Logo

أحزابٌ بلا ظِلّ… ووطنٌ بلا سقف: الفصول الأخيرة في مسرح السياسة اليمنية

 في اليمن، حيث يمكن ليافطةٍ حزبية أن تتحول إلى "جواز مرور"، ولجواز المرور أن يتحول إلى "خروج نهائي"، وللخروج النهائي أن يصبح بديلا عن العمل السياسي نفسه… 
يبدو المشهد كأننا أمام أحزاب تخلّت عن الوطن، ووطن تخلّى عن أحزابه في مفارقةٍ لا تحدث إلا في بلدٍ يتقن صناعة التعقيد أكثر مما يتقن صناعة السلام.
1. التحليل النفسي: قيادات تعيش في منفى الذات قبل منفى الجغرافيا
الأحزاب الثلاثة الكبرى—المؤتمر، الإصلاح، الاشتراكي—لا تعيش أزمة سياسية فحسب، بل أزمة هوية نفسية عميقة.
قياداتٌ مصابة بما يشبه "متلازمة الزعامة الدائمة":
زعيمٌ بلا قواعد،
وقواعد بلا زعيم،
ووطنٌ بلا الاثنين معًا.
أحزاب تعلّمك كيف تكون ديمقراطيًا بشرط ألا تختلف،
وكيف تكون حرًّا بشرط ألا تتساءل،
وكيف تكون جزءًا منها بشرط أن تُلغِي أجزاءك كلها.
إنها أحزاب خائفة من نفسها، أكثر من خوفها من خصومها.
2. التحليل الاجتماعي: الإقصاء المُمنهج لأصحاب الياقات
في المجتمع، لم تُقصِ الأحزاب الفاسدين ولا المهرّجين، بل أقصت أصحاب الياقات البيضاء والزرقاء:
المهندسين، الأكاديميين، العمال، الشباب، الكوادر التي كان يمكن أن تشكل "قوة الدولة".
تم تدويرهم داخل ما يشبه "مطامر حزبية"، لأن الأحزاب لا تريد عقولا تبني، بل حناجر تُصفّق…
ولا تريد طاقات تعمل، بل طوابير تُبايع.
وفي اللحظة التي احتاج فيها اليمن إلى أبنائه الأكثر كفاءة،
كانت الأحزاب مشغولة بإصدار بيانات تتساءل فيها:
"ما الذي يحدث داخل الوطن الذي خرجنا منه؟"
3. التحليل الثقافي: حين يتحوّل الحزب إلى قبيلة مزودة بفاكس
ثقافيًا، فشلت الأحزاب في الارتقاء بالوعي السياسي،
لأنها لا تزال تعمل بعقلية:
"الزعيم هو الفكرة، والفكرة هي الزعيم".
الحزب اليمني ليس مؤسسة، بل قبيلة حديثة:
– شيخٌ يرتدي بدلة إيطالية،
– مستشارون يتحدثون بلغة المؤتمرات،
– وقواعد حزبية لازالت محكومة بعقلية الغنيمة.
أما البرامج، فهي مجرد نصوص منسوخة تُقرأ عند الحاجة وتُنسى بعدها مباشرة.
4. التحليل الاقتصادي: أحزاب تدير المال العام كما يُدار صندوق صدقات
اقتصاديًا، لم تُبنَ الأحزاب لإدارة اقتصاد دولة،
بل لإدارة اقتصاد العلاقات.
المناصب تُعطى كالهدايا،
والولاءات تُشترى كالخضروات،
والقرار الاقتصادي يُصاغ وفق "مزاج الزعيم" لا وفق رؤية وطنية.
أما الشعب…
فهو آخر من يعلم، وأول من يدفع.
5. التحليل العسكري: جيوشٌ من ورق… وقيادات من دخان
عسكريًا، كان يمكن للأحزاب أن تكون رافعة لبناء جيش وطني.
لكنها بدلاً من ذلك أنشأت تشكيلات مسلحة بحجم طموحها لا بحجم الحاجة الوطنية.
جيشٌ حزبي لا يحمي وطنًا،
وأمنٌ ولاؤه للزعيم،
وقراراتٌ تصدر من غرف فنادق خارج الحدود.
والنتيجة:
دولة تتنفس عبر رئتين مثقوبتين… وجيش يبحث عمّن يقوده.
6. التحليل السياسي: حكمٌ بلا مشروع… ومعارضة بلا ظلال
سياسيًا، الأزمة ليست في كثرة الأحزاب،
بل في فراغها الفكري المدقع.
الحزب في اليمن يرفع الدستور كرمز،
ويضعه جانبًا كعائق،
ثم يعود إليه في موسم البيانات فقط.
هي أحزاب تؤمن بالدولة عندما تخدمها،
وتهاجم الدولة عندما تخذلها،
وتتذكر الشعب عندما تحتاجه،
وتنساه عندما يصلها الدعم.
7. التحليل الدبلوماسي: سياحة سياسية بختم "قيد الانتظار"
دبلوماسيًا، لم تعد الأحزاب اليمنية تمثل اليمن في الخارج،
بل تمثل خروجها منه.
وفودٌ تنتقل من فندق لآخر،
تكتب بيانات مصاغة بإتقان،
لكنها بلا أثرٍ على الأرض.
المفاوضات تحولت إلى طاولات مستديرة…
المشاكل نفسها مستطيلة…
والحلول منعدمة.
الخاتمة: حين يحتاج الوطن إلى دولة… لا إلى ذكرى أحزاب
اليمن اليوم أمام مفترق تاريخي:
ليس بحاجة إلى أحزاب تهرول خلف دعمٍ خارجي،
ولا إلى قيادات تسكن الخارج وتحكم الداخل من خلال بيانات.
بل بحاجة إلى:
أحزاب تنتمي لليمن قبل أن تنتمي لمقراتها،
أحزاب تخدم المواطن قبل أن تخدم الزعيم،
أحزاب تعود للوطن لا لتقتسمه… بل لتبنيه.
الرؤية للخروج، بنبرة فاخرة وواقعية:
1. تحويل الأحزاب إلى مؤسسات مدنية تُدار بالعقل لا بالولاء.
2. إعادة الاعتبار لأصحاب الياقات البيضاء والزرقاء كقوة إنتاج لا “زينة انتخابية”.
3. إلغاء فكرة “الزعيم الأبدي” وبناء قيادة تتغير بالإنجاز.
4. ربط التمويل السياسي بالشفافية لا بالولاءات.
5. اشتراط ممارسة العمل السياسي من داخل اليمن فقط.
6. صياغة ميثاق وطني يُقدّم الدولة على الحزب، والمواطن على الزعيم.
عندها فقط…
سيستعيد اليمن مكانته،
وسيقف الوطن شامخًا فوق ركام أحزابٍ اكتشفت أخيرًا أن الزعامة الحقيقية ليست في الخروج… بل في البقاء لخدمة الوطن.

بقلم: د. فيروز الولي