
«هدنة غزة»... ما خيارات الوسطاء في مواجهة خطة احتلال القطاع؟
الرأي الثالث - وكالات
بات احتلال قطاع غزة، تدريجياً أو كلياً، خياراً إسرائيلياً مطروحاً وسط جمود مفاوضات هدنة غزة منذ نحو أسبوعين، بعد انسحاب أميركي إسرائيلي للتشاور، تلاه اشتراط «حماس» إنهاء الأزمة الإنسانية بالقطاع للعودة للمحادثات.
ذلك الخيار المحتمل الذي سبق أن طبقته إسرائيل لمدة 38 عاماً بين عامي 1967 و2005، لم يعلق عليه الوسطاء لكنه تزامن لليوم الثاني على التوالي مع لهجة حادة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير خارجيته، بدر عبد العاطي، تجاه إسرائيل واتهامها بارتكاب «إبادة ممنهجة» ضد غزة.
وفي ظل تلك التطورات، يرى خبراء ، أن التوجهات الإسرائيلية لاحتلال قطاع غزة تدريجياً أو كلياً، تجعل خيارات الوسطاء محدودة للغاية،
مرجحين أن تكون «بين استمرار جمود المفاوضات لحين إحساس إسرائيل بخسائرها جراء ذلك السيناريو المهدد لها والعودة للمفاوضات، أو التحرك باتصالات مكثفة لكبح أي تصعيد جديد والذهاب لحوار جديد».
ويجتمع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية «الكابينت»، الخميس، برئاسة بنيامين نتنياهو لمناقشة خطة الاحتلال، حسب وسائل إعلام إسرائيلية، بعد عدم حسم اجتماع الثلاثاء لذلك الملف وسط خلافات داخلية وجمود بمفاوضات تسعى لهدنة ثالثة بعد هدنتين سابقتين في ديسمبر (كانون الأول) 2023، ويناير (كانون الثاني) 2025.
وكتبت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن «نتنياهو بهذه الخطة يسير عكس التيار كالمقامر، ويضحي بأرواح المختطفين (الرهائن) والجنود في غزة»، ونقلت عن مسؤول حكومي قوله، إن «كثيرين يرون أن التلويح باحتلال غزة بالكامل مجرد تكتيك ومحاولة للضغط»،
مرجحاً أن «نتنياهو لن يقيل رئيس الأركان (إيال زامير)، وقد يتفقان خلال اجتماع الخميس على عملية عسكرية محدودة لإظهار الحزم».
وبينما يقول الجيش الإسرائيلي عادة إنه يسيطر بالفعل على 75 في المائة من غزة حالياً، قال ثلاثة مسؤولين إسرائيليين لـ«رويترز»، الأربعاء، إن زامير عارض اقتراح نتنياهو احتلال باقي القطاع، وذلك في اجتماع شابهُ التوتر استمر ثلاث ساعات، الثلاثاء،
فيما قال مسؤول رابع إن نتنياهو يعتزم توسيع العمليات العسكرية في غزة بهدف «الضغط على (حماس)».
ذلك الجدل بشأن مخرجات اللقاء يأتي غداة قول الرئيس الأميركي دونالد ترمب للصحافيين، إنه ليس على علم بالخطط الإسرائيلية لكن أي قرار يتعلق باحتلال كامل قطاع غزة «يعود لإسرائيل»، حسب ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»،
متزامناً مع ما نقلته «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية من وجود ضوء أخضر أميركي للمضي في احتلال القطاع.
خطة إسرائيلية لاحتلال مدينة غزة ومخيمات الوسط: خمس فرق في خمسة أشهر
كشفت وسائل إعلام عبرية، مساء اليوم الأربعاء، بعض جوانب خطة احتلال قطاع غزة، قبيل المصادقة المتوقعة عليها في اجتماع المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية المقرر غداً الخميس.
وبحسب الخطة، سيقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بعمليات عسكرية في منطقتين، هما مخيمات الوسط ومدينة غزة، لمدة خمسة أشهر، وفق ما أفادت هيئة البث الإسرائيلية "كان".
وأضافت الهيئة أنه جرت مناقشة خطة احتلال قطاع غزة بين المستويين السياسي والعسكري حتى قبل انطلاق عملية "عربات جدعون"، التي كانت بمثابة حل وسط بين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ورئيس أركان الجيش إيال زامير، الذي أبدى معارضة لاحتلال القطاع، لكنه قال في جلسة عقدها نتنياهو في الأيام الأخيرة: "سننفذ ما يقرره المستوى السياسي".
من جانبها، أفادت القناة 13 العبرية بأن الجيش الإسرائيلي يستعد لعملية واسعة النطاق في غزة، من المتوقع أن تمتد على مدى خمسة أشهر، وتشمل توغّل خمس فرق عسكرية إلى داخل القطاع، والسيطرة على معسكرات وسط غزة ومدينة غزة نفسها.
