تهديدات تركية متجدّدة لـ«قسد» وأميركا تتمسّك بالتصعيد
الرأي الثالث - الأخبار
لم تتوقف التهديدات التركية باجتياح مزيد من الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» في شمال شرقي البلاد، منذ آخر هجوم تركي على سوريا عُرف بـ«عملية نبع السلام»، واحتلّت خلاله أنقرة مدينتَي رأس العين وتل أبيض وأريافهما في تشرين الأول 2019.
ومنذ ذلك الحين، يعمل الأتراك على تهيئة الظروف لتحويل تلك التهديدات إلى أمر واقع، عبر السعي إلى انتزاع موافقة كل من الولايات المتحدة وروسيا، اللاعبَين الأساسيَين في سوريا، على مزيد من العمليات العسكرية هناك.
وعلى هذا الأساس، ومنذ أن بدأت العلاقات الأميركية - التركية بالتحسن عقب اجتماع «الآلية الإستراتيجية الأميركية - التركية» بين وزيرَي خارجيتَي البلدين قبل أشهر، والذي تم بعد موافقة أنقرة على انضمام استوكهولم إلى حلف «الناتو» مقابل سماح واشنطن بوصول صفقة طائرات «إف 16» إلى تركيا.
تجهد الأخيرة لتحريك هذا الملف من جديد، فيما يبدو مرجَّحاً أن تكون قد حصلت على تطمينات أميركية عامة بخصوص دعم واشنطن المستقبلي لـ«قسد».
وأثارت التصريحات الأخيرة للسفير الأميركي في أنقرة، جيفري فليك، والتي أعلن فيها دعم بلاده لتركيا في عملياتها ضدّ «المجموعات الإرهابية»، ضجّة في وسائل الإعلام التركية، التي سرعان ما تلقّفتها، عادّةً إياها «تحوّلاً مهماً» في موقف الأميركيين من العلاقة مع «قسد»، والمصنفة تركياً على أنها امتداد لـ«حزب العمال الكردستاني».
لكن أنقرة أرادت اختبار حقيقة الموقف الأميركي، بإطلاق تصريحات عن وجود مخطط لاستئناف عملية «الحزام الأمني» في سوريا والعراق هذا الصيف، وهو ما لم يلقَ أي رد فعل أميركي إيجابي أو سلبي.
مع ذلك، واصل الأتراك إصدار تصريحات تفصح عن وجود نوايا للتحرك عسكرياً من جديد ضد «قسد» و«حزب العمال»، خاصة بعد حصولهم على إقرار عراقي بوضع الأخير على «قائمة الإرهاب»، إثر زيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى كل من بغداد وأربيل.
ورغم الإيجابية التي تسود خطّ أنقرة - واشنطن حالياً، إلا أن الخارجية التركية أعلنت على لسان المتحدث باسمها، أونجو كتشالي، أنه «تقرر تأجيل زيارة الرئيس رجب أردوغان إلى الولايات المتحدة، والتي كانت مقررة في التاسع من أيار الحالي، إلى تاريخ لاحق مناسب للطرفين، بسبب عدم توافق الجداول الزمنية».
لكن يبدو أن مردّ التأجيل عدم التوافق على جدول أعمال الزيارة، إذ أكد المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، أنه «لا يوجد برنامج مجدول لزيارة الرئيس إردوغان، وإجراء المباحثات الرسمية مع الرئيس جو بايدن».
والظاهر أن واشنطن ليست مستعجلة لحسم عدّة ملفات، أهمها الملف الكردي، لجهة ارتباطه بقضايا حساسة أخرى كسجون عناصر «داعش» ومخيماتهم في مناطق «قسد»، والتي بدأت تستعجل إفراغها عبر تشجيع الدول على استعادة رعاياها، وإعلانها أمس عودة 11 أميركياً إلى بلادهم من مخيمَي الهول وروج.
في المقابل، تستعجل تركيا مناقشة مستقبل الدعم الأميركي للأكراد، وتريد ضوءاً أخضر لتنفيذ عمليات عسكرية جديدة ضدهم.
وفي هذا الإطار، أكد إردوغان، عقب حضوره اجتماعاً حكومياً، أنه «عندما يحين الوقت، سنكمل عملنا في سورية، والذي تُرك غير مكتمل؛ بسبب الوعود التي قطعها حلفاؤنا ونكثوا بها»، في إشارة إلى اتفاقيات سابقة مع الولايات المتحدة وروسيا لإبعاد «قسد» 30 كم عن الحدود السورية مع تركيا.
