Logo

المكتوم في اليمن: صرخة لا تسمعها السلطة

 في اليمن، لا تختفي الحروب على الأرض وحدها؛ هناك حرب أعمق، أهدأ، لكنها أكثر ضررًا: حرب الصوت المكتوم، وحرب الواقع الذي لا يُقال عنه شيء. 

المواطن اليمني يعيش في دوامة من القرارات المفروضة، والسياسات المتصارعة، والمصالح التي تُرسم على الورق وتُطبّق في الحياة كما لو كان طرفاها لا علاقة لهما به.

كل فعل صغير يُخضع للفحص والمساءلة قبل أن يُولد، وكل طموح كبير يُقيد قبل أن يُنفَّذ. المواطن يقف أمام سؤال بسيط لكنه مرير: هل هو جزء من المشكلة، أم مجرد ضحية؟ والإجابة دائمًا مختفية، مكتومة، تتسلل بين الحوارات الرسمية والتسريبات الإعلامية.

الواقع هنا أكثر تعقيدًا مما تصفه الخرائط أو التحليلات. مؤسسات تنهار، اقتصاد ينهار، والمجتمع يُترَك ليواجه الفوضى بلا دعم أو حماية. 

الغضب المكتوم يختبئ في كل بيت، في كل شارع، في كل عين تراقب، لكنه موجود، صامت، يلمع في التفاصيل الصغيرة، ويقوي الإحساس بعدم الجدوى.

وهنا تكمن المفارقة: السلطة، الفصائل، القوى المحلية والإقليمية، كلهم يعتقدون أنهم يتحركون بحرية، بينما المواطن هو الذي يُمسك ثمن القرارات، ويعيش صمتهم، مكتومًا بين حدود لا يُرى لها نهاية. 

ومع ذلك، قوة الوعي، كما كان يقول هيكل عن الشعوب، تكمن في إدراك هذا الصمت، في معرفته، في قراءة ما يحدث بعيون مفتوحة، حتى لو لم يغير شيئًا في اللحظة نفسها.

اليمنيون يعيشون صرخة مكتومة، لكنها حقيقية، صادقة، وقاسية. من يعرفها يدرك أن المعركة الكبرى ليست فقط على الأرض، بل في فهم الواقع، في مقاومة الصمت، وفي البحث عن أمل ضمن دوامة الظلام التي تحيط بهم.

أ. نجم الدين الرفاعي