حملات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري مستمرة
قالت مواطنة لحقوق الإنسان إنّ جماعة الحوثي احتجزت عشرات المدنيين، في حملات متتالية، بينهم وسطاء سلام محليون وأكاديميون وكُتّاب وصحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان، وموظفون حكوميون، وقيادات وأعضاء في أحزاب سياسية، ومشاركون في فعاليات سلمية مرتبطة بذكرى ثورة 26 سبتمبر،
بالإضافة إلى عاملات وعاملين في المجال الإنساني والتنموي والدبلوماسي، وموظفات وموظفين في وكالات ومنظمات تابعة للأمم المتحدة، ومنظمات دولية ومحلية،
حيثُ وثّقت مواطنة منذُ مطلع العام 2025 حتى أكتوبر/تشرين الأول، ما لا يقل عن 392 ضحية احتجاز تعسفي واختفاء قسري، في العاصمة صنعاء وذمار والحديدة وإب وصعدة وأجزاء من تعز والضالع، وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة،
وأكّدت المنظمة أنّ وقائع الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري الموثقة تُمثّل انتهاكًا لدستور الجمهورية اليمنية وللقوانين اليمنية النافذة ولمبادئ العدالة وحقوق الإنسان وللاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة.
وقالت رضية المتوكل، رئيسة مواطنة لحقوق الإنسان: "إنّ استمرار جماعة الحوثي في تنفيذ حملات واسعة من الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، خارج أيّ إطار قانوني، وبمعزل تام عن المنظومة القضائية، يكشف عن نمط انتهاكٍ مُتكرّر، يهدف إلى إسكات ما تبقّى من مجتمع مدني، واستكمال السيطرة على المجال العام، وتقويض كل مساحات المجتمع المدني المستقل، بما في ذلك المبادرات السلمية التي تسعى إلى الخروج من دائرة الحرب".
وأضافت المتوكل: "لقد أصبح الخوف هو الشعور المشترك بين أُسَر الضحايا ومجتمعاتهم؛ حيث لم تَعُد أيُّ فئة بمنأى عن الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري"،
وتابعت: "إنّ هذه الاعتقالات التعسفية لا تنتهك الحقوق الأساسية للأفراد، وتزرع الخوف في أوساط المجتمع المدني وعائلات المحتجَزين فحسب، بل تُقوّض الثقة العامة بسيادة القانون واستقلالية ونزاهة القضاء، وتُعمِّق الانقسام المجتمعي، وتُهدِّد فرص التعايش والعدالة والسلام على المدى البعيد".
خلال سبتمبر/ أيلول 2025، احتجزت جماعة الحوثي عشرات المشاركين في الاحتفاء بذكرى ثورة 26 سبتمبر، حيثُ تُنفذ سلطاتُ الجماعة منذُ سنوات حملاتِ احتجازٍ تعسفية واسعة النطاق تستهدف عشرات المشاركين في إحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر/ أيلول،
التي تتزامن سنويًّا مع انتهاء احتفالات الجماعة بذكرى دخولها المسلّح إلى العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
وشهد عام 2025 تصاعدًا لافتًا ومُقلِقًا في حملات الاحتجاز التعسفي التي طالت العشرات من قيادات وأعضاء أحزاب سياسية مختلفة، من بينها الحزب الاشتراكي اليمني، والمؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، وحزب البعث العربي الاشتراكي،
وقد شملت هذه الحملات شخصيات بارزة، مثل: غازي الأحول (أمين عام حزب المؤتمر الشعبي العام)، ورامي عبدالوهاب محمود عبدالحميد (رئيس العلاقات الخارجية في حزب البعث الاشتراكي)، ومحمد الشغدري (رئيس الدائرة الإعلامية لحزب الإصلاح في ذمار)، بالإضافة إلى العشرات من قيادات وأعضاء الأحزاب في صنعاء وذمار وإب وتعز وغيرها من المناطق.
أواخر أغسطس/ آب 2025، شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي ، واحدةً من أوسع حملات الاحتجاز التعسفي التي طالت موظفي وموظفات وكالات ومنظمات الأمم المتحدة في اليمن.