وأضاف إردوغان أنه «ما دام بي كي كي يجد لنفسه متنفساً في سوريا والعراق، فلا يمكن أن نشعر بالأمان».
كذلك، تريد أنقرة العمل مع موسكو في الاتجاه نفسه، عبر السعي إلى إعادة تفعيل مسار المصالحة مع الحكومة السورية، وهو ما أشار إليه وزير الدفاع التركي، يشار غولر، بالقول إن «تركيا منفتحة على الحوار مع الحكومة السورية، لكن لدينا مطالب بشأن ذلك».
مضيفاً أن «بلاده تريد تطبيق دستور جديد، وإجراء انتخابات مستقلة سنحترم الفائز منها»، متابعاً أنه «ليست لتركيا أي مطامع في أراضي أحد أو نفطه».
ويعدّ هذا التصريح الأبرز لمسؤول تركي بخصوص العلاقة مع سوريا، منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية قبل عام، والتي جمدت بعدها أنقرة مسار تطبيع العلاقة مع دمشق.
من جهتها، يبدو أن «قسد» تلقّت رسائل بوجود توجه تركي إلى شن عمليات عسكرية جديدة، وبالتحديد تجاه منطقتي منبج وعين العرب، وإحياء ملف التقارب مع دمشق.
ولذلك، سرّبت وسائل إعلام كردية أنباء عن استعداد وفد كردي للتوجه إلى العاصمة السورية، وإجراء جولة جديدة من الحوار مع الحكومة، مشيرةً إلى أن «الأيام المقبلة قد تشهد انعقاد تلك الجولة بين مسد والحكومة السورية، بمشاركة المستقلين الأكراد لأول مرة، وبمباركة روسية».
مضيفة أن «مسد بصدد تشكيل لجنة مشتركة مع المستقلين الأكراد لصياغة ورقة حل سياسي في سوريا».
وكشفت عن «حدوث لقاءات متكررة بين مسؤولين في الحكومة السورية وعدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والأكاديمية الكردية المستقلة في مناطق شمال وشرق سوريا، لمناقشة مطالب الكرد، وإمكانية إشراكهم في مجلس الشعب والوزارات والمؤسسات الحكومية».
أميركا تتمسّك بالتصعيد: عشرون عاماً من «حالة الطوارئ»
في قرار يهدف إلى إبقاء «الغطاء القانوني» الداخلي للوجود غير الشرعي للقوات الأميركية في سوريا، أعلنت واشنطن تمديد «حالة الطوارئ» في هذا البلد لعام إضافي آخر، مرفقةً القرار ببيان هاجمت من خلاله دمشق التي اعتبرتها «تهديداً غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد للولايات المتحدة»، في اتساق مع التصعيد الأميركي الممنهج في سوريا، على مختلف الأصعدة، السياسية والميدانية والاقتصادية.
ويُعتبر القرار الذي وقّعه الرئيس الأميركي، جو بايدن، ويسري لعام واحد فقط وفق القانون الأميركي، بطبيعة الحال، تمديداً لسلسلة طويلة من القرارات المشابهة التي بدأت عام 2004، واستكمالاً لإجراءات أميركية تهدف إلى تثبيت الحضور العسكري على الأراضي السورية منذ عام 2015 بذريعة «محاربة الإرهاب»، وإقامة قواعد في مناطق عديدة شرقي البلاد، وتحديداً المناطق النفطية ومناطق زراعة القمح، وفي أقصى الجنوب عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق (التنف).
وفي تماثل مع الخطوات السابقة، حمل البيان المرافق هجوماً على إيران، وآخر على الحكومة السورية التي حمّلها مسؤولية الأوضاع على الأرض.
معتبراً أن تمديد حالة الطوارئ مرتبط بـ«سياسات وإجراءات الحكومة السورية في تحديد ما إذا كانت ستستمر أو تنهي حالة الطوارئ الوطنية هذه في المستقبل»، وفقاً للبيان.
وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع فرض عقوبات جديدة تحت اسم «كبتاغون 2»، تُعتبر استكمالاً لعقوبات سابقة تهدف إلى تقويض قطاع الصناعات الدوائية الذي نجا من الحرب وتمكّن من الاستمرار، بحجة محاربة المخدّرات، في اتجاه أميركي مخالف للاتجاه العربي (المبادرة العربية)، علماً أن الأخيرة نظّمت عمليات متابعة شبكات صناعة وتهريب المخدّرات، وشكّلت غرفة مشتركة بين العراق ولبنان والأردن والسعودية.
