قوة الاستقرار الدولية.. مشروع دولي أم وصاية جديدة على غزة؟
صوت مجلس الأمن الدولي على مسودة مشروع القرار الأمريكي المتعلق بوقف الحرب في غزة، الذي يستند بصورة مباشرة إلى خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي طُرحت في سبتمبر الماضي.
يضم مشروع القرار 20 بنداً تتناول مستقبل القطاع وإدارته وترتيبات الأمن فيه، وقد أثارت هذه المسودة جدلاً واسعاً على المستويين الإقليمي والدولي، في ظل اعتراضات إسرائيلية داخلية، وتحفظات روسية وصينية محتملة،
فضلاً عن رفض فلسطيني واضح اعتبر المشروع محاولة لفرض وصاية دولية على غزة تحت لافتة "الاستقرار".
يسعى المشروع الأمريكي إلى صياغة مرحلة انتقالية طويلة في القطاع، عبر نشر قوة استقرار دولية تحل محل جيش الاحتلال فور دخولها غزة، وهي أكثر البنود حساسية، إذ تمنح القوة الدولية صلاحيات واسعة، قد تجعلها عملياً المرجعية الأمنية والسياسية الأولى في غزة لسنوات.
وتترافق هذه القوة مع إنشاء مجلس سلام يشكل إدارة انتقالية للقطاع حتى نهاية ديسمبر 2027، برئاسة ترامب أو بإشراف مباشر منه، وفق ما ورد في المسودة.
ورغم أن واشنطن تقدم المشروع باعتباره خطوة إنسانية تهدف إلى دعم الاستقرار وإعادة الإعمار، فإن كثيراً من الخبراء يحذرون من أن التفاصيل تكشف عن نموذج شبيه بالوصاية الدولية، خاصة أن الانسحاب الإسرائيلي غير مرتبط بسقف زمني ولا معايير واضحة، بل يترك تقديره للقوة الدولية نفسها.
شبكة "CNN" الأمريكية نقلت عن مصادر دبلوماسية غربية أن هناك غموضاً في المشروع يتمثل في التسلسل الزمني وآليات التنفيذ يجعل تطبيقه على الأرض شبه مستحيل.
وتعبر هذه المصادر عن تشاؤمها من قدرة وقف إطلاق النار الحالي على الصمود حتى في حال إقرار المشروع، ما يكشف عن فجوة بين الأهداف المعلنة والخطة التنفيذية المتوقعة.
يطرح مشروع قرار "مجلس السلام" كإدارة انتقالية ذات شخصية قانونية دولية، وهو مصطلح يثير الكثير من التساؤلات حول واقع السيادة في المرحلة المقبلة.
وبحسب المشروع، سيجري تسليم الإدارة في مرحلة لاحقة إلى السلطة الفلسطينية بشرط أن تستكمل برنامجاً إصلاحياً بشكل مرضٍ، من دون تحديد ماهية هذه الإصلاحات.
وتكتفي المسودة بالإشارة إلى المبادرة الفرنسية السعودية التي تلزم السلطة بإجراء انتخابات عامة ورئاسية خلال عام واحد من تثبيت وقف إطلاق النار.
رفض فلسطيني
الفصائل الفلسطينية حذرت من خطورة المشروع، مؤكدة أنه يشكل محاولة لفرض وصاية دولية، ويعيد إنتاج نموذج إدارة فوق وطنية تجرد الفلسطينيين من قرارهم الوطني.
واعتبرت الفصائل في بيان مشترك لها، الأحد 16 نوفمبر الجاري، الخطوة "مدخلاً لتكريس رؤية أمريكية إسرائيلية لإدارة القطاع، بعيداً عن حقوق الفلسطينيين وحقهم في السيادة".
وأكد البيان أن الصيغة المقترحة تمهد لهيمنة خارجية على القرار الوطني الفلسطيني، عبر تحويل إدارة غزة وإعادة الإعمار إلى جهة دولية فوق وطنية ذات صلاحيات واسعة، بما يجرد الفلسطينيين من حقهم في إدارة شؤونهم.
مخاوف حقيقية
الكاتب والمحلل السياسي محمود حلمي يرى أن الرفض الفلسطيني لمشروع القرار الأمريكي المتعلق بإرسال "قوة استقرار دولية" إلى غزة يعكس مخاوف حقيقية وعميقة من أن تتحول هذه القوة إلى أداة لإعادة هندسة الواقع السياسي والأمني في القطاع بما يخدم الرؤية الإسرائيلية الأمريكية.
وقال حلمي : إن "الفلسطينيين ينظرون إلى المشروع باعتباره محاولة لفرض وصاية أمنية دولية تمهد عملياً لفصل غزة عن السياق الوطني الفلسطيني وتكريس ما بعد الحرب كأمر واقع مفروض".
ويوضح أن أسباب الرفض الفلسطيني متعددة، وأبرزها المساس بالسيادة، حيث أكدت القيادة الفلسطينية أن أي إرسال لقوة دولية دون تنسيق أو موافقة فلسطينية يشكل خرقاً مباشراً للسيادة ويفتح الباب أمام تدخلات خارجية طويلة الأمد.
وأضاف حلمي: "الخطة قد تستخدم لفرض ترتيبات أمنية تقصي المقاومة وتجهض أي إمكانية لاستعادة الوحدة أو تحقيق المصالحة الفلسطينية، حيث يفتقر المشروع لأي إطار سياسي يضمن الحقوق الوطنية، وعلى رأسها إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ويشير إلى أن الدلالات السياسية للرفض الفلسطيني واضحة؛ إذ يعكس المشروع فشل واشنطن في صياغة حل سياسي شامل، ومحاولتها القفز نحو ترتيبات أمنية تمنح "إسرائيل" قدرة أكبر على التحكم بمستقبل القطاع.
ولفت إلى أن "الانقسام داخل مجلس الأمن حول كيفية التعامل مع غزة يزداد وضوحاً، حيث تتصاعد الدعوات الدولية لمحاسبة إسرائيل مقابل محاولات أمريكية مستمرة لتوفير غطاء دبلوماسي لها".
وذكر أن الرفض الفلسطيني "يشكل موقفاً وطنياً موحداً في مواجهة محاولات فرض حلول خارجية تتجاوز إرادة الشعب الفلسطيني، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي إما احترام الحقوق الوطنية الفلسطينية أو الاكتفاء بفرض ترتيبات أمنية لا تعالج جذور الصراع".