وطبقًا للأمم المتحدة، فإنّ إجمالي عدد موظفيها المحتجَزين لدى سلطات الحوثيين قد بلغ 54 موظفًا، بينهم محتجزون منذ أكثر من ثلاث سنوات،
حيث قامت سلطات جماعة الحوثي بحملة مداهمات واسعة شملت مقرات وكالات ومنظمات الأمم المتحدة في العاصمة صنعاء، على خلفية الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت في 8 أغسطس/ آب 2025، اجتماعًا للحكومة التابعة للجماعة، وأدّت إلى مقتل رئيس الحكومة وعددٍ من الوزراء وجرح آخرين.
وتصاعدت حملات الاعتقالات في الوقت الذي لا يزال فيه العشرات من العاملين في منظمات محلية ودولية وشركات تجارية رهنَ الاحتجاز التعسفي منذُ احتجازهم حتى اليوم، في حملة واسعة شنّتها الجماعة في الفترة بين 29 مايو/ أيار و7 يونيو/ حزيران 2024،
حيث اعتقلت سلطات الحوثي ، موظفات وموظفين عاملين في كلٍّ من: الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومنظمة شركاء اليمن، والائتلاف المدني للسلام، ومؤسسة ديب روت، ومؤسسة رنين اليمن، ومؤسسة برسنت، ومنظمات دولية ومحلية أخرى.
نماذج لبعض الوقائع الموثقة
تستعرض مواطنة لحقوق الإنسان، في هذا البيان، عددًا محدودًا من نماذج وقائع الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، التي وثّقتها المنظمة في ظلّ مناخٍ من الترويع الذي تعيشه أُسَر المحتجَزين والمختفين قسريًّا، مع استمرار المنظمة بالتوثيق والمتابعة القانونية.
الدكتور حمود العودي وأنور شعب
في صباح يوم الإثنين، 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، اقتحمت قوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات مبنى مركز دال للدراسات الاجتماعية في صنعاء، وهو مركز بحثي وإعلامي يختص بقضايا المواطنة والديمقراطية والهُويّة.
قام العناصر بتفتيش المقرّ، ومصادرة أجهزة حاسوب ووثائق بحثية، واحتجاز الدكتور حمود العودي (79 سنة)، مؤسس المركز ورئيسه،
وأحد أبرز المفكرين اليمنيين وأستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، ورئيس التحالف المدني للسلم والمصالحة، وأحد أبرز وسطاء السلام المحليين،
كما تم اعتقال أنور خالد شعب (45 سنة)، سكرتير التحالف.
المهندس عبدالرحمن العلفي
في اليوم ذاته، استُدعِيَ المهندس عبدالرحمن العلفي (70 سنة)، إلى مقر جهاز الأمن والمخابرات، وتم احتجازه دون إذن قضائي أو توجيه تهمة، ودون السماح لعائلته بزيارته،
رغم وضعه الصحي الحرج، إذ يعاني من أمراض مزمنة تشمل خمس دعامات في القلب، والسكري، وفقدان البصر في إحدى عينيه.
قال فؤاد نجل العلفي، لمواطنة عن الوضع الصحي لوالده: "والدي بحاجة إلى رعاية طبية عاجلة. يعيش على خمس دعامات قلبية، ويعاني من أمراض مزمنة.
طلب منّا عبر مكالمة قصيرة بعد احتجازه أن نُوصِل له خطته العلاجية وجهاز الكمبيوتر الخاص به، لكنه ما يزال حتى اليوم محرومًا من العلاج والزيارة".
وقال عبدالله العلفي، أحد أقارب الضحية، في مقابلة أجرتها معه مواطنة: "عبد الرحمن ورفاقه لم يحملوا سوى مشروع للحوار والسلم. كانوا يعملون بوضوح، وبعلم الجهات المسيطرة، ولم ينخرطوا في أيّ عمل سريّ أو عدائيّ".
الشاعر أوراس الإرياني
في 22 سبتمبر/ أيلول 2025، احتُجِز الشاعر والكاتب الساخر أوراس محمد عقيل الإرياني (42 سنة)، بالقرب من منزله في حي المراونة- سعوان، بالعاصمة صنعاء،
وفي اليوم التالي لاحتجازه تقدّمت زوجته ببلاغ رسمي لقسم شرطة "العمّال"، ولعدة أيام أنكرت الجهات الأمنية معرفتها بمكان وجوده. لاحقًا، تواصل الإرياني مع أسرته بشكلٍ مقتضب لطمأنتهم، دون كشف مكان احتجازه أو ظروفه أو سبب احتجازه.
