ما عدا الجزائر
هذه المقالة هي مناشدة للجزائر العزيزة وأهلها الكرام، والعقلاء من ساستها وما أكثرهم، والحصفاء من حكمائها وما أحصفهم.
صدر نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قرار مجلس الأمن رقم (2797) في شأن الصحراء الغربية، وهو قرار تاريخي ومهم يفترض أن يسدل الستار نهائياً على صراع جزائري - مغربي استمر نصف قرن،
وجوهره أن مجلس الأمن يؤيد المبادرة المغربية للحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، وقد امتنع من التصويت على القرار كل من روسيا والصين وباكستان، ووافقت عليه 11 دولة بينها فرنسا وبريطانيا وأميركا والإمارات العربية المتحدة، فيما لم تحضر الجزائر، العضو في مجلس الأمن دورياً، حتى جلسة التصويت على القرار.
في عام 2007 أطلق الملك محمد السادس مبادرة الحكم الذاتي للصحراء الغربية التي حررها المغرب سلمياً من الاستعمار الإسباني عام 1975 بالمسيرة الخضراء الشهيرة التي قادها الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، وتستهدف المبادرة إنهاء الصراع والاقتتال بين الإخوة في الجزائر والمغرب وحقن الدماء،
وتنص على أن تحكم الصحراء المغربية نفسها بنفسها وتنتخب مجالسها وهيئاتها، وتسن قوانينها المحلية ونظمها الداخلية كما تشاء، ويكون سكانها مواطنين مغاربة ممثلين في البرلمان الوطني المغربي، على أن تكون السياسة الخارجية والاقتصاد الخارجي والدفاع مسؤولية الدولة المغربية بعمومها،
وقد اعتبرت الأمم المتحدة هذه المبادرة أساساً واقعياً لحل دائم لمشكلة الصحراء التي افتعلتها الجزائر بخلق مرتزقة الـ "بوليساريو"، وتصر على حقهم في تقرير المصير.
ولم تكن المنظمة الدولية هي من أيدت المبادرة المغربية وحدها، بل أيدتها دول الغرب والشرق والكبرى والصغرى من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وحتى إسبانيا، المُستعمر السابق للصحراء، أقرّت بأن الصحراء مغربية، كما لا توجد دولة عربية تتبنى الموقف الجزائري الرسمي،
فالدولة الوحيدة التي تصر على استمرار الأزمة حول الصحراء الغربية هي الجزائر وحدها، وتترجم هذا الإصرار والعناد بسياسات عدائية تجاه جارتها الشقيقة المغرب، فقطعت معها العلاقات وأغلقت الحدود ومنعت الطائرات المغربية المدنية من التحليق في سماء الجزائر، وأهانت الإعلاميين والرياضيين المغاربة، وأوقفت الغاز الذي كان يذهب إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية، بل وحرمت أُسراً مغربية - جزائرية تعيش على جانبي الحدود، في وجدة مثلاً، من الالتقاء إلا بالسفر إلى أوروبا ليلتم شملها.
وعلى العكس من ذلك مارس المغرب ولا يزال سياسة ضبط النفس، ودعا خلال أكثر من مناسبة إلى الحوار والحلول السلمية للوقوف على المرامي الجزائرية من وراء سياستها وأهدافها،
وآخر تلك الدعوات ما نادى به الملك محمد السادس بعيد صدور قرار مجلس الأمن المذكور أعلاه، بتوجيه رسالة إلى أخيه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يدعوه "إلى حوار أخوي صادق لتجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثقة المتبادلة والأخوة وحسن الجوار".
السودان يشتعل، وغزة تباد، وليبيا تقتتل، واليمن يتقاتل، وسوريا مثخنة بالجراح، ولبنان على مفترق طرق للبقاء من عدمه، والعراق يعيش أزمة تلو أخرى، وآخر ما ينقص منطقتنا العربية هو مزيد من الحروب والاقتتال،
فالمغرب والجزائر دولتان ثريتان تحويان خيرات هائلة، وتتمتعان بقدرات بشرية خلاقة، وإذا ما استغلت خيراتهما بالتعاون والتبادل التجاري والاقتصادي فستكونان قوة اقتصادية جبارة، لكن ذلك لن يتحقق في ظل استمرار العداء الجزائري تجاه أشقائهم وجيرانهم في المغرب،
فعلى الإخوة في الجزائر العزيزة فتح صفحة جديدة من التفاهم الودي مع أشقائهم في المغرب لإغلاق هذا الملف الذي طال أمده، وسالت دماء الأبرياء عبثاً من أجله، بناء على قرار مجلس الأمن رقم (2797) ومبادرة الحكم الذاتي للصحراء، ودعوة العاهل المغربي إلى الحوار الودي والتفاهم الأخوي.
سعد بن طفلة العجمي
وزير الإعلام السابق في الكويت