لكنّ تلك المبادرة تمّ تجميدها في الوقت الحالي، بعد عقد لقاء واحد فقط لـ«لجنة الاتصال العربية» في القاهرة، وتأجيل اللقاء الثاني الذي كان من المفترض أن تستضيفه بغداد الشهر الحالي.
وإلى جانب محاولتها ضمان استمرار الأوضاع القائمة، ومنع أي خطوات على طريق الحل في سوريا، تحاول الولايات المتحدة دعم تحركات كردية جديدة لـ«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، لفتح خطوط تواصل مع الدول العربية تهدف إلى فرض «الإدارة الذاتية»، التي ترفض دمشق استمرارها باعتبارها انفصالية.
وهي تحركات كشف عنها الرئيس المشترك لـ«مجلس سوريا الديمقراطية» (مسد)، الذراع السياسية لـ«قسد»، محمود المسلط، الذي أعلن أن «مسد» تعتزم فتح مكاتب تمثيل في دول عربية وأجنبية، بما في ذلك في دول «مجلس التعاون الخليجي»، بهدف «تنشيط مسار الحوار السوري»، وفق تعبيره.
وأشار المسلط، في تصريحات نشرتها وكالة «هاور» الكردية، إلى أن «مسد» لديها تواصل مع دول مثل العراق ومصر والأردن والسعودية، وتعمل «على توسيع علاقات المجلس مع الدول العربية».
وتابع: «لا ننسى أن هناك دولاً عربية قامت بالتطبيع مع النظام السوري، وكان ذلك عائقاً أمامنا، ولكننا نحن جزء من هذه الدولة وهذا البلد»، مضيفاً أنه «يجب أن تكون لنا فاعلية خارجية مع الدول العربية»، على حدّ تعبيره.
وبينما تحاول القوات الكردية المدعومة أميركياً توسيع دائرة علاقاتها بدعم من واشنطن، أعاد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الحديث عن شنّ معارك ضد مناطق تسيطر عليها «قسد» ضمن ما اعتبره «عمليات ضد حزب العمال الكردستاني».
وإذ شنّ الرئيس التركي هجوماً غير مباشر على الولايات المتحدة بسبب ما اعتبره «عدم الوفاء بعهود سابقة»، أعاد، خلال كلمة ألقاها بعد اجتماع مجلس الوزراء الرئاسي في العاصمة التركية أنقرة، الحديث عن نية بلاده شنّ عمليات عسكرية في سوريا.
وأضاف: «تركنا عملنا في مكافحة الإرهاب بشكل غير مكتمل في سوريا بسبب وعود قطعها حلفاؤنا ونكثوا بها»، لافتاً إلى أنه «عندما يحين الوقت والساعة، سنكمل العمليات».
وفي الواقع، يسعى إردوغان، الذي يتمسك بوجود قواته غير الشرعية في سوريا، إلى قضم مناطق جديدة قرب الشريط الحدودي، أملاً في خلق حزام كامل يحيط بالشريط الحدودي، ويحوي مراكز إيواء لدفع اللاجئين السوريين «الموثوقين» للسكن فيها.
وسيكون من شأن ذلك تجذير الوجود التركي في المناطق السورية الحدودية، في سيناريو يذكّر بالسيناريو القبرصي، علماً أن أنقرة تعمل على تتريك المناطق التي تحتلها في الشمال السوري، بدءاً من التعامل بالليرة التركية، وليس انتهاءً بفرض اللغة التركية في المدارس والمنشآت التعليمية.
ميدانياً، كشفت الجماعات المسلحة المنتشرة في إدلب ومناطق في أرياف حماة واللاذقية وحلب، عن شنّها ما وصفته بـ«400 عملية» ضد مناطق سيطرة الحكومة السورية، في خرق مستمر لاتفاقية خفض التصعيد التي تُعتبر تركيا أحد الأطراف الضامنة لها.
وقالت الجماعات، التي تضم فصائل «جهادية» غير سوريّة وتقودها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة - فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا)، إنها شنّت هجمات «انغماسية»، وعمليات قنص وإطلاق قذائف وطائرات مُسيّرة.
وكان الجيش العربي السوري تصدّى لجميع المحاولات السابقة التي فشلت في تحقيق أي خرق في خريطة السيطرة الحالية، وردّ على مصادر الهجمات، كما استهدف، عبر عمليات متواصلة، مخازن الأسلحة ومناطق إطلاق القذائف والمُسيّرات.