المحامي عبدالمجيد صبرة
في 25 سبتمبر/ أيلول 2025، قرابة الساعة الرابعة مساءً، اقتحمت قوات أمنية تابعة للحوثيين ، مكتب المحامي عبدالمجيد مصلح فارع صبرة (50 سنة)، الواقع في حي شميلة، بمديرية السبعين في أمانة العاصمة صنعاء.
بعد عدة أيام من احتجازه، تواصلَ المحامي صبرة مع أسرته دون الكشف عن مكان احتجازه أو التهمة الموجَّهة إليه، وما يزال رهن الاحتجاز التعسفي حتى لحظة إعداد هذا البيان.
الصحفي ماجد زايد
في 22 سبتمبر/أيلول 2025، قرابة الساعة الخامسة والنصف مساءً، أقدمت قوات مسلحة تابعة لجماعة الحوثي على احتجاز الصحفي ماجد زايد من شارع خولان، في مديرية الثورة، محافظة صنعاء،
وذلك في ظروف غامضة ودون إبراز أي أمر قضائي أو توضيح رسمي لأسباب الاحتجاز.
وظل الصحفي محتجزًا بمعزل عن العالم الخارجي طوال قرابة شهر كامل، مُنع خلالها من التواصل مع أسرته أو محاميه، قبل أن يتمكن من الاتصال بأفراد أسرته لدقائق معدودة فقط، دون أن يتمكن من الإفصاح عن مكان احتجازه أو وضعه القانوني.
عارف قطران ونجله
في صباح يوم 21 سبتمبر/ أيلول 2025، قُبيل أيام من ذكرى ثورة 26 سبتمبر، حضرت قوة مكوّنة من ثلاثة أطقم عسكرية وسيارة أجرة خاصة، تقل نحو 20 فردًا يرتدون لباسًا مدنيًّا ويقودهم مسؤول أمني تابع لإدارة أمن محافظة صنعاء،
وقامت باحتجاز عارف محمد سعيد قطران (44 سنة) وابنه عبدالسلام (21 سنة)، وهما مُزارِعان من أبناء مديرية همدان، دون توجيه أي تهمة، ونقلتهما إلى مجمّع همدان ثلاثة أيام قبل أن يتم نقلهما إلى مكان مجهول.
رامي عبدالوهاب محمود
في يوم الأحد، 3 أغسطس/ آب 2025، عند حوالي الساعة الرابعة عصرًا، كان رامي عبدالوهاب محمود عبدالحميد (52 سنة)، رئيس العلاقات الخارجية في حزب البعث الاشتراكي، يستقل سيارته مع اثنين من مرافقيه متوجِّهًا إلى منزل أحد أصدقائه،
وعند وصولهم إلى جولة ريماس في شارع حدة بمديرية السبعين، اعترض طريقهم مدرّعة وطقمان عسكريان تابعان لجماعة الحوثي . احتُجِز رامي في طقم، فيما نُقل مرافقوه في الطقم الآخر، دون توضيح هُويات القوة المنفذة أو إبراز أيّ إذن قبض قانوني،
ولم يُسمح لأسرته بالتواصل معه أو زيارته منذ احتجازه.
الدكتور عايض الصيادي
في مساء الخميس، 25 سبتمبر/ أيلول 2025، وبينما كان الدكتور عايض صالح أحمد الصيادي (66 سنة)، دكتور في علم الاجتماع وعضو في الحزب الاشتراكي اليمني، عائدًا إلى منزله في حارة فرح بمدينة ذمار، اعترضه أربعة مسلحين يرتدون زيًّا مدنيًّا ويحملون بنادق آليّة، كانوا يستقلون سيارة أجرة سوداء.
قام المسلحون، الذين عرّفوا أنفسهم لاحقًا بأنهم يتبعون جهاز الأمن والمخابرات، باحتجاز الصيادي واقتياده دون توجيه أيّ تهمة ودون السماح له بالتواصل مع أسرته التي بقيت أيامًا لا تعلم عنه شيئًا، وبعد أكثر من شهر، أُبلِغ نجله بأن والده نُقل إلى صنعاء.