وكجزء من الخطة، يُتوقّع أن ينزح نحو مليون فلسطيني نحو الجنوب، مع إدخال مساعدات إنسانية إلى داخل القطاع. ووفقًا لتقديرات الجيش، فإن احتلال المدينة قد يستغرق وقتًا قصيرًا نسبيًا، لكن القضاء الكامل على حركة "حماس" لا يبدو قريب المنال.
ولفتت القناة 13 إلى تحذير زامير لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من أن الخطة المتوقعة قد تُسفر عن مقتل عدد كبير من الجنود،
لكنه أوضح أنه مصمم على عرض جميع البدائل والتداعيات أمام المجلس الوزاري المصغر (الكابنيت)، الذي سينعقد غداً في تمام الساعة 18:00 لاتخاذ قرار بشأن المرحلة المقبلة من الحرب.
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية "كان"، فإن من بين أهداف المصادقة على الخطة، ممارسة الضغط على حركة "حماس" من أجل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين.
ونقلت القناة عن مسؤول لم تسمّه قوله إن احتمالية عودة "حماس" إلى طاولة المفاوضات قبل المصادقة على الخطة "شبه معدومة".
وذكرت القناة 13 أن رئيس حزب "شاس"، أرييه درعي، اختصر عطلته في الخارج وسيشارك في المناقشات غدًا. ويميل درعي، إلى جانب الوزير جدعون ساعر، إلى عدم دعم الخطة التي يقودها نتنياهو.
ومع ذلك، تتوقع التقديرات في الحلبة السياسية أن يحظى نتنياهو بأغلبية في الكابنيت تسمح بتمرير القرار.
وفي وقت سابق من اليوم، عقد زعيم المعارضة يئير لبيد اجتماعًا مع نتنياهو لتلقي تحديث أمني استمر نحو 40 دقيقة.
وقال لبيد بعد الاجتماع: "أنا لا أشارك عادةً المعلومات من الاجتماعات مع رئيس الوزراء، لكنني قلت له إن احتلال غزة فكرة سيئة للغاية، ولا ينبغي الانطلاق في عملية كهذه إلا إذا كانت تحظى بدعم غالبية الشعب.
وشعب إسرائيل غير مهتم بهذه الحرب، وسندفع ثمنًا باهظًا جدًا من حيث الأرواح، وكذلك مليارات من أموال دافعي الضرائب في إسرائيل".
وأضاف لبيد: "بدلاً من الاحتلال والضم غير الضروريين لغزة، علينا إدخال مصر إلى القطاع، ليكون هناك حكم بديل يدير غزة بدلاً منا، وبعدها ننتقل إلى الأمر الأهم، وهو القضاء على حماس.
لكن ذلك سيستغرق وقتًا. احتلال غزة فكرة سيئة من الناحية العملياتية، والأخلاقية (ربما في إشارة إلى احتمال مقتل المحتجزين الإسرائيليين)، والاقتصادية".
وتأتي هذه الخطة في ظل تباينات داخل دوائر الحكم والجيش الإسرائيلي بشأن جدوى السيطرة العسكرية الكاملة على قطاع غزة. إذ عبّر عدد من كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين، وعلى رأسهم رئيس الأركان إيال زامير، عن تحفظهم على خطة الاحتلال،
محذرين من تبعاتها الميدانية والسياسية والإنسانية، لا سيما في ظل غياب رؤية واضحة لليوم التالي. في المقابل، يضغط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبعض وزرائه من "الليكود" والتيارات اليمينية الأخرى باتجاه المضي قدماً في العملية،
معتبرين أن أي حل لا يتضمن اجتثاث حركة "حماس" من القطاع لن يكون كافياً.
وفي وقت سابق، رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإفصاح عمّا إذا كان يؤيد أو يعارض سيطرة إسرائيل المحتملة على قطاع غزة عسكرياً، مشيراً إلى أن تركيز إدارته ينصب حالياً على زيادة وصول الغذاء إلى القطاع.
وقال ترامب في تصريحات للصحافيين أمس الثلاثاء: "في ما يتعلق ببقية الأمر، لا يمكنني القول حقاً. سيكون ذلك متروكاً إلى حد كبير لإسرائيل".
وأضاف ترامب أن بلاده قدمت 60 مليون دولار لتأمين الغذاء لسكان غزة، مشيراً إلى أن سكان القطاع "لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء".
وأضاف في تصريحات صحافية أن الولايات المتحدة تحاول ضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين، وأن إسرائيل ستساعد في عملية التوزيع.
كذلك، أكد وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس حق رئيس أركان الجيش في "إبداء رأيه" بشأن المرحلة المقبلة من الحرب في قطاع غزة، لكنه ملزم "تنفيذ" قرارات الحكومة بهذا الصدد.
وقال كاتس عبر منصة إكس "من حق وواجب رئيس الأركان أن يعبّر عن موقفه في المنابر المختلفة، لكن بعد أن يتخذ المستوى السياسي القرارات، فإن الجيش سينفذها بحزم ومهنية، كما فعل على جميع الجبهات، حتى تحقيق أهداف الحرب".