما يعني تحولاً خطيراً خلال السنوات القادمة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية واليمن عموماً في حال تم اجتياح مناطق سيطرة الحوثيين واستعادتها".
واستطرد قائلاً: "أيضاً التقاليد العسكرية المتعارف عليها سقطت سقوطاً واضحاً، فالبزّة العسكرية وطبيعتها وشكل الجندي أو الضابط وهندامه تغيرت، فلم نكن نعهد ضابطاً بلحية كثيفة أو شعر متدل كالنساء".
ويبيّن أن ما هو موجود الآن "هو عبارة عن فِرَق حربية وأمراء حرب يقودها صاعدون من الميدان، لم يلتحقوا بأي مدرسة أو كلية، ولم يمرّوا بالتسلسل الأكاديمي العسكري المتعارف عليه، ومن ثم فإن تحصيلهم العسكري الاستراتيجي ليس سوى قشور، ومن الداخل هو خواء، حتى وإن أُضفي عليهم طابع أكاديمي".
وقال : "نحن أمام مأساة، مجموعة من الجيوش المؤدلجة بهويات مختلفة ومتناقضة، يقودها عصبويون سياسيون ومذهبيون، ويدينون بالولاء أكثر لأجندات خارجية أو داخلية تُقوّض البلد وتمزقه على أساس مذهبي ومناطقي ونحو ذلك".
ويعتقد الذهب أن "الهويات القائمة ليست فقط مذهبية ودينية، بل هي أيضاً أيديولوجية مناطقية وجغرافية، في الوقت الذي يجري فيه فرز قسري للجيش الوطني، وتحويله إلى مناطق شمالية مع بعض الوحدات فقط في المحافظات الجنوبية".