محمد اليفاعي
في ظُهر الخميس، 25 سبتمبر/ أيلول 2025، كان محمد محمد صالح اليفاعي (53 سنة)، عضو المؤتمر الشعبي العام، في سوق القات المركزي القديم بمدينة ذمار، عندما حضر مسلحٌ يرتدي زيًّا مدنيًّا ويحمل بندقية آلية، وقام باحتجاز اليفاعي واقتياده دون تقديم أيّ أوامر قضائية أو توجيه تهم، ومنذ احتجازه لم يُسمّح لأفراد أسرته بزيارته.
تقول زهور اليفاعي لمواطنة: "كنت عائدة من عدن بعد إنهاء إجراءات استصدار جواز سفر، وعندما وصلت إلى البيت علمت من والدتي أنّ والدي لم يعُد إلى المنزل. بعد الظهر تأكّدنا أنه تم احتجازه، وحين حاول أخي إبراهيم زيارته، أنكروا وجوده لديهم،
وبعد إصرار شديد من أخي طلبوا منه العودة في اليوم التالي، وعند عودته أخذوا الملابس منه دون السماح له برؤية والدي".
وتضيف زهور: "في 29 أكتوبر/ تشرين الأول، تلقّى أخي اتصالًا هاتفيًّا من جهاز الأمن والمخابرات، وأخبروه أنّ والدنا مريض وعليه الحضور لزيارته، لكنه فوجئ عند ذهابه بأنّهم سلّموه ملابس والدي دون أن تكون قد استُخدِمت،
ثم أخبروه أنّ والدي نُقل إلى صنعاء، ومنذ ذلك اليوم لا نعرف أيَّ شيء عن وضعه الصحي أو مكان احتجازه".
ناجي الموتي
في يوم الخميس، 18 سبتمبر/ أيلول 2025، حوالي الساعة 8:30 صباحًا، كان ناجي مسعد علي حسن الموتي (55 سنة)، مدرس وإمام مسجد، وعضو في حزب الإصلاح، خارجًا من منزله في مدينة دَمْت بمحافظة الضالع، بحثًا عن سيارة أجرة لإسعاف طفله ذي العشرة الأشهر،
وبينما كان يقف مع زوجته وابنته، اعترضته سيارة بيضاء من نوع هايلوكس تقل ثلاثة مسلحين؛ اثنان منهم بزي عسكري والثالث بزي مدني، وقاموا باحتجازه،
حيثُ تزامن احتجازه مع اقتراب ذكرى ثورة 26 سبتمبر، ومنذُ احتجازه لم تتلَقَّ أسرته أيَّ معلومات عنه، ولا يزال مختفيًا قسريًّا حتى الآن.
كيف تجاهلت حملات الاعتقالات الضمانات القانونية؟
تُظهِر الوقائع التي وثّقتها مواطنة لحقوق الإنسان، بما في ذلك احتجاز مفكّرين وأكاديميين وكُتّاب وصحفيين وناشطين مدنيين، وأعضاء ومنتمين لأحزاب سياسية، ومشاركين في تجمعات سلمية مرتبطة بذكرى ثورة 26 سبتمبر، وموظفات وموظفي المنظمات،
أنّ سلطات جماعة الحوثي نفّذت حملات اعتقالات واسعة طالت فئات مدنية مختلفة دون تمييز، وفي أغلب الحالات على خلفيات تتصل بممارسة حقوق مشروعة مكفولة قانونًا،
مثل حرية الرأي والتعبير، والعمل في المجال الإنساني، والمشاركة في الفضاء العام، والانتماء السياسي، وذلك لأغراض تتصل بالسيطرة الأمنية والسياسية، أكثر من ارتباطها بالسعي لتحقيق العدالة أو حفظ الأمن العام أو تطبيق القانون.
ويُعدُّ الحق في الحرية الشخصية، أحد أقدس الحقوق الدستورية والقانونية، مكفولًا بموجب المادة (48/أ) من الدستور اليمني، التي تحظر تقييد الحرية إلا بحكم قضائي صادر عن محكمة مختصة.
كما تقرر المادة (11) من قانون الإجراءات الجزائية، عدم جواز تقييد حرية أيّ شخص إلّا بأمر من السلطات المختصة وطبقًا للقانون.
ويحظر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته (9/1)، التوقيفَ أو الاعتقال التعسفي، ويشترط أن يكون أيّ حرمان من الحرية مبنيًّا على أساس قانوني واضح ومحدد.
وعلى الرغم من ذلك، فقد نفّذت سلطات جماعة أنصار الله (الحوثيين) حملات الاعتقالات دون أوامر قضائية ودون ضبط لمحاضر رسمية أو مبررات قانونية؛ ما يجعلها اعتقالات باطلة بموجب كلٍّ من الدستور اليمني والقانون الدولي.
وتكشف الحالات الموثقة عن إخلال جسيم بحق المقبوض عليهم في معرفة أسباب القبض والتهم المنسوبة إليهم، وهو حقٌّ جوهريّ تحكمه نصوصٌ دستورية وقانونية واضحة؛
أبرزها المادة (48/ج) من الدستور، التي تُلزم القاضي أو النيابة بتبليغ المقبوض عليه بأسباب القبض وتمكينه من إبداء دفاعه، والمادة (73) من قانون الإجراءات الجزائية التي تفرض إبلاغ المقبوض عليه فورًا بأسباب القبض، والمادة (9/2) من العهد الدولي.
كما تبرز في الوقائع الموثقة جُملةٌ من الانتهاكات المرتبطة بإساءة استخدام الحبس الاحتياطي، الذي وضعه القانون اليمني كإجراء استثنائي مقيد بضوابط صارمة، لكنه تحوّل في هذه الحالات إلى أداة عقاب سياسي وأداة لانتزاع الاعترافات أو إقصاء الأصوات الناقدة.
فالقانون يشترط أن تكون الجريمة مما يُعاقَب عليه بالحبس أكثر من ستة أشهر، وأن تكون هناك دلائل كافية، وألّا يستمر حجز أجهزة الضبط أكثر من أربعة وعشرين ساعة، منذُ لحظة التوقيف والاحتجاز،
مشروطةً بوجود مسوغ وسند قانوني، وبوجود حاجة فِعلية إلى استكمال عملية جمع الاستدلالات، وبضمان كافة الحقوق القانونية للمُحتجَز، طبقًا للدستور والقانون،
فيما يمنح القانونُ النيابةَ العامة سلطةَ التحقيق خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام، تالية لاحتجاز المتهم أو تسليمه إليها، عند وجود مسوغ وسند قانوني للاحتجاز، مع ضمان كافة الحقوق القانونية للمتهم،
بحيث لا يحق مدّ الحبس الاحتياطي لدى النيابة العامة إلى أكثر من سبعة أيام إلا بموجب أمر يُصدره القاضي المُختص في المحكمة الابتدائية، بناء على طلب مُسبب تقدّمه النيابة، وتعرض معه أوراق القضية وحُججها،
قبل انقضاء السبعة الأيام، ومدة لا تزيد عن خمسة وأربعين يومًا، بحيث يخضع أي تمديد إضافي لسلطة محكمة الاستئناف، شريطة ألا تزيد عن خمسة وأربعين يومًا فقط، طبقًا للقانون.
أمّا ما وثّقته مواطنة، فقد شمل احتجازًا استمرّ أسابيعَ وأشهرًا دون إحالة إلى النيابة أو عرض على قاضٍ، وتجاوزًا للمدد القصوى، واحتجازًا دون مبرر قانوني، وحرمانًا من مراجعة أوامر الحبس؛
ما يجعل الحبس الاحتياطي في هذه الحالات غير قانوني ومنعدم الأثر، وامتدت مدته في حالات كثيرة إلى ما يجاوز السنة وأكثر.
وتشير الشهادات الموثقة إلى حرمان المحتجزين من حقوق أساسية أثناء القبض والاحتجاز، وعلى رأسها حق الاتصال بالعالم الخارجي، وحق إبلاغ ذويهم، وحق الاستعانة بمحامٍ، وحق الامتناع عن الإدلاء بأقوال دون حضور محامٍ،
وهي حقوق منصوص عليها في المادة (48/ب) من الدستور، والمادة (6) من قانون الإجراءات الجزائية. كما مُنع المحامون من حضور التحقيق أو الاطلاع على ملفات القضايا، ما يقوّض الحق في الدفاع ويُفرغ إجراءات العدالة من مضمونها.
ويُفاقم غيابُ الإشراف القضائي المستقل على وقائع الاحتجاز تلك، من خطورتها، إذ تم إخفاء مكان وجود عدد من المحتجَزين، وتعذّرت محاولات ذويهم أو محاميهم للوصول إليهم أو التواصل معهم،
وهو ما يمنح تلك الحالات وصف الاختفاء القسري وفقًا للتعريف الدولي الذي يجمع بين حرمان الشخص من الحرية وإنكار وجوده أو حجب مصيره ومكان احتجازه، وهي جريمة بموجب القانون الدولي لا يجوز التذرع بأيِّ ظرفٍ استثنائي لتبريرها.
ويزداد خطر الانتهاكات مع وجود المحتجَزِين في أماكن غير رسمية، أو في مرافق خارج نطاق القانون، وبمعزل عن سلطة القضاء ورقابته، حيث تتوفر بيئة معتمة يسهل فيها التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية أو الضغط لانتزاع اعترافات،
وتؤكّد المادة (7) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب على الحظر المطلق للتعذيب دون أي استثناء، وتبطل كل قول أو اعتراف يُنتزَع بالإكراه.
دعوة للإفراج عن المحتجزين
وجدّدت مواطنة لحقوق الإنسان دعوتها إلى جماعة أنصار الله (الحوثيين) للإفراج الفوري عن الدكتور حمود العودي والمهندس عبدالرحمن العُلفي وأنور شعب، وعن جميع المحتجَزين والمختفين قسرًا، بمن فيهم وسطاء السلام والأكاديميون والكُتّاب والصحفيون والمحامون والمعارضون السياسيون، وموظفات وموظفو المنظمات الإنسانية المحلية والدولية،
والكفّ عن استخدام الحرمان من الحرية أداةً للترهيب أو الانتقام السياسي.
كما تدعو مواطنة لحقوق الإنسان، جماعة الحوثي إلى احترام القوانين الوطنية والمعايير الدولية، وتمكين الضحايا من حقوقهم القانونية، وضمان خضوع الأجهزة الأمنية والقضائية للرقابة القضائية المُستقلة، بما يضمن العدالة وسيادة القانون، ويحفظ كرامة الإنسان اليمني وحقوقه الأساسية.
الدعم القانوني للمحتجزين
من خلال شبكة محاميات ومحامين موزَّعة في مختلف المحافظات، تُواصِلُ مواطنة لحقوق الإنسان تقديمَ المساندة القانونية للضحايا وأُسَرهم، انطلاقًا من مبدأ أنّ العدالة الإجرائية ليست امتيازًا، بل حقٌّ أصيل مكفول بموجب القانون اليمني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
يبدأ تدخل وحدة الدعم القانوني بعملية توثيق دقيقة ومنهجية لأوضاع الضحايا وظروف الاحتجاز، استنادًا إلى شهادات مباشرة ومعلومات موثوقة وموافقات مستنيرة من أُسَر الضحايا. بناءً على ذلك، تباشر مواطنة إجراءاتها القانونية عبر تقديم الشكاوى والمذكرات القانونية للمطالبة بالإفراج والكشف عن مصير المحتجَزين وتمكينهم من حقوقهم الأساسية،
بما في ذلك التواصل مع أسرهم، وتمكينهم من الاستعانة بمحامٍ، وتوفير الرعاية الصحية، وضمان عدم بقائهم في أماكن احتجازٍ خارج إطار القانون.
ومنذ بَدء حملات الاحتجاز التي طالت موظفي الأمم المتحدة ومنظمات دولية ومحلية، إضافة إلى ناشطين وأكاديميين ومواطنين، فعّلت مواطنة استجابتها الطارئة عبر فرق محليّة من المحامين والمحاميات،
وبدأت بالتواصل مع أسر الضحايا وتقديم المساندة القانونية اللازمة، بالتوازي مع مخاطبة الجهات الأمنية والقضائية في العاصمة صنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ، وتنفيذ زيارات للمناصرة؛ للمطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن المحتجَزين وضمان حقوقهم القانونية.